السبت, 10-ديسمبر-2011
 - الكذب على الضحايا وبيع الوهم .. كرمان أنموذجاً  صعدة برس-عبدالرشيد الفقيه -
الكذب على الضحايا وبيع الوهم .. كرمان أنموذجاً عبدالرشيد الفقيه

يبدو أن أكثر من انكشف في فترة الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام بالإضافة إلى أشياء كثيرة ( منظمات المجتمع المدني ) ، رغم أن هذه الفترة كانت الاختبار الحقيقي لما راكمه االمجتمع المدني من خبرة وبنية لسنوات أنفقت فيها أموال طائلة وبذلت فيها الكثير من الجهود لتقوية البنية التحتية لمنظمات المجتمع المدني وبالأخص من ذلك المنظمات المعنية بحقوق الإنسان والحريات العامة .

يمكن متابعة أداء هذه المنظمات طيلة الفترة الماضية كمؤسسات وكنشطاء وسيتبين لأي متابع أن الأموال التي بذلت لهذا المجال كانت هدر حقيقي ولم تعد بأي نفع للفئات التي أنشئت هذه المؤسسات لخدمتها ولا للقضايا التي ترفعها ، والأثر الوحيد الواضح أنها خدمت ذوات وشخوص حسنت مركزها المالي والعام بالإضافة لمنافع شخصية أخرى ، وإن وجد استثناء فهو نادر جداً .

هناك الكثير من المنظمات الحقوقية أغلقت مكاتبها منذ بدء الإحتجاجات وسرحت عامليها وفتحت قنوات اتصال مع وسائل الإعلام واكتفت بإطلاق التصريحات والفقاعات والوعود للضحايا وفي الأغلب الأعم (الأكاذيب والأوهام) التي يحتفي بها الإعلام ويقدمها للمتلقيين كحقائق في غياب واضح لديه لأي معايير مهنية أو أخلاقية تحمي المتلقي من كل ذلك العبث .

رواد هذا العبث وأعيانه ركنوا إلى أن هذا المجتمع وأدواته لا تتفحص ولا تقيم ، وإلى الغياب الكلي لأي رقابة من أي نوع ، وأن المجتمع اليمني في مرحلة انفعال تجعله يحتفي بكل من يبيع له الأوهام والأكاذيب بل ومستعد ببراءة لأن يكافئه ، ولهذا فأعتقد أنهم صاروا يبنون لعبثهم خططاً استراتيجية.

لقد اختار غالبية المنخرطون في العمل الحقوقي والمدني والإعلامي العمل الشكلي الفقاعي لأنه الأقل كلفة والأكثر رواجاً والأضمن مغنماً ، ولهذا يغيب العمل الحقوقي الميداني في مسرح الإنتهاكات حتى يكاد ينعدم ، ويحضر في وسائل الإعلام والبلاغات الصحفية من العواصم العربية والعالمية، والصور التذكارية .الذين ادعوا تسليم ملفات لمحكمة الجنايات الدولية مثلاً أكثر من الذين يعملون ويرصدون في الميدان وأكثر بكثير ممن زاروا أسر الضحايا وأكثر ممن سمعوا شهود وقائع الإنتهاكات ، وجميعهم التقطوا صوراً تذكارية أمام مبنى المحكمة في لاهاي .

الكثير من المنظمات العتيقة والحديثة نشرت بلاغات هزيلة بمعلومات مغلوطة بعضها على سبيل المثال نشر عدة مرات قوائم قتلى ما يقارب نصفها أخطاء كونها قوائم عامة يتداولها الهواة تفتقر لأبسط قواعد العمل الحقوقي .

يمكن استحضار الكثير من النماذج فما يقارب العام من الأحداث والحراك العام في اليمن راكمت المنظمات الحقوقية وأعيانها الكثير من العبث الذي يستدعي وقفة جادة وتقييم حقيقي يوقف هذا الإفساد لواحدة من أهم أدوات المجتمع الحديث الذي ننشده .

أستطيع القول أن تكريس كل هذا العبث والأداء الهزيل والفقاعي للمنظمات الحقوقية أهدر الكثير من فرص الإنتصاف للضحايا ، وأن الترويج للأوهام والأكاذيب والإدعاءات انتهاك إضافي يلحق بالضحايا وذويهم ويصيب العمل الحقوقي ومصداقية المجتمع المدني في مقتل .

يحضرني الآن آخر نموذج لهذا العبث سأطرحه هنا لتتضح الصورة أكثر وهو الخبر الذي نشرته الكثير من وسائل الإعلام قبل أيام حول لقاء المدعي العام بمحكمة الجنايات الدولية لويس أوكامبو مع توكل كرمان والذي نقلت عنه كرمان في بلاغ صحفي لها وعده بالعمل على ملاحقة المسؤولين عن الإنتهاكات في اليمن وهذا نموذج مناسب لتتبع منهجية بيع الوهم التي قرر البعض اتباعها في تعامله مع اليمنيين .

الأمر المؤكد والذي يكاد يكون من البديهيات عند العاملين في المجال الحقوقي أن لمحكمة الجنايات الدولية نظام أساسي يحدد بوضوح صلاحياتها وآليات عملها ، وتنحصر سلطة المحكمة بحسب النظام في ثلاث حالات : الأولى أن تكون الدولة مصادقة على نظام المحكمة، الثانية أن تقرر الدولة الإمتثال لسلطة المحكمة ، الثالثة أن يحال ملف الدولة من مجلس الأمن إلى المحكمة . والواضح الجلي أن اليمن بعيدة تماماً عن الحالات الثلاث .

ورغم توضيح هذا بجلاء من قبل لويس أوكامبو للناشطة الفائزة بجائزة نوبل لهذه النقاط بحسب تصريحه المصور إلا أن البلاغ الصحفي الذي ارسلته توكل للإعلام قال أمراً آخر ونسب على لسان أوكامبو وهماً قررت تسويقه للضحايا ولعامة اليمنيين وخاصتهم .

اختارت توكل طريقتين مختلفتين للتعامل مع لقاءها بأوكامبو ، الأولى كانت للصحافة الأجنبية ، كانت دقيقة عبرت فيها تقريباً عما دار ولم تتحدث فيه إطلاقاً عن وعود صرفها أوكامبو خارج صلاحياته ، الطريقة الثانية كانت للداخل ، كان البلاغ مظللاً ودعائياً حاولت فيه تسويق وهم للناس وادعاء دور غير حقيقي ..

هذا نموذج ضمن أداء عام يظلل الناس بوعي وقرار ، وسلوك لدى الكثير من المنظمات والنشطاء يكرس كل يوم بدون أي رقابة أو مخاوف من رقابة وهو سلوك لا يهدد الجناة لأن الجناة لديهم خبراءهم ومستشاروهم ، ما يهددهم بالفعل هو عمل حقيقي في الميدان هو واجب المنظمات والنشطاء يستحق الضحايا أن نقوم به ، هذا الأداء فقط يسوق الوهم لدى الضحايا والناس ويظللهم وسيصل بهم إلى الكفر بالمنظمات الحقوقية وبالحقوقيين

*
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 01:59 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-2811.htm