صعدة برس -
نصرطة
لقد أثبت الرئيس علي عبدالله صالح في كل مواقفه الوطنية والسياسية والإنسانية مع أحزاب المعارضة وقادتها، أنه فعلا قائد بحجم اليمن وأنه أكبر من التفاهات التي يمارسها بعضهم أو يكتبها البعض الآخر!.
ظلت شخصية عبدالمجيد الزنداني واحدة من أكثر الشخصيات اليمنية المعاصرة إثارة للجدل منذ بروز نجمه في ستينات القرن الماضي كرفيق دائم لأبي الأحرار الشهيد الأستاذ محمد محمود الزبيري، ثم كأحد مؤسسي تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن قبل أن يكون مراقباً عاماً له عقب وفاة عبده محمد المخلافي أول مراقب عام له.
وأسهم الزنداني بشكل أو بآخر في رسم صورة اليمن الجمهوري المعاصر فاتفق مع القاضي عبدالرحمن الإرياني واختلف معه، وتحالف مع المقدم إبراهيم الحمدي واختلف معه، وتقارب مع الرئيس علي عبدالله صالح واختلف معه على مدى أكثر من ربع قرن، إلا أنه في كل تلك العقود ظل رقماً لا يمكن تجاوزه مهما كان الاتفاق أو الاختلاف معه في مواقفه وحساباته ورهاناته وأفكاره ورؤاه، فهو تارة العدو الأول للاتحاد السوفيتي وحاملي أيديولوجيته في اليمن، فكان كتاب (التوحيد) في مناهج التعليم أحد وسائل مقاومة الإلحاد الشيوعي، وهو تارة الرافض الأول لأي دور للولايات المتحدة الأمريكية في اليمن خشية ما يعتقده من طموحاتها في احتلال الجزر والموانئ اليمنية واستهدافها دعاة الإسلام في المنطقة كلها، فكانت (جامعة الإيمان) البديل الأمثل لإنتاج الدعاة المنافحين عن الدين في وجه العولمة الأمريكية!.
(الشيخ) عند البعض و(الأستاذ) عند البعض و(السياسي) عند آخرين يجيد اختيار موطئ قدمه وحساب خطوته ببراعة على عكس ما قد يعتقد كثيرون، وتلك ميزة وليست عيباً في كل الأحوال (فالمؤمن كَيّسُ فَطِنُ)، فمن غير الزنداني يستطيع أن ينال رضا غالبية التيار السلفي بينما هو يحتل الموقع القيادي الثالث في التجمع اليمني للإصلاح الواجهة السياسية لحركة الإخوان المسلمين اليمنية؟!!.. ومن غير الزنداني يستطيع أن يرفض عضوية المرأة في مجلس شورى الإصلاح، ويكتب في ذلك كتاباً خاصاً ثم يقبل رئاسة المجلس بعضواته الأحد عشر؟!.. ومن غير الزنداني يستطيع أن يقارع الفكر (الاشتراكي) معظم حياته ثم يقبل دخول حزبه في تحالف سياسي مع ثلاثة من أحزاب اليسار اليمنية؟!.. ومن غير الزنداني يستطيع أن يناهض الفكر المذهبي المتعصب ثم يقبل تحالف حزبه مع بعض من يحملون هذا الفكر؟!.
ودفعاً لسوء الفهم فأنا هنا لا أعيب ذلك على الزنداني ولا على الإصلاح، بل على العكس كنت- دائما ولا أزال- أعتقد أن تقارب خصوم الأيديولوجيا أمر مهم جداً وضروري جدا لتخفيف الاحتقان السياسي في بلد كاليمن حتى لو كان هذا التقارب والتحالف موجهاً ضد الحزب الذي أنتمي إليه، لكن فيما يتفهم كثيرون موقف الإصلاح باعتباره نجح كثيراً في الفترة الأخيرة في إثبات (براغماتية) فإنهم غير قادرين على تفهم مواقف الزنداني الذي يبدو صارماً باستمرار تجاه المسائل التي تمس العقيدة أو الشريعة أو أصول الدين أو حتى تلك التي تضع المرء في موضع شبهة بسبب التباس الرأي الشرعي حولها أو غموضه وعدم وضوحه، بمعنى أن هناك من يحتار في فهم المواقف التي أشرنا لها قبل قليل والتي جعلت الزنداني يبدو قادرا على التكيف مع المتناقضات، وذلك من حقهم فمن يتذكر أشرطته المضادة للحزب الاشتراكي عشية استعادة الوحدة قد يجد من الصعوبة تفهم قبوله عضوية مجلس الرئاسة إبان الأزمة السياسية في خريف عام 1993م إلى جانب عضوين من الحزب، وقد يجد كذلك نفس الصعوبة في قبول موقفه - الصامت على الأقل - إزاء التحالف بين الإصلاح والاشتراكي رغم استمرار أطروحات الاشتراكي حول تصحيح مسار الوحدة والمصالحة الوطنية وغير ذلك من الأطروحات التي يفترض عدم قبول الإصلاح عامة والزنداني خاصة لها!.
