صعدة برس-متابعات - خليل حرب _السفير
كأنما تستشرف هذه الحملة «يمننة لبنان».
أما «لبننة اليمن» فقد صارت واقعاً. فما كان يصفه الخبراء والمحللون بـ «الحديقة الخلفية» للسعودية، أي اليمن، صار «ملبنناً»، بالاحتراب الداخلي المشجع بسلاح الخارج وأمواله وإعلامه. مقاومة اليمنيين، جانب آخر من المشهد. وهذا حديث آخر.
تتبدل المعادلة الآن. أو هكذا تشاء الرياض. كأنما يراد استنساخ التجربة اليمنية في لبنان. لن تكون هناك مقاتلات جوية سعودية تقصف بيروت كما تقصف صنعاء. لا يقول السعوديون ذلك. لكن الحملة القائمة الآن، في بيان الحكومة السعودية والتراجع عن المساعدات المالية وطرح الشروط مواربة والغمز المخزي بشأن قطع الأرزاق، تحمل كل طبائع الهجوم الشامل على الخصم، ناهيك عن تلويح الموتورين بأن «الحزم» السعودي آت آت.
لبنان كـ «حديقة خلفية» للنفوذ السعودي. ألا يبدو السلوك السعودي الآن كأن موسم الحصاد قد حان لكل استثمارات حقبة ما بعد الطائف؟ الدول، وهذه المملكة منها، تبحث عن نفوذ هنا وهناك. انكسرت معادلة التفاهم السعودي السوري التي ضبطت توازن اللعبة في لبنان. والآن، لبنان كما اليمن، يلوح كيتيم وحيد، ولطالما استثمرنا فيه. هكذا نص بيان الحكومة السعودية الأخير.
ولهذه، وربما من أجل ذلك، يجوز السعي الى إعادة تركيب المشهد السياسي فيه، وتغيير أوزان الحلفاء والخصوم الداخليين. يمكن أيضاً تأليب الإعلام على المنتمين الى التيار الآخر. إحراج الفريق المتحصن في الضفة الأخرى بكيل من الاتهامات والتهويل. كأنما المراد هنا، وإنما من دون تصريح واضح، صناعة «عبد ربه منصور هادي لبناني». ليس مهماً إن كان مخلوعاً أو هارباً من عاصمته او يفتقر الى الشرعية الدستورية. نحن نمنح «الشرعية». وكما نخلعها ونمنحها في صنعاء وعدن، يجوز لنا أينما استطعنا. الوزير الذي لم يصوّت تضامناً معنا يمكن خلعه. وزراء اليمن تاريخياً كانوا مباركين مسبقاً في قصور السلطة في الرياض. عبدالملك المخلافي كان عروبياً وقومياً، والآن هو في صفنا، بقرار منّا، في حكومة الفشل اليمني، والاحتراب. وتاريخياً، أنظمة وحكومات ورؤساء يمنيون صعدوا أو خُلعوا بقرار من دوائر الحكم السعودي.
وكما في اليمن، لنا في لبنان أيضاً، فصائلنا وعشائرنا وأحزابنا. المعركتان لا تتماثلان، لكن التشابه كبير. وليس صدفة الترويج الواسع لتسميات مثل «سلمان الحزم» حتى في ما لا يتعلق بالحرب على اليمن. في الصدام مع إيران والخلاف مع لبنان وتأجيج الدم السوري والتنازع حول العراق المذبوح. «سلمان الحزم» حاضر كمصطلح (هل تذكرون عاصفة الصحراء؟) يشي بتبدل السياسات السعودية إقليمياً، أو فلنقل تصلبها. «عاصفة الحزم» على اليمن، صارت برغم تعثرها وانكساراتها، وتحولها الى فضيحة أخلاقية في العالم، عصا يهدد بها المحلّقون خارج السرب.
«سلمان الحزم»، التسمية أكثر من غريبة، طالما لم تنجز «العاصفة» ما يليق بوعيد المملكة وأهدافها، ولا جموح الإبن محمد. والأكثر غرابة أن تجري محاولات تعميمها شامياً وعراقياً وإيرانياً.
إنه استنساخ بائس، ورايات العروبة لا تُرفع باسم «الحزم» ولا عبر العرائض والسفارات. لكن المشكلة أن المملكة جادة، وهي غاضبة لأسباب كثيرة، ولديها ما يكفي من أسلحة المواجهة وأدواتها. والأدهى أن شريحة واسعة من مواطنيها يعتقدون، في أجواء الفتنة الملتهبة، أنها تجعل العالم مكاناً أجمل!....ما أتعسنا. |