بقلم/ كاتب/محمد حسين النظاري - لم يعد الحلم العربي بإقامة اتحاد شامل يجمع العرب من مشرقهم الى مغربهم ومن الخليج الى المحيط , لم يعد مجرد فكرة يستحيل طرحها ليلغي بها الفواصل العميقة التي ظلت طيلة السنوات الماضية حجر عثرة أمام تقريب وجهات النظر العربية العربية , لقد بدأت تلك الحجرة بالتفتت أمام متطلبات العصر والمتمثلة بالاندماج والتكامل , لان الكيانات المتجزئة هي وحدها التي ستذوب وتتلاشى ما لم تستفق من غفوتها وتنتفض على واقعها وصولا الى تحقيق ما تصبوا إليه .
ليس بغريب ان تقود اليمن مشروع الاتحاد العربي ممثلة بقائد الوحدة اليمنية فخامة الرئيس علي عبد الله صالح الذي ما فتئ ينادي في كل اجتماع ولقاء وحوار الى قيام الاتحاد العربي على غرار الاتحاد الأوروبي والأفريقي , إيمانا منه بأننا امة واحدة يجمعها أكثر مما يفرقها بكثير فالدين واللغة والتاريخ والجغرافيا وروابط النسب بين القبائل , فجميع تلك العوامل مثلت من وجهة نظر فخامته أرضية صلبة لضرورة قيام الاتحاد العربي .
قد يكون البعض قد استكثر ان التي تتقدم بمشروع الاتحاد العربي هي اليمن , فقد اعتقدوا بأن اليمن قد تشغلها بعض المشاكل الداخلية عن واجبها تجاه أمتها متناسين بان اليمن هي أصل العرب وأنهم جميعا يرجعون إليها من حيث الأصول وهذا يفرض عليها الحرص على قضاياها مهما كانت الظروف التي تحيط بها , وخير دليل على ذلك ان اليمن كانت ومازالت حريصة على التئام القمم العربية عبر المشاريع العديدة التي تقدمت بها والتي على أثرها نالت الموافقة على الانعقاد الدوري المنتظم للقمم بصورة سنوية .
رئيس الجمهورية يحط خطاه محفوظا بسلامة الله في العاصمة الليبية طرابلس ليلتقي إخوانه قادة ليبيا ومصر وقطر والعراق وقبل ان يحل ضيفا كريما على ليبيا تكون أمال وأحلام الشعوب العربية قد سبقته , فما من عربي إلا ويرى في مشروع اليمن خلاص الأمة بأسرها من واقعها المرير فالكل قد سأم الانقسام وقد مل الخلافات العربية التي طالما حالت دون ان يتحد العرب , لا لشيء إلا لكون الاتحاد العربي ليس مرحبا فيه لدى أعداء الأمة الذين يريدونها ضعيفة تخترقها الأزمات ليتفرد الأعداء بنا دولة تلو الأخرى .
ان ما يميز المشروع اليمني انه جاء من رحم المعاناة , فنحن اليمنيون عانينا الأمرين في العقود التي ظلينا فيها منقسمين حتى جاء الثاني والعشرين من مايو بأهم حدث عربي في التاريخ المعاصر ألا وهو وحدة الشعب اليمني , والتي مثلت نواة حقيقية وأولية للوحدة العربية الشاملة , ولان من عانى هو وحده فقط يستطيع ان يقدر حجم معاناته ويستطيع في الوقت ذاته ان يحدد مكامن الألم ومعرفة العلاج الملائم , وهكذا صنع اليمنيون من معاناتهم طيلة عقود الفرقة تصورا كبيرا لهذا الواقع المؤلم , ورسموا الحلول التي يمكن ان تقود الى قيام الاتحاد العربي , كما ان ما يميز المشروع اليمني انه غاص في العمق وتطرق الى أهم القضايا التي تقود للاتحاد العربي على كافة الأصعدة.
على قادة الأمة العربية ان يلتفوا حول المبادرة اليمنية لأنها ليست مطلبا يمنيا فحسب بل هي مطلب ملح من جميع شعوبهم , وعليهم ان يغتنموا الفرصة كون تحقيق الاتحاد وهم يقودون بلدانهم سيظل التاريخ يخلده وستظل الأجيال المتعاقبة تحكيه بكل فخر , فالعالم من حولنا يجتمع ويتحد ولا شيء يجمعه سوى المصالح , أما نحن من يجمعنا كل شيء , نرى في توحدنا صعوبة بطعم المستحيل ,نحن نقلدهم في كل شيء أفلا نقتدي بهم وهم متحدون أفلا نعتبر من تماسكهم وترابطهم وهم أمم متنوعة واديان متفرقة .
سيبقى التاريخ يخلد في سفره الخالد اسم قائد الوحدة اليمنية الذي قاده شعبه للوحدة , ويسير في نفس النهج من اجل توحيد الأمة العربية في كيان واحد كي يكون أكثر قوة من الناحية السياسية والاقتصادية باعتبارهما يمثلان أعمدة الصمود في الوقت الراهن لجميع التكتلات ولنا في تعاطي أوروبا مع الأزمة المالية اليونانية خير دليل , فهم يرون ان انهيار أي دولة في اتحادهم هو انهيار لهم جميعا .
باحث بجامعة الجزائر:
mnadhary@yahoo.com |