صعدة برس - بقلم/ ماجد الكحلاني
تعد استراتيجيات التنمية المستدامة في الحقل الزراعي المفتاح الحقيقي لتحقيق التنمية الاقتصادية الواعدة والوسيلة الفاعلة للتخفيف من حدة الفقر وتقليل نسبة البطالة في البلدان الأقل نمواً، وبلدنا اليمن تتمتع بمقومات كبيرة وظروف مناخية توهلها لتحقيق أكبر نهضة اقتصادية زراعية على مستوى الوطن العربي، وهذا ما تشهد به وقائع التاريخ وشواهده على امتداد العصور، وعلى الرغم من ذلك لم تشهد اليمن خلال العقود الماضية القريبة أي رؤية استراتيجية فاعلة تهدف لتنمية هذا القطاع والاستفادة منه لتحقيق نقلة نوعية في مجال الاستثمار الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتج الزراعي ومشتقاته لأسباب أهمها افتقاد الرؤية والحس الوطني لدى الأنظمة السابقة والمتعاقبة على حكم اليمن من جهة،ورضوخها للإمارات الخارجية في الإهمال المتعمد للقطاع الزراعي الوطني والاعتماد على المنتجات الزراعية الخارجية من جهة اخرى.
"بعد استراتيحي"
والمتأمل لمفردات الرؤية العامة لمظاهر التنمية الشاملة وآليات تحقيقها في اليمن خلال العقود الزمنية الماضية يدرك بأن طبيعة ارتهان الأنظمة المتعاقبة على حكم اليمن لقوى الاستكبار العالمي وخضوعها وتبعيتها للإدارة الأمريكية واستراتيجيتها الخارجية في التعامل مع شعوب المنطقة العربية وتحديداً ذات البعد الاستراتيجي الهام كما هو الحال مع اليمن قد أسهمت بشكل كبير في خلق فجوة حقيقية بين متطلبات الواقع التنموية وطموحاته في تحقيق الرخاء والاستقرار الاقتصادي والاكتفاء الذاتي من جهة، وحوَّلت الشعب اليمني إلى سوق استهلاكية لمنتجات الغرب والمنتجات الوافدة من المناطق والدول الأخرى من جهة أخرى، الأمر الذي عطل جميع المشاريع التنموية التي كانت الأنظمة السابقة تتشدق بها من خلال منابر الإعلام لتلميع صورتها أمام أبناء الشعب اليمني المغلوب على أمره حينها.
لم يكن استسلام أبناء اليمن لوطأة تلك السياسة غير البريئة في تدمير البنية الاقتصادية الزراعية المتوارثة منذ عهود الأسلاف عن قناعة، ولكنه كان أمراً مفروضاً واستراتيجية ممنهجة لإضعاف اليمن والحيلولة دون تحقيق نهضة حقيقية تؤهله للفوز بحريته واستقلاله وتحقيق اكتفائه الذاتي من المواد الغذائية كما كان عليه في السابق.
"21 سبتمبر.. ثورة الشعب"
وبعد ظهور فجر ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر الخالدة ثورة الشعب التي طالما انتظر أبناء اليمن بزوغ شمسها بدأت أفاق المستقبل الواعد تلوح بالأنوار من الأفق البعيد وتبشر بمولد يمن حر جديد لولا أن تدخلت قوى البغي والعدوان السعودي الأمريكي بشن عدوانها السافر على اليمن في 26 مارس/أذار 2015 للحيلولة دون تحقق أهداف الثورة وتطلعات الشعب اليمني العزيز، ومن خلال القصف الوحشي والحصار المميت والممنهج الممارس بحق شعبنا اليمني العظيم زادت ثقة الشعب اليمني وقيادته الثورية والسياسية بأهمية وضرورة السعي بخطوات ثابتة وقوية نحو الإصلاح الاقتصادي، والعمل على تحقيق تنمية زراعية حقيقية كفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي والتغلب على تبعات الحصار والتجويع الذي تمارسه قوى العدوان السعود لأمريكي للنيل من كرامة شعبنا اليمني وإرغامه على تقبُّل مخططاتها العدوانية ومؤامراتها القذرة.
