- ‏"فاينانشال تايمز"..رجل الـCIA السوري يحكي قصص التخبط الأمريكي والخيانات والسلاح والسوق السوداء..

السبت, 11-فبراير-2017
صعدة برس -وكالات -
هي قصة صعود رجل "السي آي إيه" في سوريا وسقوطه، هكذا قدم تقرير "فاينانشال تايمز" مقابلته المطولة مع "أبو أحمد"، الضابط السوري المنشق الذي عمل مع الجماعات المسلحة في شمال سوريا إلى أن أصبح رجل الاستخبارات الأمريكية في سوريا.

يقدّم هذا التقرير، الذي أعدته مراسلة الصحيفة إيريكا سولمون، "لمحة نادرة" عن آليات عمل الاستخبارات الأمريكية في إطار سياسة أوباما الفاترة تجاه سوريا، وأساليب تواصلها مع مسؤولي المعارضة الميدانيين، إضافة إلى المنافسة المحتدمة بين البيروقراطيات الأمريكية، والأهم الفجوة المتسعة بين واشنطن وأنقرة، وكيف أسهم ذلك كله في توسيع رقعة الفوضى السورية.

ومن أحاديث أبو أحمد، يخرج الكثير عن خفايا عمل الإدارة الأمريكية التي لعبت على حبال عدة في المعركة السورية، وكيف خيبت آمال المعارضين الذين كانوا يعتقدون أنها القوة العظمى في الكوكب، وكيف أسهمت في توسع نفوذ الجماعات الجهادية. كما نتابع علم واشنطن بوصول السلاح إلى جبهة النصرة وداعش وتفاصيل كثيرة أخرى.

من هو أبو أحمد؟

خلال الحرب، مرّ وقت على أبو أحمد عرف فيه العزّ، حينها كان يلجأ قادة المعارضة إليه لطلب المساعدة، ويسعى مسؤولو الاستخبارات الأجانب لمعرفة رأيه. كان يعبر الحدود إلى سوريا محملاً بأكياس من الدولارات ليضعها في أيدي مقاتلي المعارضة.

هؤلاء كانوا يسمونه رجل "السي آي إيه" في سوريا، فإذا "كنت تريد أمراً من باراك أوباما، عليك الاتصال بأبو أحمد، وإن أراد أحد المعارضين لقاء مسؤول أميركي يذهب إلى أبو أحمد"، هكذا يتذكر أحد رفاقه الذي تعاون مع الاستخبارات الأميركية بدوره. ثم يعلّق آسفاً "الآن، الشباب في مثل وضعنا، نحن نتجه إلى مزبلة التاريخ".

بعد عامين من التعاون مع "السي آي إيه"، في توزيع السلاح والتخطيط للعمليات العسكرية في سوريا، زُجّ أبو أحمد في السجن. وعند خروجه، أُجبر على الاختباء بشكل مؤقت، وهكذا سقط من أعين زملائه، بينما طلب تغيير اسمه وأسماء من عملوا معه وعدم الكشف عن مكانه الحقيقي.

تحمّل الصحيفة أوباما مسؤولية خيارات عديدة اتخذها في سوريا قد أوصلت الوضع إلى ما هو عليه اليوم، تقول إن أبو أحمد، كغيره من السوريين، عايش تبعات هذه الخيارات. في العام 2013، انضم إلى برنامج "السي آي إيه" الذي يهدف إلى خلق قنوات لتأمين السلاح والمال للمقاتلين السوريين، وراهن، مع غيره من قادة المعارضة، أن يؤدي ذلك إلى نتيجة مماثلة لما حصل في ليبيا. لكنهم خسروا الرهان.

"كنت أحرص على علاقة جيدة مع الأمريكيين. هم يمدوننا بالسلاح، وأنا أنقله إلى سوريا. لم أكن أهتم بواقع أن الأتراك لا يحبون الأمريكيين والأمريكيين لا يحبون الأتراك. كنت أظن أن ذلك لا يعنينا بشيء. لكن للأسف، لا تحصل الأمور بهذه الطريقة".

