- كيف انزلق اليمن إلى مستنقع الحرب في أعقاب ثورات الربيع العربي..

الثلاثاء, 27-أكتوبر-2020
صعدة برس-متابعات -
*جانيت بوغراب

أصدر دار النشر ” سيرف – “éditions du Cerf كتاب ” صمت الموت، حرب اليمن القذرة المنسية “* للكاتبة الفرنسية جانيت بوغراب, والذي أشارت من خلاله إلى أن ليست كل الحروب متساوية, حيث يتم توجيه أصابع الاتهام إلى البعض، في حين يتم دفن البعض الأخر.

لذا, لماذا نلتزم الصمت إزاء اليمن المنسي؟ ولماذا نتجاهل مسؤوليتنا في هذه الدراما السحيقة؟

لقد أصبحت ثورة الحوثيين تشكل بؤرة تركيز رئيسية للأزمة اليمنية, في حين يشعل الرئيس السابق صالح النار في كل شيء ولا يتردد في التحالف مع المليشيات السلفية للتصدي لها.

ففي الفترة ما بين عامي 2004 إلى 2010، شن الحوثيون هجمات متكررة ضد الحكومة المركزية التي تلقت الدعم الكامل بدورها في العام 2009 من المملكة العربية السعودية.

ومن جانبها, أدانت إيران هذا التواطؤ, رسمت بالفعل مستقبل «الحرب بالوكالة» بين القوتين الإقليميتين.

ثم تغير الوضع بشكلٍ عام في العام 2011, عندما أدت الانتفاضات الشعبية في اليمن والتي كانت جزءاً من ثورات الربيع العربي التي جابت جميع انحاء البلد- كما هو الحال في أماكن أخرى من المنطقة العربية – إلى شل أجهزة الدولة.

ومنذ بداية العام، شهد البلد بالرغم من تشرذمه وتفككه، سلسلة من المظاهرات التي قادها فئة الشباب.

فقد عمل التيار الحوثي على انتهاز تلك الفرصة, حيث عملوا على الانضمام إلى صفوف الحركة الاحتجاجية الطلابية, وبالتالي أظهروا قوتهم من خلال تنظيم الاستعراضات العسكرية وحاولوا فرض أنفسهم على طاولة المفاوضات المستقبلية.

وعلى الرغم من تصريحات الرئيس علي عبد الله صالح والتي وعد من خلالها بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ومراجعة للدستور، إلا أن المظاهرات لم تضعف بل زادت من حشد الزعماء القبليين والدينيين والسياسيين لصفوفها.

واجهت هذه الاحتجاجات بحملة دموية خلال الفترة ما بين مارس إلى يونيو من العام 2011, والتي خيمت بظلالها على العاصمة صنعاء حتى مدينة تعز وسط البلد، التي كان الحوثيون في مقدمة قتال الشوارع أهدافهم الأولى.

في الثالث من يونيو 2011، اصيب الرئيس صالح بجروح بالغة جراء قصف صاروخي استهدف المسجد الكائن في قلب القصر الرئاسي- وهذا يسلط الضوء على مدى الانغماس الكبير في مدى الرفاهية الذي ينتهجه الطغاة في العالم العربي- عندما كان يؤدي شعائر صلاة الجمعة.

وفي اليوم التالي تم نقل الرئيس صالح إلى العاصمة السعودية الرياض لتلقي العلاج.

يحيي الرئيس صالح من منفاه في الرياض, مع كل إعلان عن عودته, الغضب الشعبي.

وكان الشارع اليمني في 24 من سبتمبر 2011, على موعداً مع عودة الرئيس صالح إلى صنعاء, فعودته كانت بمثابة إيذانا باستئناف أعمال الشغب.

وفي نهاية المطاف, انتهى الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج إلى التفاوض على رحيل الحاكم المتعطش للدماء.

ففي 23 نوفمبر من نفس العام، وافق الرئيس صالح على التنحي عن سدة الحكم بموجب اتفاق انتقالي، ظفر بموجبه بلقب الرئيس الفخري, كما حصل على ضمان الحصانة الكاملة.

كما تولى نائب الرئيس في ذلك الوقت, عبد ربه منصور هادي، وهو ثاني نائب له منذ فترة طويلة، دفة القيادة في البلد.

وبوصفه المرشح الوحيد للمنصب، فقد فاز بانتخابات الرئاسية التي أجريت في 21 فبراير 2012، حيث اتسمت هذه الانتخابات باضطرابات خطيرة وانخفاض نسبة المشاركة فيها.