"شعب لا يساوم"
وعلى امتداد سنوات العدوان السعودي الأمريكي على اليمن وتحالف الشر يمعن في تدمير مكونات البنية التحتية لليمن والعمل على إفقاره وتجويعه لتركيعه وإرغامه على الخضوع والاستسلام وهيهات أن يتحقق لها ذلك في ظل شعب لا يساوم على كرامته وحريته، حيث استطاع الشعب اليمني أن يحقق حضوره الفاعل في مختلف ميادين الصمود والتحدي ثباتاً أسطورياً أذهل العالم، وفي ذات الوقت كان للقيادة الثورية والسياسية استراتيجيتها الفريدة في التعاطي مع تداعيات العدوان وتهديداته المستمرة، حيث توجهت بكل جد وإخلاص لوضع الخطط ورسم المسارات التنموية الكفيلة بتحقيق التوازن وضمان استمرارية الثبات والصمود في مختلف القطاعات التنموية وعلى رأسها التنمية الزراعية، ليتفاجأ العالم أجمع بتظافر الجهود الرسمية والشعبية لدعم الإنتاج الزراعي المحلي لكسر قيود الحصار المفروضة ظلماً وعدواناً على أبناء الشعب اليمني الحر الأبي.
"استعدادات مبكرة"
ونظراً لأهمية الإنتاج والتنمية الزراعية في بلادنا، فقد حرصت القيادة الثورية والسياسية على الاهتمام بالجانب الاقتصادي الزراعي، واعطاء الاولوية للتوجهات والمشاريع الزراعية الكفؤة، وصولا لتوفير الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي للتغلب على التحديات الراهنة، وتجاوز معركة العدو الاقتصادية الأكبر، متمثلة بمنع وصول الغذاء للمدنيين عقب انتهاء حربه العسكرية الدائرة والتي مُنِيَت بالفشل منذ أكثر من خمس سنوات.
"يدٌ تحمي.. ويدٌ تبني"
وترجمة لتوجيهات قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بضرورة الاهتمام بالتنمية الزراعية باعتبارها تمثل جبهة اقتصادية مهمة في مواجهة العدوان والتصدي للحصار المفروض على اليمن، استكملت الدولة ممثلة بالمجلس السياسي الأعلى مشروع الرئيس الشهيد صالح الصماد الذي أطلقه في العام ٢٠١٨ تحت شعار (يدٌ تحمي ويدٌ تبني).
"الرؤية الوطنية.. موجهات عامة"
كما حرصت الدولة على توفير عوامل نجاح مشروعها الوطني بإعداد واخراج الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة والشروع بتنفيذها وخططها المرحلية وفق منهج وموجهات عامة وبرنامج عمل للأجهزة والمؤسسات الرسمية دون استثناء ومنها المعنية بالجانب الاقتصادي الزراعي الذي سيعنى بإعداد وتطبيق سياسات وبرامج رفع مستوى الاكتفاء الذاتي للغذاء وتشجيع الاستثمار والتوسع في القطاع الزراعي ودعم انتاج الحبوب، وتطوير قدرات ومساهمات البحوث الزراعية في تحسين الانتاجية تعزيز الأمن الغذائي.
"برامج استراتيجية"
ومن الخطوات التي ركزت عليها وزارة الزراعة والري في إطار تنفيذ المرحلة الأولى للرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، ما ستسهم ضمن برامج استراتيجية في تعزيز الانتاجية الزراعية، خاصة الحبوب وتحسين جودة المحاصيل المختلفة، ومكافحة الآفات ووقاية النباتات وتحقيق الاستقلالية من أي تبعية اقتصادية والاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء بصورة متدرجة.
