صعدة برس-متابعات - في السنة العاشرة من الهجرة قرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أداء فريضة الحج، والتي سُميت بحجة الوداع، فاجتمع المسلمون من كل حدب وصوب ليشهدوا مع نبيهم أخر أركان الدين، ويتحدث الرواة عن انضمام نحو 120 ألفاً الى الموكب النبوي بالمدينة، عدا الذين انضموا اليه في الطريق والتحقوا به من اليمن مع الامام علي عليه السلام وأبو موسى الأشعري، بينما قال “محمد فريد وجدي” في الجزء الثالث من “دائرة المعارف” أن عدد الحجاج بلغ 90 ألفاً، وذكر “عبدالحسين الأميني” في “الغدير” أن عددهم 124 ألفاً، وفي رواية 114 ألفاً، وأياً كان الرقم الصحيح فالمؤكد أنهم عشرات الآلاف وأن من شهد الحج مع الرسول كان معه في غدير خم.
بعد فراغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أداء فريضة الحج، شد الرحال الى المدينة وتحديداً يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وفي الطريق نزل عليه جبريل الأمين بآية التبليغ: ” يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ” المائدة 67، وفيها أمر إلهي واضح بتبليغ ولاية الإمام علي عليه السلام، وعدم الالتفات الى أقاويل المرجفين.
إغتم رسول الله لذلك، وأمر بتوقف الموكب في منطقة تسمى بغدير خم في الجحفة، على مفترق الطرق بين مكة والمدينة ومصر والشام والعراق، وأمر أن يلحق به من تأخر عنه، ويرجع من تقدم عليه، فاجتمع المسلمون حول نبيهم وأدركتهم صلاة الظهر، وكانت الشمس ملتهبة، وبعد فراغه من الصلاة قام بتبليغ ما أمره الله به، من ولاية أمير المؤمنين، وأمرهم بأن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وأمر الحاضرين ببناء خيمتين واحدة له والثانية للإمام علي عليه السلام وتقديم التهاني للامام علي بإمرة أمير المؤمنين، واستمرت المبايعة ثلاثة أيامٍ متوالية، وكلما بايع فوج، قال رسول الله: “الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين”.
وقبل أن يتفرق المسلمون نزل جبريل عليه السلام بآية إكمال الدين: “اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا” المائدة 3، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ” الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي بعدي”.
ومن المصادفات العجيبة التي ذكرها السيد العلامة مجدالدين المؤيدي مبايعة الإمام علي عليه السلام بالخلافة في يوم الجمعة 18 ذي الحجة 35 هـ، وهو نفس يوم واقعة الغدير الشهيرة، ولهذا الاتفاق شأن عظيم.
ومن يومها والناس تحتفي في الثامن عشر من ذي الحجة بعيد الغدير الأغر إقتداءً بنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، ويكفينا هنا للتأكيد على عظمة هذا اليوم ما رواه صفوان بن يحيى عن جعفر بن محمد عليه السلام: “الثامن عشر من ذي الحجة عيد الله الأكبر، ما طلعت عليه شمسٌ في يومٍ أفضل عند الله منه، وهو الذي أكمل الله فيه دينه لخلقه، وأتم نعمه، ورضي لهم الإسلام ديناً، وما بعث الله نبياً إلا أقام وصيه في مثل هذا اليوم، ونصّبه علماً لأمته”.
وخبر الغدير من الأحاديث الصحيحة المتواترة لدى علماء السنة والشيعة، وكتب عنه الكثير من علماء الفريقين، وإحيائه لا يشكل أي قدح في الصحابة، بل هو تكريم لأحدهم، وقد إعتاد اليمنيون على إحيائه منذ المئة الاولى للهجرة، ويتم الاستعداد له من يوم عيد الأضحى، وهو عندهم من الأعياد المقدسة الى يوم الناس.
* واقعة الغدير:
روى الامام القاسم ابن إبراهيم عليه السلام في “الكامل المنير” عن أبي أحمد قال: حدثني من أثق به، عن الحكم بن ظهير، عن أبيه، وعبدالله بن حكيم بن جبير قال: “أي القاسم عليه السلام”: وهؤلاء المخالفون – لنا و- لكم، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع، أنزل الله عليه: “يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ”، وخرج مذعوراً نحو المدينة، وأصحابه معه حتى قدم الجحفة، فنزل على غدير خم، ونهى أصحابه عن سمرات في البطحاء متقاربات، فنزل تحتها وهي شجرات عظام.
فلما نزل القوم في سواهن، أرسل إليهم سبعين رجلاً من العرب، والموالي، والسودان، فشك شوكهن، وقم ما تحتهن – أي أزالوا الشوك والأحجار وعملوا منبراً من أحداج الإبل.