وتعهد هو نفسه –الرئيس هادي- بالتزام رسمي بترك منصبه بعد إنشاء مؤسسات ديمقراطية جديدة.

بيد أن هذا الأمر لا يحتاج إلى أن يكون بديهيا، حتى يشعر المرء منا بأن وعود الرجلين من غير المرجح أن تتحقق.

فعلى الرغم من أن اليمن لم يعد في حالة حرب مفتوحة، إلا أن البلد واصل التدهور بصورة تدريجية.

وأثناء هذه الفترة، عانى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي يحمل أيضاً اسم أنصار الشريعة منذ العام 2011، لعملية انشقاق.

فقد احتشدت فصائله الدولية حول تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف ايضاً باسم تنظيم (داعش) الذي استغل من جانبه, الفوضى السائدة في البلد لبسط نفوذه الإقليمي، لاسيما في المناطق الجنوبية, بغية تبني النموذج العراقي-السوري هناك.

وفي المناطق الشمالية التي تحت نفوذهم، أصبح الحوثيين إحدى العقبات الرئيسية التي تحول دون توسعهم, فهم يكافحون السديم الجهادي بشكل مباشر، ولكنهم لا يستفيدون كثيراً من هذا.

كما يتعين عليهم أيضاً أن يواجهوا “الحراك”، الحركة الانفصالية الجنوبية التي تأسست في العام 2007:

هذا التكتل من الناشطين الماركسيين والإسلاميين تعد تشكيلاته شبه العسكرية للنضال النهائي من أجل الاستقلال, بينما يلعب على السطح بورقة الرئيس هادي.

وفي يناير 2014، أي بعد ثلاث سنوات من اندلاع “ثورة الربيع اليمني”، دعت الهيئة المسؤولة عن الحوار الوطني إلى تحويل البلد إلى دولة فيدرالية تتألف من ستة اقاليم.

يتوخى المشروع الفيدرالي دمج محافظة صعدة الشمالية – معقل الحوثيون- ضمن منطقة أكبر تجعله متجمعاً بحكم الأمر الواقع إلى الجنوب.

ومن جانبهم, رفض الحوثيون ذلك التقسيم وطلبوا بمنطقة خاصة بهم فضلاً عن منفذ إلى البحر، وهو ما حرمهم منه ممثلو الجنوب المستعدين للانفصال.

وتتعارض وساطة الأمم المتحدة مع الفشل المتوقع لتطبيقها الميكانيكي لنظرية بناء الدولة في القضية اليمنية.

إن الإعماء الثقافي للمبعوثين الدوليين واقتناعهم بأن نفس النموذج الفوري من الممكن أن يكون صالحاً دوماً وفي كل مكان, لا يدهشني ذلك فحسب، بل إنهم يجعلونني أشطط غضباً.

ولأن مهمتهم قد انتهت، فأن الأشخاص الصغار- تستخدم هذا اللفظ في بعض الأحيان لازدراء الأفراد والانتقال إلى بيئة اجتماعية ومهنية متواضعة، مع دخل منخفض أو متوسط – هم الذين يدفعون ثمن عنادهم.

الرئيس هادي، الذي يُعرف بين الطبقات العاملة أنه فاسد، يضحي بالوحدة الوطنية من أجل بقائه غير الشرعي على عرش السلطة.

ومن هنا وجد الرئيس السابق صالح الفرصة للعودة إلى الساحة اليمنية, من جهة.

ومن جهة أخرى, دخل الانفصاليون في الحراك الجنوبي اللعبة, في حين وجد فيها جهاديي تنظيم القاعدة أنها فرصة جيدة جداً, نظراً لكون الولايات المتحدة ودول الخليج لم تُحافظ على كلمتها.

إن بقية المجتمع الدولي غائب الآن, أضف إلى ذلك أن الانتقال إلى المزيد من الديمقراطية أصبح بمثابة وعد ميت.

اندلعت الحرب الأهلية في اليمن مرة أخرى, ففي صيف العام 2014، استأنف الحوثيون، بمساعدة القوات الموالية للرئيس السابق صالح، هجومهم وبسطوا نفوذهم إلى ما وراء معقلهم الشمالي.

فهذا الفصيل المذهل يصادق على الارتباك المطلق الذي يغرق فيه البلد, وفي أواخر سبتمبر 2014, تمكن الحوثيون وحلفاؤهم من دخول العاصمة صنعاء وأطاحوا بحكومة الرئيس هادي.

