صعدة برس-سناء مبارك -
وظائف للعاطلين عن الثورة
سناء مبارك
آخٍ أيها الرفيق جيفارا , سامحك الله .. لم يكن عليك أن تفقأ طبلة أذن الثورة بمقولتك عن الثوّار الذين يملأون العالم ضجيجاً كي لا ينام العالم على أجساد الفقراء ..
أعجبك الآن ؟ في اليمن نعاني أرقاً مزمناً جراء هذا الضجيج , و عالمنا هو عالمنا , ينام على أجساد الفقراء , الثوار و الفقراء , الثوّار الفقراء ..
الثوار الآخرون الذين أدمنوا صناعة الأمجاد الشخصية من عرق الثورة , أصبحوا عاطلين عن الأضواء و التنبؤات و التباشير عندما انفضّ عنهم أربابهم إلى الكراسي , تاركين لنا نسخاً ممسوخة من صانعي الوهم , على هيئة أبواقٍ ضخمة تولول كلما حان موعد آذان السكينة ..
يبدو الأمر و كأن الثورة التي فشلتْ كثورة , و نجتْ مؤخراً كأزمة , قلّصت هذه الفرص للأيقونات الثورية النزقة إلى حد كبير , لهذا ينشغل بعض الثوّار الملمّعون " سابقاً , الباهتون " حالياً " , بتسوّل التعاطف و التضامن و التصفيق حتى على حساب عقولنا و مقدرتنا على احتمال الغثيان ..
أشعر فعلاً بالأسى لأجل الذين أصابهم هذا الهلع , و صوّرت لهم مكانتهم الثورية حين حماسة أنهم محور هذا الكون , و أن الأرض قد تتفرغ للتضامن مع ما يتلقونه من تهديدات وهمية أو مع ما يتعرضون له من قسر لأجل مقالٍ محجوب أو ظهوٍر تلفزيوني فقير , أو أن التاريخ سيصفق لهم إذا ما أصدروا تهديداً أو تنديداً " قرآنياً " لا يتناسب و أحجامهم الواقعية ..
كم كانت الأديبة الناشطة بشرى المقطري رائعةً و كثيرةً و هي تيمم وجهها بترابِ التنزه عن هوامشِ الفعلِ الثوري ( بما فيها تلك التهديدات التي وصلت لحد تصفيتها جسدياً , و كنا جميعاً شهداء على ذلك ).. كم كانت فائقة العلو بثورتها النقية التي لم تكن لتسمح لها بأن تطلب من أحدٍ أن يتضامن معها أو يطلق شهقات الاستياء لأجلها , و لم تفكّر بالتحدث عن الأمر طويلاً و مطولاً و لم ترغب حتى بالرد على جماعة المسيئين لها .. ربما كانت فقط تفرك عينيها بصمت و تضحك , أو تضحك ثم تصمت :)
لا أحاول و لو بشكلٍ بعيدٍ أن أدخل مجدداً في تفاصيل ما حدث لبشرى و لكنني أريد فعلاً أن أدق ناقوس الثورة في ضمير البعض , هذا البعض الذي يملأ فراغه بفقاعات صغيرة صغيرة , تماماً بحجم مبادئهم المتأرجحة بين العكس و ضده و بين التطبيل الأعمى حيناً و الـ" خالف تُعرف " أحاييناً أخرى ..
لا وطنٌ جديدٌ سيُبنى و نحن نعلّق فخرنا على قلوبٍ تقلبها المصالح و الانتماءات الحزبية بين أصابعها كيف تشاء ,
لا حريةٌ ستكون لنا عندما ينتهي شهر عسلنا بقضايانا الكبرى وقتما تراودنا جهاتٌ " قادرةٌ " و مخاصمةٌ عن نفسها ,
لا أمانٌ و لا استقرارٌ سيكون و كبارنا يتمحورون حول ذواتهم و أوطانهم الصغيرة التي يصنعونها بالصراخ , الذي يجلب لهم أكبر قدر من الملتفتين ,
لا كفاءاتٌ سنعوّل عليها مستقبلاً إن كانت الشهرة في مجتمعنا ثمنها أن تسبّ أحدهم أو تخوّنه , أو أن تبتدع طريقاً للأضواء لا علاقة له بإبداعٍ أدبي أو فني أوإنجازٍ علمي أو نشاطٍ خيري أو حتى تنموي ..
كما أن لا شيءٌ أخلاقيٌ يوجد في ممارسة غواية " عاش الملك , مات الملك " ..
دعكم من هذا الآن , نريد حقاً من فاعلي الخير و على وجه الضرورة القصوى وظائفاً كثيرة , بعضها للثوار الحقيقيين الذين تخلوا عن مستقبلهم و طموحاتهم و نذروها لساحاتِ التغيير و العمل الثوري المجرّد , و أخرى للأصدقاء الذين لا يشغلهم حالياً سوى البحث عن " ثقوب الثورة " التي كانت تتسرب منها " أشعة الشهرة " ..