صعدة برس - *عبدالملك العجري
من المفارقات أن مظاهرَ السحلِ والتمثيلِ بالجثث والأعمالَ الانتقامية بطبعتها الداعشية تكاد تكونُ حصراً على اكثر مدينتين يمنيتين تعرّضتا للتمدين- أعني عدن وتعز- من بين كُلّ مناطق الصراع كمأرب مثلاً التي يغلب عليها الطابع القبلي.
إنها مفارَقةٌ غريبةٌ، وهي بالتأكيد لا تعكسُ أخلاق المدينتين ولا قيَمَها المدنية ولا قيم وأخلاق أهلهما، لكن كيف نفسّر هذه الظاهرة؟
أعتقدُ – بشيء من التبسيط- الأمر له علاقة بعاملين: التعبئة البغيضة والغرائزية للفكر الصحراوي (القادم من صحراء نجد)، والعامل الثاني التمدين الهشّ أَوْ المدنية الهشة، والهشاشة هي السمة التي طبعت حركة التمدين في معظم المجتمعات العربية.
وعلاقتها بموضوعنا أن المدنية الهشة تدمر أَوْ تضعف قيَمَ التضامن التقليدية والقبلية، لكنها تفشل ترسيخ القيَم المدنية في المجال العام ولذلك يبقى إحلالها وبناؤها هشاً، وفي ظروف الهزات الاجتماعية الفوضى والصراع لا تستطيع أن تصمدَ أمام عنف الهزة الاجتماعية، وفي الآن ذاته تكون عودتها لتضامناتها التقليدية مستبعدةً؛ نظراً للتدمير الذي لحق بها، وبالتالي حصول فراغ قيمي يشكل فرصةً للجماعات المتطرفة الإرهابية لملئه بقيمة التنكيل والتوحش.
المدَنية الهشة- في ظلِّ هزيمة وتوقف مشروع التحديث –تمثل بيئةً خصبةً لنشاط الجماعات الإرهابية أكثر من المجتمعات التقليدية، ولعل هذا ما حمل المستشرقَ الفرنسي المتخصِّصَ في الأصوليات الإسلاموية اوليفيه روا الى القول بأن الإسلامَ الراديكالي نتاجٌ للتحديث المشوّه وأنه ترعرع في المدن لا الأرياف. |