د/ رؤوفة حسن - تعج الساحة السياسية اليمنية هذه الأيام بأنواع من الصراعات بعضها جديد وبعضها قديم. وتمتلئ زوايا الأماكن بمجاميع من الناس يتهامسون في ما بينهم بإشاعات جديدة كل يوم خلاصتها تغييرات مناصب ووظائف ومواقع مهددة بالزوال. إنها القصة الأزلية للبلدان والحكومات في كل زمان ومكان. وقد تبدو اليمن أيضا وكأنها في حركة انتقال دائبة في السياسات والأشخاص والتوجهات في الظاهر، لكن جوهر الأشياء ثابت ولا شيء فعلا في صميم الناس وأسلوب حياتهم ورؤيتهم لأنفسهم وللعالم من حولهم يؤثر على استمرارهم فيما يعرفون ويألفون خطأً كان أو صواباً. ويتجنب الأكاديميون والمختصون الوقوع في مزالق الصراعات الساخنة فيلجأون إلى الحصول على سند حزبي يؤازر أطروحاتهم أو يصمتون وكذلك تفعل جامعاتهم، ومراكز الأبحاث القليلة من حولهم. لكن الساحة تبقى لمروجي الشائعات دون منازع. يتعرضون لشخصية عامة معينة فيلقون عليها كل اللوم وكل الأخطاء ما مضى منها وما سيأتي. وعندما يستهلكون كل شيء متاح للقول عنها تأتي فترة لم يعد فيها ما يمكن إضافته سوى الحديث على استحياء عن محاسن تلك الشخصية وخصال حميدة أخرى، وهكذا. وفي كل الأحوال فإن أروع الأشخاص وأكثرهم إنتاجا وأهمهم للأمة والوطن في نظام الأقاويل، هم أولئك الذين ماتوا سواء في ساحات المعارك الحربية أو ساحات المعارك مع الصحة أو شظف العيش اليومي أو هموم الحياة العملية والأسرية. يتم ذلك لأننا في حضارة تحرص على ذكر محاسن موتانا وتركز بعناية بالغة على مساوئ أحيائنا. فقط في الثورات والانقلابات تتحول كل وسائل الدعاية والإعلام والترويج والإشاعات إلى نقطة تركيز على من تم الخلاص منه وانتهى زمن قوته وسلطته. المهم هذه الأيام تستقبل أذنيك كل لحظة تأكيداًَ على وقوع حدث تغيير وزاري أو إداري وأشخاص لا يحترمون سرية العمل والوظيفة فيخبرونك عن قرارات يتم وضع المسودات الأولية لها فلا تنشر الأخبار الرسمية خبراً إلا وقد صار مستهلكا إلى أقصى مداه وصار معروفا للقاصي والداني. وآخرين يؤكدون لك السيناريوهات القادمة وكأنهم هم من رسمها، وعندما لاتصدق توقعاتهم وأخبارهم يشرحون مستجدات أخرى هي التي منعت ما أخبرونا بقرب حدوثه عن الوقوع. وفي هذا الخضم يمجد الطامحون أنفسهم بكل الطرق، ويخدم طموحاتهم المعلنة والكامنة الناس الذين يحملون من حولهم لتلميعهم وتحقيق صور الإبهار عنهم. وللنساء نصيب مما اكتسبن: أما النساء القليلات في الساحة العامة فهن الموضوع المفضل للإشاعات القاسية العنيفة، كاستمرار لتصعيب الحياة على مشاركتهن في التنمية التي لا يمكن أن تتحقق بدون وجودهن. والوحيدات منهن اللواتي يتمتعن بقليل من هذه الإشاعات وليس بالكثير منها هن أولئك اللواتي يظهرن في المجال العام لكنهن لا يفعلن شيئا ولا يحققن مكسباً ولا يدافعن عن قضية ولا يختلفن مع أطروحة. والبارزات يصارعن بعضهن البعض على فتات المناصب النادرة المتاحة، ويساهمن في حرب النساء بكل ضراوة وبدلا من أن تتسع المساحة للجميع يرتفع شعار نفسي يانفسي وبعدي الطوفان، فمادام رجال السياسة يفعلون ذلك فلم لا تفعله النساء. عقدة الذات والإقصاء: القصة رجالية ونسائية في عملية إقصاء الآخرين وبالذات الذين لديهم قوة تأثير أو أكثر خبرة ومعرفة. يمارس بعضهم هذا السلوك متعمداً ومدركاً ويمارسه البعض تلقائيا بحكم العادة. وفي تجربة ظريفة للمشاركة في تركيا في ندوة للعلاقات اليمنية التركية كان من بيننا شخصية عامة معها مسؤول عن متابعة اخبارها ونشرها. وهكذا عند العودة تلقيت على بريدي الالكتروني كما قرأت في بعض الصحف خبر حضور تلك الشخصية في ذلك النشاط وتقديمها لمشاركة متميزة بحيث يطرح الخبر بصيغته تلك نفسه وكأن تلك الشخصية كانت هناك في تلك الندوة وحدها تتحمل مسؤولية تحسين العلاقات الدولية اليمنية مع تركيا بمفردها ولم يكن هناك أي شخصية أخرى من اليمن رغم أهمية مشاركتهم والمساهمات التي قدموها. هكذا يتم الإقصاء لوجود الآخرين فيستفزهم حتى لو كان غير متعمد، ويمكن لكل شخصية من الذين حضروا أن تنشر أيضا خبرا صحفيا بفردية المشاركة أو بجماعيتها مع إقصاء الشخصية التي اعتاد مكتبها الغاء كل وجود جوارها. الإقصاء يقع أيضا في طرح قضايا تاريخية عند محاولة تجنب أماكن أو شخصيا أو فترات كي لا يقع المتخصص في لوم أو عتاب من القوى المؤدلجة التي لا تقبل رأيا مغايرا ولا أطروحة مختلفة. وقد حدث ذلك أيضا في فترة مشاركتنا المذكورة في تركيا، كجزء من تراث ينظر للأشياء من زاوية واحدة. raufah@hotmail.com
|