صعدة برس -
*علي ناصر البخيتي
المتابع للثورة اليمنية من بدايتها الى اليوم يلحظ تغيراً في أداء ودور وصورة ساحات التغيير خلال الفترة الماضية .
واذا أخذنا ساحة صنعاء تحديداً لرمزيتها وكنموذج قد ينطبق على الساحات المشابهة لها , يمكننا تقسيم المراحل التي مرت بها الى :
1 ) المرحلة الأولى ( ساحات الربيع العربي ) : بدأت بتأثير مباشر من أحداث تونس ومصر وتزعمها الشباب المستقلون وبعض الشخصيات ومعهم بعض شباب الأحزاب خصوصاً اليسارية , مع التأكيد على أن الاخوان رفضوا النزول تحت شعار اسقاط النظام , حيث اتصل النائب / احمد سيف حاشد بالنائب الاصلاحي / فؤاد دحابة بداية الثورة ودعاهم للنزول , فرد عليه : نحن مطالبنا حقوقية ونريد اصلاح النظام عبر تعديل بعض القوانين .
واجه الشباب قمع شديد من النظام لكنهم في الأخير تمكنوا من تأسيس ساحة التغيير أمام الجامعة ونصبوا بعض الخيام وأكلوا فيها الخبز والماء لقلة الامكانات , لم يكن لهم منصة ثابته ولا امكانات ضخمة , كل ما لديهم بعض الميكرفونات الصغيرة , توافد الكثير الى الساحات وبدأت تتضخم , هنا قررت أحزاب المشترك الدفع بشبابهم الى الساحات وبشكل رسمي وبدأت المرحلة الثانية .
2 ) المرحلة الثانية (ساحات المعارضة اليمنية ) : تشاركت فيها جميع الأطراف المعارضة للنظام , مستقلون ومشترك وحوثيون وحتى من الحراك الجنوبي , وظهر كل تيار بحسب امكاناته المادية والبشرية ولذلك بدت سيطرة واضحة لأحزاب المشترك بحكم تنظيمها ومرجعيتها الواحدة إضافة الى الإمكانات الهائلة التي لدى بعض أطرافها – بسبب شراكتهم للنظام لعقود - , نصبوا المنصة انشأوا اللجان الأمنية لحماية الساحات وبدأوا بتوزيع وجبات غذائية , جمعوا التبرعات من الداخل والخارج باسم الثورة وصرفوها باسم المشترك , تشاركوا مع الجميع في خطاب المنصة وفي تأمين الساحة وإن احتفظوا بالإدارة , كانت هذه المرحلة أقوى مراحل الثورة وأشدها تأثيراً على النظام , تلقت الساحات في تلك الفترة دعماً من النخبة الثقافية من كتاب وشعراء وادباء وصحفيين ومحامين ومن منظمات المجتمع المدني ومن أغلب النقابات , كانت تلك المرحلة ملهمةً للكثيرين , كُسر حاجز الخوف لدى المواطن البسيط , ظهرت الرسوم الكاريكاتورية المضحكة على صالح وأزلام نظامه وأصبحوا مادة دسمة للسخرية , كانت ساحة التغيير متنفساً للجميع , وقبلة للزائرين تعج بالحياة والحيوية والإبداع , تزاحم الشباب على المنصة وبدأت بوادر الإقصاء عبر فرض خطاب معين على المنصة وتقاسم الأحزاب لإدارتها , تجنب الشباب المواجهة معهم حفاضاً على الثورة , منعنا من عمل منصة بل تم نهب منصتنا وتم الاعتداء على النائب / أحمد سيف حاشد من قبل الجناح الأمني التابع للإصلاح وهنا تحديداً بدأ التمهيد للمرحلة الثالثة .
3 ) المرحلة الثالثة ( ساحات الثورة المحاصرة ) : وقعت أحداث جمعة الكرامة , استغلها علي محسن الأحمر فاعلن انضمامه للثورة , هنا اكتمل السيناريو الذي وضعه حميد الأحمر في العام 2008 م وأسر به الى أحد اركان السفارة الأمريكية , ونشرت محاضر ذلك الاجتماع في موقع ويكي ليكس , استغل حميد مناخ الربيع العربي لتنفيذه , تعزز موقع الاصلاح في الساحات اكثر بعد دخول الفرقة اليها , بدأ حصار الثورة وحصرها في الساحة , منعنا من انتقاد علي محسن أو الفرقة , تم شيطنتنا , فقدت الساحة حريتها , غادرتها النخبة الثقافية , كتب الشاعر الكبير / عبدالكريم الرازحي قصيدته المشهورة ( طالبان المشترك ) بعد الاعتداء على أروى عثمان وزميلاتها من قبل الجناح الأمني للإصلاح , هنا تحديداً تغيرت نظرة الكثير تجاه الساحات والثورة بشكل عام , وبدأ الانقسام في صفوف النخبة المؤيدة للثورة .
تم استخدام الشباب كقرابين على مذبح الحلبة السياسية , كان يدفع بهم الى مواجهة جيش صالح كلما احتاج علي محسن وحميد الى موقف يعزز وضعهم التفاوضي قبل اجتماعات مجلس الأمن ومجلس التعاون الخليجي أو قبل زيارات المبعوث الدولي بن عمر , كان صالح يبلع الطعم متعمداً , سقط عشرات الشباب للوصول الى جولة كنتاكي والسيطرة عليها , اعادها علي محسن لصالح بعد ايام دون ذكر الأسباب , بعد التوقيع على المبادرة الخليجية وصل محسن وحميد الى مبتغاهم وعادوا الى السلطة منتصرين , يركبون حصان الثورة هذه المرة , وبدأت المرحلة الرابعة .
4 ) المرحلة الرابعة ( ساحات سلطة المشترك ) : بعد التوقيع على المبادرة الخليجية وتشكيل حكومة الوفاق حدث تحول خطير في دور الساحات – خصوصاً ساحة صنعاء - وانتقلت من كونها ساحات معارضة للنظام الى ساحات مبرره لسياسة النظام بعد عودة الشراكة القديمة بين المكونات الأصلية للنظام , أصبحت الساحة ومنصتها منبراً للترويج للمبادرة الخليجية وللحصانة , ومع بقاء الكثير من مكونات الساحة تعارض النظام القديم بحلته الجديدة ( حكومة الوفاق ) , الا أن فاعليتها قليلة بحكم أن الساحة تخضع لسيطرة عسكرية من الفرقة وأمنية من الإصلاح , ووصل الأمر الى منع الشباب من ترديد شعار اسقاط النظام من على المنصة , وبدلاً من ذلك رُفع سقف خطاب المنصة من الوضع المحلي الى الإقليمي وأصبحت تنادي بإسقاط النظام في سوريا على اعتبار ان النظام في اليمن قد سقط , هنا تحديدا سقط الدور الحقيقي للساحة .
ومن خلال تلك المراحل التي مرت بها الساحات يجب أن نعترف أن ساحات اليوم غير ساحات الأمس – خصوصاً ساحة صنعاء - , وأنها فقدت دعم النخبة , وأن نشاطها أصبح مجير لصالح السلطة .
ومن هنا تبرز عدة تساؤلات :
هل باستطاعتنا استعادة الدور الحقيقي لساحة صنعاء وفك حصار الفرقة والاصلاح لها ولخطابها ؟
هل يجب علينا أن ننسحب من الساحات ؟
هل يمكننا أن نبتكر أنشطة ثورية جديدة غير البقاء في الساحات ؟
هل نقوم بإنشاء ساحات بديلة ؟
هل الثورة ساحات فقط ؟
|