أريد مما سبق الوصول إلى نتيجة أساسية مفادها: إن من كان يتعامل بهذا النهج المرن في شؤون السياسة فلا يمكنه أن يقبل التورط في نهج (الإرهاب)، فرغم أنني أجد نفسي مختلفاً مع الرجل في عدد ليس بالقليل من آرائه ومواقفه السياسية واجتهاداته الفقهية، فإنني بالمقابل أفهم جيدا أن شخصية مثل شخصية عبدالمجيد الزنداني لا يمكن أن تتورط بشكل من الأشكال في دعم الإرهابيين، أو مناصرة قضاياهم لأسباب يمكن استنتاجها بسهولة، أولها: ذكاؤه السياسي، فهو كما قلت يعرف جيداً أين يضع قدمه ولذلك هو لم يعد إلى أفغانستان نهائياً بعد خروج الروس منها عام 1988م لأنه قرأ المتغيرات مبكراً، وثانيها: اهتمامه الكبير بأمنه الشخصي الذي يحول بينه وبين التورط في قضايا الإرهاب، وثالثها: إنه في الأصل صاحب مشروع فكري عقائدي وليس صاحب مشروع سياسي انقلابي، ورابعها: إن حجم استثماراته المالية والتجارية يجعله أذكى من أن يتورط في قضايا كتلك، وخامسها: إنه معروف باحترام الدستور والتمسك بالشرعية الدستورية ما دامت منطلقة من الكتاب والسنة، ومن كان كذلك فلا يمكنه التورط في أنشطة غير دستورية وغير قانونية.
إن هذه القراءة في شخصية ومواقف عبدالمجيد الزنداني تأتي من وحي اللقاء الذي جمعه خلاله الرئيس علي عبدالله صالح بالسفير الأمريكي في صنعاء كمحاولة لإنهاء أزمة افتعلتها واشنطن بسبب قراءتها غير الصحيحة وغير الواقعية لشخصية هذا الرجل، كما هي قراءتها – للأسف الشديد – تجاه كثير من القضايا على مستوى بلادنا والمنطقة والعالم بأسره، والتي تضعها في ورطات ومآزق يصعب عليها الخروج منها أو مواقف يصعب عليها التراجع عنها..
وهذه القراءة تأتي كمحاولة لتفهم هذه الشخصية المثيرة للجدل والقادرة على البقاء تحت الأضواء باستمرار، سواء فيما نتفق معه فيه أو ما نختلف معه عليه، لكنها ستوصلنا- بالتأكيد- إلى أنه لا يمكن أن يتورط شخصياً بدعم الإرهاب في كل الظروف.. ومن ثم هل يمكننا أن نقول إن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تجعل من الزنداني ورقة تضغط بها على اليمن من حين لآخر تارة بطلب اعتقاله وتارة بطلب وقف نشاطه وتارة بطلب منعه من السفر؟! أم أنها يمكن أن تستفيد من ورطتها في قضية الشيخ الأسير محمد المؤيد وصاحبه فتكف عن الاستمرار في إثارة موضوع الزنداني وتترك عباد الله وشأنهم؟!!..
لقد أحسن الرئيس (صالح) صنعاً بفتح تسجيل الحوار مع المسؤولة الأمريكية التي طلبت منه اعتقال الزنداني لإنهاء حالة الشك عند هذا الأخير وعند السفير (كراجسكي) نفسه حول صحة هذا الطلب، حيث لا يمكن لزعيم آخر في المنطقة أن يقف مثل هذا الموقف المنافح عن أحد مواطنيه، فما بالك أن يكون هذا المواطن بحجم عبدالمجيد الزنداني، فهل يعقل أولئك الكبار من قادة المعارضة قيمة هذا القائد الذي لم يتركوا وسيلة للإساءة إليه إلا وفعلوها؟!!.. ومن يعطينا من صفوفهم قائدا بهذه السماحة وسعة الصدر والغيرة على مواطنيه بمن فيهم المعارضون له؟!!.. لقد أثبت الرئيس علي عبدالله صالح في كل مواقفه الوطنية والسياسية والإنسانية مع أحزاب المعارضة وقادتها، أنه فعلا قائد بحجم اليمن وأنه أكبر من التفاهات التي يمارسها بعضهم أو يكتبها البعض الآخر!.
2006