الفوضى الأمريكية

دافعت إدارة أوباما عن موقفها في الشرق الأوسط بأنه خروج عن الإرث الأمريكي المليء بحروب خاسرة وغير متقنة، لكن قصة أبو أحمد، بحسب كاتبة المقال، تكشف أن حتى التدخلات الأمريكية المحدودة يمكن أن تكون غير متقنة البتة، لا سيما مع العملاء المحليين الذين يدفعون ثمناً باهظاً لقاء ذلك.

يرجع المقال إلى العديد من المسؤولين الأمريكيين السابقين ليكشف شعورهم بالإحباط بينما كانوا يحاولون اللحاق بالركب في سوريا، في ظل تسابق العديد من الإدارات من أجل أهداف محددة. خلال سنوات، لم يستطع هؤلاء تحديد سياسة أوباما على الإطلاق، وتشاركوا في ذلك الشعور مع المقاتلين ومع الدبلوماسيين الإقليميين.

يعلق أحد الدبلوماسيين قائلاً "يظن الناس أن الأمريكيين لم يشاركوا كثيراً في سوريا. لكن ذلك غير صحيح، لقد تابعوا أدق التفاصيل كما حصل في حلب عندما بدأ برنامج وكالة الاستخبارات بالعمل هناك"، مضيفاً "المشكلة في السياسة الأميركية هي نفسها دائماً: الكثير من التكتيكات من دون استراتيجية واضحة... لقد كانت فوضى عارمة".

بالعودة إلى قصة أبو أحمد، تشير الكاتبة إلى تفاصيل شخصية لديه تفسّر لماذا لجأ الأمريكيون إليه، فعلى عكس النزعة الدينية المتزايدة لدى العديد من المعارضين، يعتبر أبو أحمد "متشدداً علمانياً"، فهو قاس بالردّ على الإسلاميين الفاسدين، ويشكك بكل "من لديه لحية". إضافة إلى ذلك، فهو خبير عسكري يعرف تماماً كم رصاصة تحتاج المعركة وعدد الجنود في الجهة المقابلة وآلية قتالهم.

في العام 2012، أصيب أبو أحمد خلال غارة وبقي فاقداً للوعي لمدة 10 أيام، واستفاق في المستشفى وفي رجله قضيب معدني، ليكتشف لاحقاً أنّ الفساد اعترى عدداً من المجموعات المقاتلة وبينها الجيش السوري الحرّ، وأنّ الجماعات الإسلامية صعدت صعوداً كبيراً بدعم من حلفاء الولايات المتحدة، تركيا وقطر، اللتان رأتا فيها جماعات أكثر تنظيماً وأهلاً للثقة من نظرائها الأقل إيديولوجية.
في غرفة العمليات السرية التي شكلوها مع الحلفاء، ومن ضمنهم بريطانيا وفرنسا والأردن وقطر والسعودية وتركيا، لدعم المعارضة السورية المعتدلة. وكانت على غرار غرفة العمليات التي أنشئت في الأردن قبل عام. يقول أبو أحمد "الكل كان يعرف عن الفساد المستشري بين الجماعات التي يريدون دعمها".
منذ البداية، كان ثمة العديد من العراقيل التي تواجه هذا المشروع، ومن بينها عدم ضبط الحدود التركية مع سوريا الممتدة على طول 800 كيلومتر، والخلافات الداخلية بين الحلفاء… ومع ذلك تلقى مقاتلو المعارضة المعتدلون 150 دولاراً للشخص الواحد و300 دولار لكل مسؤول، وواجهوا لاحقاً مشاكل متعلقة ببيروقراطية العمل، إذ كانت تحتاج الخطة لأسابيع كي تنال الموافقة، ويتم لاحقاً إرسال المعدات، بينما تحتاج المعركة إلى ساعات قليلة فقط.
في المقابل، يقول بعض المعارضين إن الأزمة لم تكن في قلة تزويد الجيش الحر بالسلاح بل في فائض تزويده الخاطئ. كيف ذلك؟ كان المسؤولون في الجيش الحر يبالغون بتضخيم عدد العناصر لديهم للحصول على موارد مالية إضافية، وعلى أسلحة كانوا لاحقاً يخزنونها أو يبيعونها في السوق السوداء.
يكشف التقرير أن معظم هذه الأسلحة انتهى حتماً بيد داعش، في حين تم تزويد جبهة النصرة ببعض المعدات من هذه الأسلحة تجنباً لتنفيذهم أعمال هجومية. لقد كانت "السي آي إيه" تعلم بكلّ ذلك، كذلك كل طرف من غرفة العمليات المشتركة، لكن سكوتهم كان ثمن القيام بما كانوا يقومون به.
اتهم أبو أحمد مسؤولين في المعارضة المعتدلة بالقيام بهذه النشاطات، وكان صريحاً في اتهاماته أمام الأمريكيين. "كنت أقول أن فلان يزعم قيادته لـ300 مقاتل وهو بالكاد لديه 50… كنت أسبب الإحراج للجميع". هكذا لاحقته الاتهامات بأنه مخبر أمريكي ويحاول إيذاء الثورة، لكنه يوضح "كل ما كنت أفكر فيه هو قيام هؤلاء بسرقة ثورتنا".
تشير كاتبة المقال إلى أنه من الصعب تأكيد كل ما يقوله أبو أحمد، ولكن الوضع المزري الذي يعيش فيه مقارنة بقادة من المعارضة يمتلكون شققاً فارهة في تركيا ويقودون أفخم السيارات يساعد على تصديق أقواله.
إحباط علماني وصعود إسلامي