ثم أمر بالصلاة جامعة، واجتمع المسلمون، وفيمن حضر علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين أبنا علي، والعباس وولداه عبدالله، والفضل، وفيهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، وطلحة، والزبير، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد بن نفيل، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وأبو الحمراء مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعبدالله بن مسعود، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وعامة قريش ووجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عقبي، ومهاجري، وأنصاري، وغيرهم من بدوي، وحضري، حتى امتلئ الروح – تحت الشجر – وبقى أكثر الناس في الشمس، يقي قدميه بردائه من شدة الرمض.
فصلى صلى الله عليه وآله وسلم تحتهن ركعات، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: “يأيها الناس إنه نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعش نبيٌ قط إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني أوشك أن أُدعى فأجيب، وإنكم مسؤولون، هل بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فماذا أنتم قائلون؟”.
فقام من كل ناحية من القوم يقولون نشهد أنك عبدالله ورسوله قد بلغت رسالاته وجاهدت في سبيله وصدعت بأمره وعبدته حتى أتاك اليقين، جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق، والبعث بعد الموت حق، وتؤمنون بالكتاب كله”.
قالوا: بلى.
فرفع النبي يده ثم وضعها على صدره، ثم قال: “وأنا أشهد بذلك، اللهم اشهد”، ثم قال: “ألا لعن الله من ادعى إلى غير أبيه، لعن الله من تولى غير مواليه، ألا ليس لوارث وصية، ولا تحل الصدقة لآل محمد، ومن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار، أيها الناس ألستم تشهدون أن الله مولاي، وأن الله مولى المؤمنين، وأنا أولى بكم من أنفسكم”.
قالوا: بلى نشهد أنك أولى بنا من أنفسنا.
فأخذ صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي بن أبي طالب عليه السلام، فرفعها، ثم قال: “من كنت أولى به من نفسه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من ولاه، وعادِ من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من بغضه، وأعن من أعانه، وأنصر من نصره، وأقتل من قاتله، وأخذل من خذله، ..”.
ثم أرسل يده، فقال رجل من القوم: ما بال محمد يرفع بصبع – وفي رواية بضبعي وفي أخرى بيد – ابن عمه، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتغير لذلك وجهه، فلما رأى ذلك الرجل أن رسول الله قد علم به، واشتد عليه أقبل على “علي”، فقال له: هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي الثانية، فقال: “أيها الناس اسمعوا ما أقول لكم، إني فرطكم على الحوض، وإنكم واردون عليَّ الحوض، حوضاً أعرض مما بين صنعاء إلى إيلة – فلسطين – فيه كعدد نجوم السماء أقداح، إني مصادفكم يوم القيامة، ألا وإني مستنقذ رجالاً، ويختلج دوني آخرون، فأقول يا رب أصحابي أصحابي، فيقال: إنهم أحدثوا وغيروا بعدك، وإني سائلكم حين تردون عن الثقلين؟ فانظروا كيف تخلفوني فيهما”.
فقام رجل من المهاجرين، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما الثقلان؟.
قال: “الأكبر منهما كتاب الله ما بين السماء والأرض طرف منه بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، والأصغر منهما عترتي أهل بيتي، فقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فلا تعلموا أهل بيتي فإنهم أعلم منكم، ولا تسبقوهم فتمرقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تتولوا غيرهم فتضلوا، يأيها الناس أطيعوا قولي، واحفظوا وصيتي، وأطيعوا علياً فإنه أخي ووزيري وخليفتي على أمتي، فمن أطاعه فقد أطاعني، ومن خالفه فقد خالفني، ..”.
ثم أرسل يده فقال: “يا علي أكتب بما أوصيتهم به – عليهم – كتاباً”.
فلما أن كتب وأشهد الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغهم ذلك اليوم، أخذ الكتاب فقال لهم بصوتٍ عال: “أيها الناس هل بلغتكم ما في هذا الكتاب”.
قالوا: اللهم نعم.
قال: “اللهم اشهد وكفى بك شهيداً”، ثم رفع صوته فقال: “أقيلكم”.
فقالوا: نعوذ بالله ثم بك يا رسول الله من أن تقيلنا أو نستقيلك.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “اللهم اشهد أني قد جعلت علماً يُعرف به حزبك عند الفرقة هادياً عليَّ”، فناوله الكتاب.
وبعد فراغه صلى الله عليه وآله وسلم قام حسان بن ثابت وقال في ذلك:
يُناديهمُ يوم الغدير نبيّهم .. بخمٍّ فأسمِع بالرسول المنادياً
وقد جاءه جبريلُ عن أمر ربه .. بأنك معصومٌ فلا تكُ وانيا
وبلغهم ما أنزل اللهُ رُبُهم ..