"مناهج ميسرة"
رغم التحديات الكبيرة الماثلة إلا أنها لم تؤدِ إلى تكبيل القدرة على تصميم وتنفيذ سياسات ناجعة، واحراز نجاحات ملموسة على الصعيد الزراعي-أسهمت في تجاوز إخفاقات العقود الماضية، ورسم فاتحة الانطلاقة نحو تحقيق النمو الانتاجي، وفق استراتيجية متوازنة ومستدامة مبنية على تجارب ميدانية ومناهج جديدة ميسرة لتشجيع المزارعين ومساعدتهم للدفع بعجلة التنمية الزراعية.
"وفق خطط مدروسة"
وعملا على تحقيق الأمن الغذائي نفذت عدة مؤسسات وهيئات رسمية تابعة لوزارة الزراعة، وبالتنسيق مع اللجنة الزراعية والسمكية العليا برامج اصلاح ملموسة وفق خطط مدروسة تكفل الاستغلال الكامل للإمكانيات المتاحة، وتشجيع الجهود والمبادرات المجتمعية لتشكل حافزاً لرفع كفاءة المزارعين وتعزيز الإنتاج المحلي وإن لم يعط النتائج المرجوَّة.. غير أن تدنى الموارد المالية المخصصة للتنمية الزراعية مازالا يعوقان برامج الاصلاح هذه.
مازالت هناك جهود حثيثة ونخب تتمتع بالكفاءة اللازمة - عززت من حضور الجبهة الزراعية- أسهمت عبر الكثير من المبادرت في تشخيص الأوضاع القائمة ومعوقات الإصلاح الزراعي، ودراسة الحلول والأدوار المطلوبة من الجهات والمؤسسات الرسمية المعنية التي نرتقب تطبيقها وجني ثمارها على الأرض، بمافيها توحيد وزيادة الجهود الرامية لمواجهة الحصار المفروض، وتهيئة بيئة اجتماعية، اقتصادية مواتية لزيادة الإنتاج، وتعبئة الموارد على نحو فعال.
"برامج مجدية للانتاج"
واستهلت المؤسسة العامة لإنتاج وتنمية الحبوب برامج مجدية لزيادة وتحسين انتاج الحبوب وتحريك المجتمعات الريفية نحو النمو الزراعي والأمن الغذائي من خلال التعاونيات الزراعية التي شجعت انشاؤها في المحافظات، وقد حققت توسعا ملموسا فى الإنتاج الزراعى، وأشهرت برنامجاً مجتمعياً لدعم وتشجيع المزارعين وصغار المنتجين خلال المواسم الزراعية بواسط اكثر من 520 حراثة حتى اللحظة يستفيد منها الألاف من المزارعين في عدة محافظات.
ومن المسائل وثيقة الصلة باستقرار الانتاج استقرار الأسعار. وهذه قضية تبعث على الإطمئنان بوجه خاص، فرغم اختلالات السوق والتلاعب بها فان المؤسسة حرصت على إنشاء مراكز لتسويق الدقيق المركب باسعار ثابته عبر نقاط بيع منتشرة في العاصمة صنعاء والمحافظات، وتطمح بالإنتشار والتوسع في التسويق، ضمن خططها القادمة، وبما تعزز من توجية الدعم اللازم للمجتمعات الزراعية الريفية، وتؤدي دورا توازنيا عند تقلب الأسعار، واضفاء الاستقرار على امداداتها وتدفق انتاجها من الحبوب الى الأسواق المحلية.
"جائزة الشهيد الصماد"
وفي سبيل تشجيع ودعم الإبتكارات الوطنية والبحوث الزراعية من أجل تدعيم التوجهات الجادة الى تطوير الإنتاجية للزراعات المطرية والمروية، ومواجهة الأخطار فقد تبنت المؤسسة ذلك من خلال اطلاقها جائزة الرئيس الشهيد صالح الصماد لإنتاج الحبوب، ولتفتح المجال أمام المزارعين في إحدى عشر محافظة للتنافس وتجعل منها عنواناً للعزة والكرامة لدى الكثير من أبناء الشعب اليمني.