وبعد ذلك بفترة وجيزة تم التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين المتحاربين، ولكن العودة إلى العمليات القتالية, جعلت من ذلك الاتفاق لاغياً وباطلاً.

حاصر الحوثيون في يناير 2015، القصر الرئاسي في صنعاء وهاجموا في فبراير من العام التالي المناطق الجنوبية التي قاومت هجومهم.

وهنا يظهر تهور الرئيس هادي الذي جعل من هذا الأمر بمثابة ذريعة للتحالف العربي السني لدخول الحرب.

وبعد أن أدان الرئيس هادي بدوره محاولة الانقلاب، واستقال من منصبه, ومن ثم عاد وأكد أنه لا يزال على رأس منصبه كرئيس للجمهورية اليمنية، لجأ إلى مدينة عدن، معقل الجنوبيين، التي أعلنها في 25 مارس، عاصمة مؤقتة للبلد, قبل أن يغادر على عجل إلى سلطنة عمان.

وفي غضون ذلك، أحال الأمر إلى مجلس الأمن الدولي التابع لهيئة الأمم المتحدة لتفويض “الدول الراغبة في مساعدة اليمن بتقديم الدعم الفوري للسلطة الشرعية بكل الوسائل والتدابير الرامية إلى حماية اليمن وردع عدوان الحوثيين”.

لم يتمكن الرئيس هادي من الوصول إلى وجهته المفترضة والمتمثلة في سلطنة عمان, وهذا لأمر مؤسف, نظراً لتفرد البارز للحكومة العُمانية عن باقي دول المنظومة الخليجية, حيث تعتبر سلطنة عُمان الدولة العربية الوحيدة التي لم تكن سنية أو شيعية، بل فهي تتبع المذهب الإباضي.

وتتبنى مسقط إسلاماً منفتحاً ودبلوماسية مستقلة, حيث كان هذا التبني واضحاً من خلال نهج السلطان قابوس بن سعيد خلال فترة حكمه الطويلة الممتدة والتي دامت من العام 1970 إلى وفاته في 10 يناير 2020.

وبتأييد من شاه إيران تمكن السلطان قابوس من السيطرة في العام 1976 على الانتفاضة الشيوعية في منطقة ظفار المتاخمة لليمن.

في العاصمة مسقط، في عهد السلطان قابوس، أجرت إسرائيل العديد من محادثاتها السرية مع العالم العربي.

يُنظر للسلطان قابوس كونه شخصية متذوقة محبة للجمال, عاشق للأوبرا, هو سيد الحكمة في عالم اللامعقول, ولا شك أن هذا هو السبب الذي منع الرئيس هادي عن استشارته.

فالطائرة التي يهرب عليها الرئيس “يتم تحويل مسارها” بشكل ملائم إلى المملكة العربية السعودية, ولدى وصوله، يدعو هادي سلطات المملكة رسمياً إلى مساعدته عسكرياً.

وفي الوقت نفسه، دعا وزير الخارجية اليمني رياض ياسين من القاهرة إلى ضرورة التدخل المسلح من قبل الدول الأعضاء في الجامعة العربية.

وفي 26 مارس، أعلنت قناة “الإخبارية” التلفزيونية السعودية التابعة للحكومة وصول الرئيس اليمني إلى العاصمة الرياض واجتماعه مع الأمير محمد بن سلمان، الذي كان قد تم تعيينه للتو وزيراً للدفاع.

ومع ذلك، لا يوجد شيء مرتجل في هذا الباليه الدبلوماسي الواضح مع الإيقاعات المتفق عليها.

مع ساعات الليل الأولى, بدأت الغارات الجوية تُمطر على العاصمة صنعاء, حيث تم تدمير القصر الرئاسي المهجور ومطار صنعاء الدولي الذي يسيطر عليه الحوثيون.

وبتأييد من الإدارة الأمريكية، قاد النظام الوهابي تحالفاً عسكرياً ضم دول عربية وسنية، بما في ذلك مصر والسودان والمغرب، فضلاً عن الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، باستثناء سلطنة عمان التي تسعى دائماً إلى الحفاظ على حيادها الأسطوري.

فالقوات الجوية السعودية في حالة تحرك, إنهم يقصفون اليمن, ولن يتوقفوا.

وعلى الفور، فأن هذا التدخل يسرع من وتيرة التقسيم في البلد, فهناك قوتان على الأقل يعتبران نفسيهما شرعيتين, حيث تعمل كلاهما على تمزيق بعضهما البعض, بغية التفرد بالحكم:

فمن جهة، الرئيس هادي وحكومته في المنفى.

