- المديح النبوي في المتخيل الشعري العربي..

الجمعة, 30-أكتوبر-2020
صعدة برس-متابعات -
*عبدالرحمن مراد
المديح النبوي هو شعر وجداني يختص بمدح الرسول الأكرم ويعدِّد صفاته الخلقية والخلقية وإظهار الشوق لرؤيته وزيارته – كما نجد ذلك عند الصوفية – والإشادة بصفاته وسيرته تعظيماً وتوقيراً للرسول الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام .

والمديح النبوي أصبح اليوم فناً من فنون الأدب والشعر , وهو فن اشتغلت عليه حركات التصوف في العالم الإسلامي إلى أن أصبح لونا من التعبير عن العواطف الدينية , وباباً من أبواب الأدب الرفيع , فهو لا يصدر إلا عن صدق عاطفة ومشاعر مفعمة بالحب والصدق والإخلاص دون غرض دنيوي كما في غرض المديح للملوك والأمراء.

وقد مرّ المديح النبوي بمراحل فنية متعددة إلى أن أصبح فنا قائما بذاته من حيث التأصيل ومن حيث الرؤية ومن حيث المستوى الفني للنص فهو حالة فنية تتوحد فيها الذات مع الموضوع في انصهار كلي لتبدع كونا شعريا يحمل حالة التوحد في المشاعر التي تجعل من الفردية كلية مطلقة .

فالشاعر ” يسعى إلى كلية تقف فرديته بكل ضيقها حائلاً دونها، إنه يسعى إلى عالم أكثر عدلاً، وأقرب إلى العقل والمنطق، وهو يثور على اضطراره إلى إفناء عمره داخل حدود حياته وحدها، داخل الحدود العابرة العارضة لشخصيته وحدها، إنه يريد أن يتحدث عن شيء أكثر من مجرد “أنا” شيء خارجي وهو مع ذلك جوهري بالنسبة إليه، إنه يريد أن يحوي العالم المحيط به ويجعله ملك يده وهو- عن طريق العلم والتكنولوجيا – يمد هذه “الأنا” المتطلعة المتشوقة لاحتواء إلى أبعد مجرات السماء والى أعمق أسرار الذرة، كما يربط – عن طريق الفن، هذه “الأناء” الضيقة بالكيان المشترك للناس، وبذلك يجعل فرديته اجتماعية.” فالشعر يمثل قدرة الإنسان المحدودة على الالتقاء بالآخرين وعلى تبادل الرأي والتجربة معهم.

وإذا كانت وظيفة الفن والشعر أحد الفنون الأساسية بالنسبة للطبقات التي تستهدف تغيير العالم لا يمكن أن تكون السحر، بل التنوير والحفز إلى العمل، إلا أن هناك في الفن بقية من السحر لا يمكن التخلص منها تماماً، لأن الفن بغير هذه البقية من طبيعته الأصلية لا يكون فناً على الإطلاق.

إن الفن لازم للإنسان حتى يفهم العالم ويغيِّره، وهو لازم أيضاً بسبب هذا السحر الكامن فيه”.

ويقول “بريخت”: “إن النظرة الجمالية السائدة في مجتمع يحكمه صراع الطبقات تتطلب أن يكون الأثر المباشر للعمل الفني هو إخفاء الفروق الاجتماعية، بين المتفرجين، بحيث تنشأ منهم جماعة لا تنقسم إلى طبقات وإنما تكون وحده إنسانية شاملة….”.

وتأسيساً على ذلك قد تبدو حاجتنا إلى دائرة الفن – وهي إحدى دوائر تطور الروح المطلق عند هيغل – أكثر إلحاحاً ولزوماً، فالصراع ترك فروقاً اجتماعية وتمايزاً طبقياً وسياسياً ولا يمكننا أن نجتاز تلك العقبات إلا بالفن حتى نصل إلى وحدة إنسانية شاملة أو وحدة وطنية مشتركة.

***
نشأ فن المديح النبوي كفن مستقل قائم بذاته وحاملا لصفاته الفنية والموضوعية في العصر العباسي ويمكن القول أن ما قبل ذلك كان العامل السياسي والاجتماعي وصراع الطبقات وحالة الانقسامات تقف حائلا دون التأسيس ودون الاستغراق إلا في حالات نادرة لا تشكل ظاهرة محكومة بعواملها النفسية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

والبدايات الأولى لهذا الفن تشكل امتدادا للحالات الفردية ولعل أشهر شعرائها في العصر العباسي مهيار الديلمي , والشريف الرضي , وابن الفارض , ثم جاء البوصيري.