اليك ولا تخشى هناك الأعاديا
فقام بهم إذ ذاك رافعُ كفِّهِ .. بِكفِّ عليٍ مُعلن الصوت عالياً
وقال: فمن مولاكم ووليكم؟ .. فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت وليُّنا ..
ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا عليُ فإنّني .. رضيتك من بعدي إماماً وهادياً
فمن كنتُ مولاه فهذا وليُّهُ .. فكونوا له أنصار صدق موالياً
هناك دعا: اللهمّ وال وليَّهُ .. وكن للذي عادى علياً معاديا
فقال الرسول: لا تزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك.
وتبعه عمر بن الخطاب فقال للإمام علي: بخٍ بخٍ يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وقبل أن يتفرق القوم نزلت آية إكمال الدين كما ذكرنا آنفاً، قال السيد العلامة مجدالدين المؤيدي في ذلك اليوم الذي أنزل الله تعالى فيه على الأصح: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”.
* إن لم يكن حديث الغدير صحيح؛ فما الصحيح إذن؟.
نحن أمام حدث غير عادي حضره أكثر من 120 ألف مسلم ومسلمة، وأمر فيه النبي بأن: “يبلغ الشاهد الغائب”، ومن الطبيعي أن يكثر نقل وقائعه والتحدث بها، ويذكر الرواة أنه بعد مرور 25 سنة، طلب الإمام علي في مسجد الكوفة ممن سمع حديث الغدير عن النبي أن يذكره، فنهض من بين الجالسين 30 نفراً ونقلوا الحديث.
حتى ابن تيمية مع شدة معارضته للشيعة قال بصحته في كتابه من حقوق آل محمد صفحة13: وثبت في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه قال: خطبنا رسول الله بغدير يدعى خم بين مكة والمدينة.
وقال بن حجر الهيثمي في الصفحة 42 من صواعقه المحرقة: ان حديث الغدير صحيح لا مرية فيه .. ولا التفات لمن قدح في صحته ورده.
وعده السيوطي من الأحاديث المتواترة.
وقال الذهبي: بهرتني طرقه فقطعت بوقوعه.
وقال المقبلي في الأبحاث: إن كان هذا معلوماً وإلا فما في الدنيا معلوم.
رواه ونقله 110 من الصحابة، و84 من التابعين، و360 من أئمة الحديث وحُفاظه، و57 من علماء وحفاظ القرن الهجري الثاني، و90 من علماء القرن الثالث، و43 من علماء القرن الرابع، و24 من علماء القرن الخامس، و19 من علماء القرن السادس، و21 من علماء القرن السابع، و18 من علماء القرن الثامن، و16 من علماء القرن التاسع، و13 من علماء القرن العاشر، و25 من علماء القرون الهجرية الاخيرة، طبعاً من غير علماء وأئمة الزيدية والإمامية.
وأخرجه ورواه الطبري من 75 طريقاً وأفرد له كتاباً أسماه “الولاية”، وأحمد بن حنبل من 40 طريقاً، وابن جرير من 72 طريقاً، والجزري المقري من 80 طريقاً، وامام المحدثين أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة من 105 طرق، وسعيد السجستاني من 120 طريقاً، وأبو بكر الحصابي من 125 طريقاً، وابن حجر العسقلاني عن 27 صحابياً، ومحمد بن إبراهيم الوزير من 153 طريقاً، وأبو العلاء العطار الهمداني من 250 طريقاً، وعلماء الزيدية من 114 طريقاً, والامام عبدالله بن حمزة في الشافي بأكثر من 105 طرق برواية الموالف والمخالف… الخ.
وممن حضر واقعة الغدير من الصحابة: علي بن أبي طالب، أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، عبدالرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، عمار بن ياسر، أبو ذر الغفاري، سلمان الفارسي، جابر بن عبدالله الأنصاري، الحسن بن علي، الحسين بن علي، البراء بن عازب، سمرة بن جندب، حذيفة بن اليمان، الزبير بن العوام، طلحة بن عبيدالله، العباس بن عبدالمطلب، عبدالله بن عباس، زيد بن ثابت، زيد بن الأرقم، عبد الله بن عمر بن الخطاب، قيس بن ثابت، أنس بن مالك، عمرو بن مرة، عمر وحبشي بن جنادة، جرير البجلي،، جندب الأنصاري، حذيفة بن أسيد الغفاري، أبو أيوب الأنصاري، أبو الطفيل، مالك بن حويرث، حبيب بن بديل ..ألخ.
ومن النساء: فاطمة الزهراء، وأم سلمة، وأم هاني بنت أبي طالب، وأسماء بنت عميس، وعائشة بنت أبي بكر ..ألخ.
