صعدة برس-متابعات - *عبد الباري عطوان
استنجاد العميد الدندل بالاسرائيليين “لمد يد العون للشعب السوري في مواجهة الاسد” افضل “هدية” يقدمها للنظام والاسرائيليين معا في ذكرى النكبة.. ليت هناك من يذكره وامثاله بمصير “زميله” الجنرال لحد ونهايته البائسة
لا نستطيع ان نتصور مدى فرحة القيادة السورية في دمشق وهي تطالع تصريحات العميد المنشق نبيل الدندل، الذي طالب دولة الاحتلال الاسرائيلي “بمد يد العون للشعب السوري في مواجهة نظام الرئيس بشار الاسد”، لان مثل هذه الدعوات والمبادرات، من قيادي في رتبته، توفر لها الذخيرة التي لا تحلم بها، في حربها الاعلامية ضد المعارضة السورية المسلحة، التي تقاتل من اجل اسقاط النظام.
الشعب السوري، المعروف بمشاعره الوطنية العالية جدا، خاصة عندما يتعلق الامر بالقضية الفلسطينية، ومحاربة االاسرائيليين لتحرير ارضه المغتصبة، سيصاب، او الجزء الاكبر منه على الاقل، بحالة من الصدمة وهو يتابع مثل هذه المواقف المخجلة، والصادمة في الوقت نفسه، من قبل اناس يدعون تمثيله، والنطق بإسمه، والسعي من اجل مصالحه في الامن والاستقرار والرخاء، خاصة ان العميد الدندل، ادعى ان موقفه هذا “يعكس موقف غالبية الشعب السوري” ورغبته “في فتح حوار.. وان هناك فرصة فريدة لدى اسرائيل لصنع السلام معه”.
***
العميد الدندل الذي انشق عن الجيش السوري عام 2012، وكان رئيسا لفرع الامن السياسي في اللاذقية، ورئيسا لفرع الهجرة والجوازات في دير الزور، يؤكد بانشقاقه، ومن ثم تصريحاته هذه، مقوله القيادة العسكرية السورية بأن مثل هذه الانشقاقات “تطهر صفوف الجيش، وتنظفه من الخونة والعملاء”.
من المفارقة ان هذا العميد الذي ما زال يرتدي زي الجيش العربي السوري، ويزين كتفيه بنجومه، وجبهته بشعاره الرسمي، لم يتعلم مطلقا من درس زميله السياسي كمال اللبواني، الذي طلب النجدة الاسرائيلية، وتعهد بتقديم هضبة الجولان السورية المحتلة، “مكافأة” مقابل هذا التدخل في حالة اطاحته بالنظام السوري ورئيسه مع فارق اساسي، وهو ان السيد اللبواني اطلق نداء استغاثته هذا قبل التدخل العسكري الروسي المباشر، وعندما كان وضع “المعارضة المعتدلة” وجيوشها، افضل بكثير من وضعها في الوقت الحالي، حيث تغيرت خريطة المعارضات المسلحة، وباتت المنظمات الاسلامية المتشددة مثل “الدولة الاسلامية”، و”جبهة النصرة”، و”احرار الشام”، و”جيش الفتح”، هي صاحبة الكفة العليا على الساحة، وفي ميادين القتال في مواجهة الجيش السوري وحلفائه.
لا يضيرنا ايضا ان نعيد تذكير العميد الدندل، وكل من يفكرون السير على طريقه في اسقاط كل اقنعه الوطنية والحياء، والتقرب من العدو الاسرائيلي، بالمصير البائس الذي انتهى عليه العميد الآخر انطوان لحد، قائد الجيش اللبناني الجنوبي، الذي انتهى بائع فلافل في احد المستوطنات الاسرائيلية، بينما عاد معظم جنوده الى لبنان مفضلين السجن على التسول في ازقة تل ابيب.
***
السلطات السورية ارتكبت اخطاء قاتلة، واساءت اجهزتها الامنية للكثير من السوريين، وافاق فساد بعض المحسوبين عليها نظرائه في اكثر الدول غنى وفحشا، ولكن ان يذهب بعض المنشقين عن جيشها، ونظامها السياسي الى درجة الاستنجاد بالاسرائيليين، فهذه “ام الكبائر” في الخيانة والتواطؤ مع الاعداء ضد الاوطان والشعوب، وليس ضد الانظمة فقط.
ان يختلف البعض مع النظام فهذا من حقه، لكن ان يستجير من “رمضائه” “بنار الاعداء”، فهنا تكمن الطامة الكبرى المرفوضة، والمدانة في كل الاعراف والاديان والمذاهب، الا تكفي الاستعانة بأمريكا وتركيا والسعودية، ودول خليجية اخرى، الى جانب حلف “الناتو”، حتى يذهب امثال الدندل الى اسرائيل مقدمين لها كل الطاعة والولاء، وصكوك البراءة من قتل الآلاف من السوريين؟
نكتب هذا المقال، ونحن نمر بالذكرى الثامنة والستين ليوم النكبة، يوم اغتصاب فلسطين الاليمة على قلوبنا وعقولنا، وليس هناك افضل هدية يقدمها هذا العميد وامثاله للمغتصبين الاسرائيليين في هذه الذكرى.
النظام السوري، وباختصار شديد، محظوظ بمثل هذا النوع من المعارضين الذين يريدون اسقاطه، ويقدمون انفسهم كبديل افضل عنه.. ونحمد الله ان هناك معارضة وطنية شريفة تقدم النموذج في التصدي لتجاوزات النظام وجرائمه، وديكتاتوريته، داخل سورية وخارجها.
* "رأي اليوم" |