في عصر الدويلات والانقسامات وصراع الطبقات تحوَّل فن المديح إلى مصطلح أدبي وفني يسعى إلى إخفاء الفروق بيم الطبقات أملا في القيام بوظيفته الأساسية وهي تكوين وحدة إنسانية قوية قادرة على الصمود والوقوف في وجه التتار الذي اجتاح بلاد العرب والمسلمين فعاث فيها فسادا وخراباً بعد أن ضعفت شوكت المسلمين وتفرقوا شيعا وفرقا وأصبحوا دويلات تأكل بعضها بعضا كما هو في واقعنا، فالتاريخ يمكر بنا نحن العرب ويتكرر في حياتنا في صورة مهزلة حين يبدأ على شكل مأساة .

كان القرن السابع الهجري هو الزمن الذي تشكل فيه فن المديح حتى أصبح مصطلحا أدبيا يعرفه الناس كفن من فنون الشعر يمتاز عن سواه بصدق عاطفته وبوظيفته الفنية في الحفز والتنوير وهو في المجمل يسعى إلى فهم الواقع وتغييره من خلال إخفاء الفروق الطبقية والاشتغال على المشترك وتكثيف التجارب للوصول إلى الوحدة التي كانت هدفا في عصر الانقسامات والدويلات والصراعات الطبقية وعصر الانحدار في المستوى الحضاري الإسلامي , ولذلك فالصوفية هم من حازوا قصب السبق فيه وقد ابتكروا أساليب وطرائق فنية غير مسبوقة وأحدثوا انزياحا في تراكيب اللغة وتكثيفا وتوسيعا للأفق الدلالي وكان لابتكارهم أثر على غيرهم وعلى اللغة العربية في مطلق العموم .

***
في القرن السابع الهجري الذي يصادف الثالث عشر الميلادي كان واقع الأمة منقسما على نفسه, وبلادهم واقعة تحت نير الاحتلال المغولي والصراعات على أشدها لذلك كان المديح النبوي يهدف إلى التذكير والحفز كما في قصيدة البوصيري التي تعرف بالبردة وهي قصيدة تعكس الصراع الثقافي في زمنها من خلال مضمونها الذي من خلال الفن يحاول أن يكون أقرب إلى العقل والمنطق في جدليات الواقع الثقافية كما في قوله :

لا تنكر الوحي من رؤياه إن له
قلباً إذا نامت العينان لم ينم
أما هدف التحفيز فنجده في مثل قوله :
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته
قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
وعلى ذات المنوال جاءت همزية البوصيري التي يقول مطلعها :
كيف ترقى رقيك الأنبياء
يا سماء ما طاولتها سماء

***
وجاء أمير الشعراء احمد شوقي ناسجا على ذات المنوال فقد كان الظرف التاريخي ممتدا وكانت الأمة في ذات المشكل التاريخي لذلك كان الامتداد والنسج من ضرورات مرحلة شوقي الزمنية , بيد أن بداية القرن العشرين أقرب منه إلى الصحوة من الغفوة التي كان عليها زمن البوصيري إلا أن الكلمة كالشجرة تؤتي أكلها كل حين , فشوقي لم يزد على التذكير بالبردة وبالهمزية للبوصيري من خلال معارضته لهما , وقد امتد هذا التوجه إلى كثير من شعراء عصر النهضة كالبارودي وغيره إلا أن شهرة شوقي وشهرة قصائده طغت على كل من سواه .

أما في اليمن، فالقائمة تطول في سرد أسماء الشعراء الذين كان المديح النبوي مضمارا لهم ولذلك سوف أقف عند الشاعر عبدالله البردوني الذي خص الرسول بقصائد اربع هي من غرر قصائده وهو يمثل نموذجا ثوريا لعصر النهضة الذي حاول العرب والمسلمون استعادة دورهم في صناعة الوجه الحضاري الجديد الذي عصرته الحروب والصراعات وبدأ يستعيد وعيه بقيمته وحضارته وثقافته في زمن تمايزت فيه الأمم بعد حروب عالمية طاحنة .