كما ساهمت ضمن اهتمامها بتطوير التعليم الزراعي بدعم مركز الأصول الوراثية التابع لكلية الزراعة في جامعة صنعاء، بعدة مشاريع أهمها
تجديد بذور أصناف الأصول الوراثية لمحاصيل الحبوب، وتمويل توصيف وإعداد مناهج "البكالوريوس، الدبلوم الجامعي" في العلوم الزراعية التعليمية وغيرها من المسابقات في مجال الأمن الغذائي.
"البحوث.. حاجة ماسة"
يمكن أن تتأثر التنمية الزراعية والأمن الغذائى بتهديد خطير، يرتبط بقوى سلبية متمثلة بالتصحر والتدهور البيئي ليشمل عدة مناطق زراعية، ومواجهتها أمر يتطلب التعاون المشترك بتبادل المهارات والمعارف الفنية والتقنية.
كما توجد حاجة كبيرة للتركيز على البحوث والإرشاد الزراعي والإهتمام بها بالمستويات التي تؤمن احتياجات المجتمع من الغذاء.
وما برحت هيئة البحوث الزراعية هنا وهناك في أن تشكل مرتكزا ضروريا لانجاح الجهود الرامية الى النهوض بالجانب الزراعي، باعتبار خلاصة ابحاثها الهامة والمتقدمة ستفضي الى مرحلة متقدمة من مراحل الأمن الغذائي وتحقيق الإكتفاء الذاتي.
"اصناف الحقول التجريبية"
امتدادا للقضايا والمبادرات سالفة الذكر قامت مؤسسة بنيان التنموية من تجربة ناجحة تمثلت في زراعة 15 صنفاً من القمح في عدد من الحقول التجريبية بمحافظة الجوف، بعد اخضاعها لثلاث تجارب تأكيدية، أهمها تحديد كمية احتياجها من المياه وهي كمية غير متوقعة، ومعرفة الاعداء الحيوية النافعة للقضاء على الحشرات الضارة بدلا من استخدام المبيدات.
"انعدام الأمن الغذائي"
قد يكون من المبكر للغاية رغم انقضاء ما يربوا على خمس اعوام من العدوان على بلادنا قياس الاضطرابات وتعمق ارتباط الحصار والحروب بانعدام الأمن الغذائي، إن لم تقلل من فرص الحصول عليه في عدة بلدان، وهو الأمر الذي نعاني منه جراء استمرار العدوان في تشديد الحصار واستهداف الاقتصاد اليمني ما ادى الى تدهور الامن الغذائي، ويقتضي استعدادا أكبر للحيلولة دون خروج الأزمات عن نطاق السيطرة، بما فى ذلك تنمية القدرات المؤسسية المحلية على الاستجابة الفعالة وصولا الى تلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة.
"تعزيز الجهود"
وتحسبا لتهديدات الأعداء لليمن، فقد بات من الضرورة بمكان أن ينهض المجتمع بمختلف شرائحه والقطاعين العام والخاص لتحديد الأولويات وترتيب الأنشطة للاهتمام بالجانب الزراعي، والتوسع في المساحات المزروعة وزيادة الإنتاج للمحاصيل الزراعية، وعدم الانتظار لما سيأتي من جانب الدولة خاصة وبلادنا تعيش عدواناً غاشماً دخل عامه السادس على التوالي.
وهناك مبررات منطقية قد تظهر على سطح الأحداث تطالب بتعزيز دور الدولة في توفير حوافز واعفاءات للمزارعين، وقد يكون من المفيد التركيز على البحوث الزراعية وتشجيعها، وكذا ايجاد بيئة فعالة لتشجيع الاستثمار المحلي في الإنتاج الزراعي وتعزيز التوجّه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء.
المصدر : مجلة يمن ثبات |