قال الإمام القاسم بن محمد عليه السلام: وهو حديث مشهور أخرجه كثير من المحدثين، ورواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثون صحابياً، فكيف يُسوّغ الاعتذار لمن خالف بعد هذا النص علياً!، وبِمَ يلقى الله من لم يكن له موالياً وولياً!
وقال أبو القاسم الفضل بن محمد: روى حديث غدير خم عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّمَ نحو مائة نفس، منهم العشرة، وهو حديث حسن صحيح ثابت لا أعرف له علة، تفرَّد علي عَلَيْه السَّلام بهذه الفضيلة ليس يشركه فيها أحد.
وقال الإمام عبدالله بن حمزة عليه السلام: هذا الخبر قد بلغ حد التواتر، وليس لخبر من الأخبار ما له من كثرة الطرق.
وقال جمال الدين الهادي بن إبراهيم الوزير: من أنكر خبر الغدير فقد أنكر ما علم من الدين ضرورة؛ لأن العلم به كالعلم بمكة.
* الولاية أخت النبوة:
لم تكن واقعة الغدير بالحدث العابر، وإنما أراد رسول الله التأكيد لأمته عبر التاريخ أن الولاية أخت النبوة، وسياجها المنيع ضد الأعاصير الأهوائية، والتوضيح بأن الولاية مرتبطة بالقيم الإسلامية الأصيلة من الحزم والقوة ورباطة الجأش ومناصرة المظلومين .. الخ، وأن الإعتراف بالولاية يعني التمسك الصادق بالقيم الإسلامية الأصيلة التي دعى اليها صلى الله عليه وآله وسلم طِيلة 23 عاماً، والتنكر للولاية يعني التنكر لما دعى اليه جملة وتفصيلاً.
إذن فالهدف الأسمى من الولاية هو حفظ الدين الإسلامي وضمان ديمومته وعالميته، والنأي بالأمة عن مزلات القدم، ومنع الإختلاف بعد رسول الله.
وما نريد التأكيد عليه في هذه العجالة هو أن الله لا يقبل التوحيد إلا بالاعتراف لنبيه بنبوته، ولا يقبل الدين إلا بولاية من أمر الله بولايته، بهذا يزول اللبس ويفهم سبب أهمية واقعة الغدير، وسبب أهمية أمر الله بتبليغ الولاية، وسبب رضا الله بذلك، واعتبار التبليغ أخر مهمة لرسول الله قبل رحيله، والتي بها إكتمل الدين وتمت النعمة.
والشاهد على الولاية قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “من كنت مولاه فعلي مولاه”، والمولى في اللغة تعني المالك للتصرف في أمور القوم، وهو أول ما يتبادر للأفهام، وما عدا ذلك فإدعاءات فارغة القصد منها إفراغ الغدير من محتواه الحقيقي.
قال العلامة الشهيد حُميد بن أحمد المحلي الهمداني الوادعي: فلو لم يكن السابق إلى الأفهام من لفظة “مولى” المالك للتصرف، وكانت منسوبة إلى المعاني كلها على سواء حملناها عليها أجمع، إلا ما يتعذر في حق علي عَلَيْه السَّلام من المُعتِق والمُعتَق، فيدخل في ذلك ملك التصرف، والأولى المفيد ملك التصرف، فيفيد الإمامة؛ لأنه عَلَيْه السَّلام إذا ملك التصرف على الأمة، أو كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كان إماماً.
ولو لم يرد في مناقب أمير المؤمنين عَلَيْه السَّلام إلا خبر الغدير لكفى في رفع منزلته، وعلو درجته، وقضى له بالفضل على سائر الصحابة.
وما ذكره حسان بن ثابت – كما عرفنا آنفاً: “رضيتك من بعدي إماماً وهادياً”، دليل على أنه عَقَل من كلام النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّمَ: “من كنت مولاه فعلي مولاه” المالك للتصرف، لأنه عقل منه الإمامة، التي هي مفيدة لملك التصرف، فدل على أن لفظة المولى تفيد ماذكرناه، وقول حسان حجة في ذلك لأنه لا يشكل حاله في معرفة اللغة.
وقد انطوى أيضاً على فضائل عدة سوى الإمامة، ومتى اقتضت فضله على غيره كان أولى بالإمامة أيضاً، لكونه أفضل، إذ الأفضل أولى بالإمامة من المفضول عند من يمعن النظر.
وقال المقبلي في الإتحاف: وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي، عن بريدة .. إلى قوله: فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “يا بريدة ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم?، قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه”، وبهذا الحديث، وما في معناه تحتج الشيعة على أن “مولى” بمعنى: أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دل مساق كلامه أنه سواه بنفسه، وإلا لما كان لمقدمة قوله: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم معنى.
عيد الغدير عيد الله الأكبر
فسبوك |