***
– عصر النهضة
يعرف عصر النهضة العربي بعصر اليقظة العربية أو حركة التنوير العربية وهو يمثل الحالة الفكرية والاجتماعية التي سادت في مصر وفي لبنان وامتدت لتشمل عواصم عربية أخرى كدمشق وبغداد , وبعض عواصم المغرب العربي كمراكش، وقد بدأت في مستهل القرن التاسع عشر، وكان من ابرز مظاهر عصر النهضة انتشار الطباعة وظهور الصحافة ودور النشر والتوسع في إنشاء المدارس والجامعات وإحياء التراث العربي وتحقيقه ونهوض اللغة من كبوتها التي عرفتها في عصر الانحطاط وتفاعل الأدب العربي مع الآداب الغربية تفاعلا عميقا أدى إلى ظهور فنون أدبية جديدة لم تكن معهودة للعرب كالرواية والقصص والمسرحيات .

وشكّل الحراك الثقافي بعثاً للهوية العربية والإسلامية , وطرحت قضايا مصيرية مثل التحرر من الاستعمار وناقش ذلك الحراك الثقافي النهضوي قضايا العدالة والحرية والمساواة وكان من نتاج ذلك كتاب ” طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ” وكان أحمد شوقي من ثمار ذلك الزمن مع غيره من الشعراء والأدباء .

بعد مرحلة شوقي جاءت مرحلة أخرى شهدت تطورا ملحوظا في شتى مناحي الحياة وبرز عند أدباء ذلك الزمن – النصف الأول من القرن العشرين – سؤال حضاري , ويمكن أن يقال أن الشاعر العربي عبدالله البردوني كان عصارة ذلك الزمن .

ففي عام 1376هجرية كتب البردوني قصيدة بعنوان ” يقظة الصحراء ” ومن خلال عتبة النص ندرك القيمة الدلالية لحركة التنوير في اليقظة، فالنص كان فكرة متطورة عن ماضيها، فالبردوني لم ينسج على منوال شوقي الذي اقتصر دوره على إحياء نصي البوصيري في البردة والهمزية بل كان تعبيرا مستقلا حاول من خلال خاصيتي التذكر والتجميع الوعي بالذات, وبالمتغير لثقافي , كما هدف إلى توحيد الرؤية, من خلال التذكر والتجميع والرفض, تحصيناً للذات من الاختراق ، وتصعيداً لها إلى مراتب الضدية مع الآخر, حتى تتجاوز مراحل النفي والاحتواء, التي يسعى الآخر إليها كما يوحي سياق النص كما في قوله :

يا رسول الحق خلَّدت الهدى
وتركت الظلم والبغي حطاما
قم تجد في الكون ظلما محدثا
قتل العدل وباسم العدل قاما
وقوى تخطف العزَّل كما
يخطف الصقر من الجو الحماما
امطر الغرب على الشرق الشقا
وبدعوى السلم أسقاه الحماما
فمعاني السلم في الفاظه
حيل نبتكر الموت الزؤاما
يا رسول الوحدة الكبرى ويا
ثورة وسدت الظلم الرغاما
(من ديوانه أرض بلقيس )

***
فنص البردوني “يقظة الصحراء” يحاول من خلال الذاكرة استرجاع كل اللحظات المفقودة, وأن يستجمع كل الأمكنة المنسية ، وهو ينشد السيطرة على الزمان وبحيث تصبح الأمة في كل مكان وهو يمثل ذلك يحاول أن يحدث متغيرا متطورا لقصائد المديح النبوي.

وعلى نفس المنوال يأتي نص “فجر النبوة “، فالنص تكثيف واع لفهم الواقع من أجل التغيير ولذلك تتالت في المستهل حالة التذكر من أجل تجميع الممكنات للنهوض كما تتجسد في قوله من ذات النص :

بعث الرسول من التفرق وحدة
ومن العدا القاسي أرق وداد
فتعاقدت قوم الحروب على الصفا
وتوحدت في غاية ومراد
وتحركت فيها الأخوة مثلما
تتحرك الأرواح في الأجساد
ومحا ختام المرسلين عن الورى
صلف الطغاة وشرعة الانكاد
(من أرض بلقيس )

***
فبعدا الانتماء والهوية يتمثلان في الالتحام الوجداني والايماني والثقافي , وهما يمثلان المصدر أو المرجع , وأهمية هذين البعدين , تكمن في تراسل موجودات الواقع والمكان, مع الذات وجدلها معها, بحكم عامل التوحد المعرفي والاجتماعي والبيئي وبحكم التنافر والاغتراب وتغاير المستعمر .