على جانب آخر، يكشف أبو أحمد الانقسام الذي حصل بين الأمريكيين والأتراك على نقاط عديدة، من بينها دعم الأكراد. ويذكر أنه في أحد الاجتماعات التي كان فيها مع مسؤولين استخباراتيين أتراك وأمريكيين، تهجم المسؤول التركي على الأمريكي قائلاً "لماذا الضربات الأميركي تخدم الأكراد وليس المقاتلين مثل أبو أحمد"، فردّ الأمريكي "هذه الضربات يقودها البنتاغون، وهو قسم منفصل عنا".
أصبحت الاختلافات في المواقف داخل الإدارة الأمريكية والسلطات المقسمة أكثر صعوبة من شرحها للمقاتلين الغاضبين، الذين أظهروا ميلاً للجماعات الإسلامية الأكثر تنظيماً وتمويلاً. يخبر أبو عمر، وهو قائد عسكري بأنه وجد صعوبة في شرح الاختلاف بين البنتاغون وبين غرفة العمليات المشتركة لمقاتليه المتعبين الذين كانوا قد فقدوا رفاقاً كثر في المعارك.
إضافة لما سبق، واجه المعارضون، المدعومون أمريكياً، صعوبة في التواجد داخل تركيا حيث بدأ التضييق عليهم. يقول أبو عمر إن السلطات التركية رفضت تجديد إقامته، وعندما طلب من المسؤول الأمريكي الذي يتواصل معه طرح المسألة على الأتراك كان الجواب بأن هذه المسألة خارجة عن إرادتنا. بدوره، طلب أبو أحمد مراراً اللجوء إلى الولايات المتحدة، فرفضت الأخيرة استقباله رغم تاريخ تعاونه معها.
في صيف العام 2015، أطلقت الولايات المتحدة برنامجاً لتدريب وتسليح قوات المعارضة، بلغت تكلفته 500 مليون دولار. يقول أبو أحمد، تعليقاً على الدعم الأمريكي للأكراد من جهة وللمعارضة المعتدلة من جهة أخرى، "صدمت فعلاً، لقد كانوا يختارون أشخاصاً للتعاون معهم كنا نراهم فاشلين ومؤذين للثورة".
بعد معاناة طويلة، يعيش أبو أحمد اليوم على الحدود التركية بعدما تعهد بعدم العمل مع الأمريكيين، فالأتراك ينظرون إليه كأمريكي وجبهة النصرة كخائن، إذ كان قد اتُهم بمحاولة تصفية العديد من عناصرها. يستدين المال من أبو عمر ليعيش، بينما تتحدث زوجته عن نوبات الرعب التي تنتابه بشكل متواصل.

Raseef22
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 02:51 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-32395.htm