صعدة برس -متابعات - *عبد الباري عطوان
لم يفاجئنا "اللواء" احمد العسيري المتحدث باسم "عاصفة الحزم" بحديثه عن الانتهاكات التي لا تحصى لاتفاق وقف اطلاق النار من قبل التحالف "الحوثي الصالحي"، خاصة تلك المتعلقة بمواصلة القصف والتوغل في الأراضي السعودية، لكن ما فاجأنا هو كثافة الحديث في اعلام التحالف السعودي عن تهريب أسلحة الى "المتمردين" الحوثيين عبر حدود سلطنة عمان الطويلة مع اليمن، وهو ما نفته الأخيرة بشدة.
نستغرب استهجان السعودية وحلفائها لعمليات التهريب هذه، فماذا تتوقع المملكة التي تشن حربا على اليمن منذ 19 شهرا، تستخدم فيها أحدث الطائرات الامريكية الصنع، وتحشد فيها قوات وطائرات من تسع دول؟ هل تتوقع ان يتظاهر اليمنيون ترحيبا بهذا القصف، ويرقصون طربا على ازيز الطائرات، واصوات انفجارات صواريخها؟
السعودية تنفق مليارات الدولارات على شراء صفقات أسلحة وذخائر ومعدات أمريكية وبريطانية متطورة جدا، وتستكثر على اليمنيين، المعتدى عليهم، تهريب بضعة صواريخ او أسلحة قديمة متهالكة من بقايا الاتحاد السوفييتي المنهار، يرسلها "المحسنون" والمتعاطفون، او المتآمرون (سيان عندنا)؟
***
مافيات التهريب هي الأخطر والأكثر ذكاء في العالم بأسره، والا لما غرقت المملكة بالمخدرات، ولما اصبح الكوكايين والهرويين الافغاني يشكل 90 بالمئة من مجموع المخدرات المهربة الى أوروبا.
عندما تقرر ان تخوض حربا ضد جيرانك عليك ان تتوقع الأسوأ، وليس استسلام الخصم امام آلتك التدميرية الجبارة، وتهريب الأسلحة للأطراف المتقاتلة جميعا هو القاسم المشترك في كل الحروب، خاصة عندما يتم فرض حصارات خانقة، وما اكثر الطرق الملتوية في هذا المضمار.
حدثني الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات انه ارسل موفدا الى لبنان ليكون ضابط اتصال بينه وبين "حزب الله" اللبناني، مهمته الحصول على بنادق ومواد متفجرة ووضعها في براميل ثم نقلها الى قبالة سواحل قطاع غزة عبر المياه الدولية لتقوم الأمواج بقذفها الى الشاطئ، حيث يكون مقاتلو "حماس" في انتظارها، او ينتشلها الغواصون، واستمرت عملية التهريب هذه التي كسرت الحصار حتى اكتشفتها الدوريات الإسرائيلية، وبعدها تم اللجوء الى حفر الانفاق للغرض نفسه، وجاءت الأسلحة من ايران ومن ليبيا عبر السودان ومصر، وقصفت طائرات إسرائيلية بعضها في ميناء بورسودان"، واكملت السلطات المصرية الحالية المهمة بإغلاق الانفاق، وغرق الشريط الحدودي بمياه البحر.
القيادة السعودية بدأت تشكك بأن الصواريخ الباليسيتة التي استخدمها التحالف "الحوثي الصالحي" في قصف خميس مشيط، ووصلت الى الطائف في اقصى شمال غرب المملكة هي إيرانية الصنع، ووصلت حديثا الى اليمن، ولم تصدق الرواية التي تقول انها تم تصنيعها في اليمن على غرار صواريخ "حماس"، وباتت تبحث عن الثغرات الحدودية التي جرى استغلالها لكسر الحصار البحري والبري السعودي.
لا نعتقد ان هذه القيادة، ومهما اوتيت من قوة وطائرات، وأجهزة تجسس، واقمار صناعية غربية، قادرة على منع عمليات التهريب هذه كليا، لطول الحدود البرية والبحرية التي تقدر بآلاف الاميال، ولكننا لا نستبعد تقليصها جزئيا، فالمهربون دائما متقدمون على الحكومات وحرس الحدود، طالما ان هناك من يوظفهم ويدعمهم بالمال، تماما مثل لصوص السيارات التي لا تستعصي عليهم اقفالها مهما تطورت وتعقدت وتحدثت.
التحالف السعودي لن يكسب الحرب في اليمن، وقلناها منذ اليوم الأول، مثلما قلنا ان الأرض تحارب مع أصحابها في وجه أي عدوان خارجي، وليس امام هذا التحالف، وهو يشاهد كيف ينفض عنه الأصدقاء، ويتعرض لإدانات دولية واتهامات بارتكاب جرائم حرب، غير البحث عن حلول سياسية توفر له مخرجا بأقل الخسائر.
***
محاولات اغتيال الرئيس علي عبد الله صالح (كان في مجلس العزاء وغادر قبل القصف بدقائق)، وبعض القادة الحوثيين في صنعاء، على غرار تلك التي استهدفت مجلس العزاء في صنعاء لن توقف الحرب، وان كانت ستشفي غليل بعض الذي يقفون خلفها ويتعطشون للثأر في حال نجاحها، وما ينهيها هو تفاوض المسؤولين السعوديين مباشرة مع خصومهم اليمنيين، والتوصل الى خريطة طريق لحل سياسي نهائي ودائم يبدأ بوقف كامل لاطلاق النار، وحكومة وحدة وطنية، وانتخابات رئاسية.
نعترف اننا تفاءلنا بنجاح وقف إطلاق النار الحالي لحرصنا على حقن الدماء في الجانبين، مع تأكيدنا ان الأمور نسبية، ولكن من دعوا الى هذا الوقف كانوا متفائلين مثلنا، ولم يوفروا له فرص النجاح مثل صدوره في قرار عن مجلس الامن الدولي، ونشر مراقبين على الأرض لرصد الانتهاكات.
التحالف العربي بقيادة السعودية جرى استدراجه الى المصيدة اليمنية واحكم التحالف "الحوثي الصالحي" اغلاق بابها جيدا.
من الذي خطط واشرف على عملية الاستدراج هذه؟ .. ايران.. أمريكا؟ الجواب ليس مهما، ولكن المهم ان الخطة نجحت حتى الآن على الأقل.
وحتى يتم الاتفاق على وقف جديد لاطلاق النار في اليمن، وتبدأ عمليات اختراقه، ستكون لنا وقفه تحليلية أخرى للمشهد اليمني في حينها.
رأي اليوم |