أما نص ” فجران ” فهو تعبير رومانتيكي يستغور المعنى العميق للمحبة والسلام والفضائل وهو في سياقه ثورة، فالفكر الثوري, في القرن الماضي ,كان انتصاراً للذات المهزومة, وتحرراً من قبضة الهزيمة, التي لاحقت الإنسان سياسياً وثقافياً واجتماعياً, وقد جاءت موجة الغضب الثوري في نص “فجران “,لإحداث التوازن النفسي , سعياً لرأب المتصدع في الذات, وهروباً إلى الحرية المفقودة, جراء ظروف القهر والكبت والهزيمة يقول في النص :

ومحمد يلقي الأشعة هاهنا
وهنا ويفتح مقلة الوسنان
فطغت اعاديه عليه فردهم
بالآيتين : الصبر والإيمان
واقتاد معركة الفدى متفانيا
إن الجهاد عقيدة وتفاني
والحق لا تحميه إلا قوة
غضبى كألسنة اللهيب القاني
إلى أن يقول :
إن الزعامة قوة وعدالة
وشجاعة سمحا وقلب حاني

***
فالقوة والضعف, صراع نفسي متضاد, بين الانتصار والهزيمة, بين النكوص والحلم, الذي يعتمد القوة / الثورة, في تحقيق إمكانه الوجودي , وهو في النص لا يظل محصوراً, في إطاره المحلي /الوطني ، بل يتسع ليشمل القومي, ثم يتسع ليشمل الإسلامي، فحيثما تكون القوة المنتصرة, وذات البعد الاتحادي في الثوابت, تكون ” الأنا ” الشاعرة , بقوة حضورها الثوري , حاضرة ومؤازرة, لأنها تجد حلمها المهزوم منتصراً, وبذلك يتحقق التوازن النفسي المطلوب وهو ما يوحي به نص ” بشرى النبوة ” وهو نص شهير للبردوني وفيه يقول :

يا قاتل الظلم صالت هاهنا وهنا
فظائع أين منها زندك الواري
أرض الجنوب دياري وهي مهد ابي
تئن ما بين سفاح وسمسار
يشدها قيد سجان وينهشها
سوط .. ويحدو خطاها صوت خمار
تعطي القياد وزيرا وهو متجر
بجوعها فهو فيها البائع الشاري
فكيف لانت لجلاد الحمى عدن
وكيف ساس حماها غدر فجار
وقادها زعماء لا يبررهم
فعل وأقوالهم أقوال أبرار
أشباه ناس وخيرات البلاد لهم
يا للرجال وشعب جائع عاري

***
يقول علي حرب في كتابه ” التأويل والحقيقة ” ُ الهوية يعاد صنعها عبر الانكسارات, التي يحدثها فيها الزمن, وعبر الكثرة التي تؤلفها ، والتعدد الذي تنطوي عليه, وعبر المغايرة التي تحاول نفيها, أو حتى التحرر من استلابها . وبمعنى آخر يعاد صنعها عبر التنوع ، تنوعها بالنسبة إلى ذاتها , وإلى الآخرين وإلى العالم” وهو المعنى نفسه الذي نجده في السياق الأفقي والتقاطعي لنص بشرى النبوة للبردوني.

***
ومن خلال التحليل السياقي والتقاطعي لأدب المديح النبوي تصدمنا حقيقة واحدة وهي أن أدب المديح يشكل معادلا موضوعيا لفكرة النهضة وفكرة الانتصار فقد ارتبط من حيث النشأة بحالة الانقسامات والصراعات وحالة التيه والضياع ولذلك يعود إلى الفاعلية الثقافية والاجتماعية مع كل حالة مماثلة .

فالرسول الأعظم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم كان باعث هذه الأمة وموحدها وباني مجدها ونهضتها ولم تكن من قبله شيئا مذكورا , وتلك الخصوصية تجعله الملهم للبناء والنهضة مع كل حالة تشظ وانكسار وانقسام .

نحن اليوم في أشد الحاجة إلى إحياء المشروع الإسلامي وليكن المولد النبوي هو الملهم حتى نضع الجاهلية الاجتماعية والثقافية والعصبيات ونعلي من شأن المشروع الإسلامي العالمي بروح المعنى الكبير للإنسان الذي حمله الإسلام وشوهته الصراعات.