ومن جهة أخرى الحوثيون وحكومة الإنقاذ الوطني, ولكن هناك العديد من الانتكاسات الداخلية بين كلا المعسكرين.

مرة أخرى، أعرف أن صورة الارتباك الناتجة عن ذلك لن تسهم في جعل اليمن قضية دولية كبيرة.

ومع ذلك، يبدو لي أن خطا واضحا لترسيم الحدود لا يزال قائما بين مؤيدي الخضوع والمناضلين من أجل الحرية.

وحتى في الوقت الذي أيد فيه الرئيس السابق صالح الحوثيين ضد هادي، بدأ الرئيس السابق صالح في الالتفاف حول السعوديين.

ومن جانبهم, لا يرحم الحوثيون في مواجهة خيانة الطاغية، حيث أسقطوه في 4 ديسمبر 2017 , بعد أن أطلقوا النار على رأسه, كما أظهروا جثته في مقطع فيديو، وفقاً للطقوس الماكرة والمروعة التي أصبحت سائدة في عالم ثورات الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط.

إن تصفية صالح, لم يفيد الرئيس هادي الذي يجد نفسه مُتحدى، بما في ذلك في معقله ومن قبل شعبه، بعيداً عن مناطق نفوذ الحوثيين.

إن استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي على القصر الرئاسي في العاصمة المؤقتة عدن في 10 أغسطس من العام المنصرم، وهي قوة سياسية من المفترض أن تستمد منه, تظهر الآن نزعتها الانفصالية، سوف تثبت أنه لم يعد يتمتع بأي سلطة على معسكره المفترض.

وفي اليوم التالي، قصفت المملكة العربية السعودية المدينة – العاصمة المؤقتة عدن- التي تشكل نظرياً ملاذاً للتيارات المتحالفة مع التحالف.

وهذا الهجوم، الذي أسفر عن مقتل أكثر من أربعين شخصاً وإصابة مائتي وستين آخرين, بما في ذلك ما يسمى بالمليشيات الموالية، سوف يثبت مرة أخرى الطبيعة العمياء لتدخله.

إن الغاية تبرر الوسيلة؟ ولكن أي منها؟ ولتفسير دخولهم إلى الحرب، طرح السعوديون حجتين:

فهم من ناحية, يقولون إنهم يريدون استعادة السلطة التي يرون فيها أنها السلطة الشرعية، والمتمثلة في سلطة الرئيس هادي.

ومن ناحية أخرى، يشيرون إلى الحوثيين بأصابع الاتهام باعتبارهم انفصاليين ويصورونهم على أنهم انقلابين في خدمة إيران، ويتهمونهم بالتوغل في أراضيهم من أجل زرع التمرد.

المختصر إجمالا:

لم يرث الرئيس هادي أي شيء سوى وضع خلقي من عدم الاستقرار وأساء استخدام صلاحياته, وتمرد الحوثيون على خطة قمع حقيقية، حيث كانت غاراتهم على جيرانهم نادرة، متأخرة ودقيقة، حيث تنجرف من صراع كامن منذ قرن، ولديهم أوهام قليلة حول إيران التي ينبع دعمها المهتم من مواجهة إقليمية تتجاوزهم.

وبالتالي, ستؤدي الحرب التي يقودها النظام البتروموني إلى تقسيم جديد للبلد, وهذه المرة لن ينقسم اليمن إلى كيانين، بل إلى ثلاثة أو أربعة كيانات من شأنها أن تمزق وتحارب بعضها البعض داخل اليمن الموحد المندثر.

وهكذا فإن الصراع الحالي سوف ينجز مشروعا أبعد, فالقضية الحقيقية موجودة ولا شيء آخر.

وبالنسبة إلى آل سعود يكمن في الاختفاء النهائي لهذا الجار الذي يحتمل أن يكون قوياً من قائمة الدول ذات السيادة.

ولهذا يتلخص الشرط الأول في سحق الحوثي المتمرد بأي ثمن، وهو صديق العدو المطلق “بلاد فارس”.

وهذه الحرب، سواء شئنا أم أبينا، هي التي تحشد الدول الغربية لدعم القضية الوهابية.

مقتطف من كتاب “صمت الموت، حرب اليمن القذرة المنسية”, للكاتبة جانيت بوغراب.
(موقع “أتلانتيكو- Atlantico” الفرنسي)
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 01:17 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-43530.htm