فإعادة الاعتبار لدور الثقافة كسلطة اجتماعية تفرض نفسها بالاصطدام بالواقع وتغييره بعد أن غاب هذا الدور أو كاد في العقود الماضية لأسباب سياسية بحتة .

***

– الخلاصة

لقد مثّل الرسول العظم في المخيلة الشعرية العربية البطل الأسطورة أو المثال أو القدوة الذي يحدث التوازن النفسي , فالهروب إليه من انكسارات الواقع وهزائمه عند الشعراء هي في السياق العام بحث حثيث عن طموحات (الأنا العليا ) في مقابل الشعور المنكسر، إذ شكَّل معادلا موضوعيا وفنيا وتفسيا للنهوض من الكبوة .

وقد لاحظنا من خلال الإشارات في سياق الموضوع أنه في القرن السابع الهجري بعد سقوط بغداد (656هجرية- 1258ميلادي) نشأ فن المديح النبوي كمعادل موضوعي للشعور بالهزيمة أمام انقسامات الواقع وجدله الثقافي واستبداد وطغيان التتار وقد لجأ إنسان ذلك الزمن إلى الفن حتى يصل إلى الوحدة التي بذر بذرتها الأولى الرسول الأكرم، فكان على إثرها العرب قوة وكيانا حضاريا وثقافيا كبيرا ومهاب الجانب وتلاشى وجودهم بعودتهم إلى فكرة العصبيات والانقسامات .

وفي عصر النهضة مطلع القرن التاسع عشر الميلادي كان الرسول الأكرم في مخيلة الشعراء وأهل الآدب والفن هو الملهم لعوامل النهضة الثقافية والاجتماعية والسياسية بل وكان الملهم في قضايا التحرر من الاستعمار , وأيضاً لقضايا الوحدة والحرية والمساواة وقد نشأت حركات ثورية وثقافية في عموم الوطن العربي والإسلامي امتد بها الزمن إلى بداية عقد السبعينات وتجلت طموحات تلك الحركات في الحرية والعدل والوحدة وشكّل البردوني بقصائده النبوية تعبيراً ثوريا حقيقيا عن تلك المرحلة .

بعد نكسة (5حزيران ) بدأت مرحلة جديدة في التفاعل مع السائد وفي تحديد شروط التعامل مع الدين والعلم والكون والحضارة والمجتمع والاقتصاد والتقنيات والفن والسياسة وبسبب النكسة لم تستطع الطلائع الثقافية والثورية التي تصدرت المشهد في تلك الفترة فك الإشكاليات بين قضايا شائكة كانت المرحلة تضعها على طاولة النقاش والجدل الثقافي والفكري مثل الأصالة والمعاصرة والتراث والتاريخ ولذلك لم تكتمل نهضتهم بفعل التأثر بالغرب ونقل تجاربه التي لا تتناغم مع واقعهم، فالشعور بالتفوق كان غالبا لذلك ظل الاغتراب المكاني والزماني هو ديدن المرحلة إلى سقوط بغداد الجديد في أبريل من عام 2003م .

شكّل سقوط بغداد عام 2003م مرحلة جديدة , من أهم سماتها الشعور باستحالة نقل تجارب الغرب والوعي بضرورات الإصلاح , فالإصلاح نسق فكري ثقافي حضاري تقدم عليه الأمم لإنجازه بخطاب وتقنيات ومعطيات قادرة على التفاعل مع الواقع لا القفز على شروطه الموضوعية وقادرة على فرض طابعا الخاص الذي تتسم به المرحلة أو يتسم به المستوى الحضاري الحديث .

وهذا الطابع الخاص بدأ بتشكّل ويدل عليه الخطاب الشعري والثقافي وهو ماض في فرض نسقه الفكري والفني من خلال عدد من المناشط الثقافية , إذ بدأته ايران بمهرجان شعراء الصحوة الإسلامية , وهناك جائزة في قطر باسم الرسول الأكرم عليه وعلى آله افضل الصلاة وأتم التسليم , وهو اليوم أكثر تجليا في اليمن من خلال المهرجان الثقافي الكبير والمتنوع في شتى الفنون وهو مهرجان الرسول الأعظم الذي نتمنى أن يتطور ليكون أكثر أثرا في عموم الأقطار وبحيث يجعل من اليمن مركزية ثقافية عربية كما كان عهدها في سالف زمانها وعهدها .

الثورة نت
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:50 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-43552.htm