صعدة برس - وكالات - تتنافس السعودية والإمارات في الأطر السياسية والاقتصادية، فضلاً عن القضايا الإقليمية والدولية.
لكن في عام 2021، تصاعدت التوترات بين البلدين حيث بدأت السعودية جهودها لتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط في وقت سابق من هذا العام، وفي فبراير من هذا العام أعلنت أنها ستتوقف عن التعامل مع الشركات العالمية التي لا يوجد مقرها الرئيسي في هذا البلد بحلول عام 2024.
كما علقت السعودية جميع الرحلات الجوية إلى الإمارات بحجة كورونا، فيما توجه سلطان عمان إلى السعودية. وفي الآونة الأخيرة أيضًا، كان البلدان على خلاف حول تمديد اتفاقية إنتاج النفط في “أوبك بلس”.
للمرة الأولى، وقفت الإمارات ضد قرار شقيقتها الكبری، أي السعودية. وبعبارة أخری، تحدَّت الإمارات جارتها الكبرى. حيث أنه في اجتماع بين أعضاء أوبك ودول أخرى منتجة للنفط، عارضت أبوظبي اقتراح السعودية وروسيا بالإبقاء على مستويات الإنتاج منخفضةً بنهاية 2022، قائلةً إن مثل هذه الخطوة غير عادلة بالنسبة للإمارات.
في قلب هذا الخلاف، تكمن قضية أساس مستوى الإنتاج. يتم قياس الانخفاض أو الزيادة في الإنتاج لكل بلد بناءً على مستوى الإنتاج. وكلما ارتفع هذا المستوى في أي بلد، يُسمح له بإنتاج المزيد من النفط.
تقول الإمارات إن مستوى إنتاجها الحالي البالغ حوالي 3.2 ملايين برميل يوميًا في أبريل 2020 قليل جدًا، ويجب تحديده عند 3.8 ملايين برميل يوميًا.
عارضت السعودية وروسيا طلب الإمارات خوفًا من أن المنتجين الآخرين في المجموعة قد يرغبون في زيادة حصصهم الإنتاجية. وذكر المسؤولون السعوديون أن أبو ظبي تؤسس بدعةً بطلبها الأخير.
قبلت أبوظبي مستوى أساس الإنتاج الحالي في أبريل 2020، لكنها لا تريد البقاء في هذه الاتفاقية لفترة طويلة. لأن أبو ظبي قد أنفقت الكثير من الأموال لتطوير طاقتها الإنتاجية، وجذبت شركات أجنبية مثل العملاق الفرنسي “توتال”.
من النادر اتخاذ مثل هذه المواقف المعلنة المتناقضة، وحدث ذلك بعد أن أعلنت السعودية عن خطط لإطلاق شركة طيران جديدة للتنافس مع طيران الإمارات، وفي الوقت نفسه منعت مواطنيها من السفر إلى هذا البلد.
کما يتزامن هذا الخلاف بين الحليفين الإقليميين مع جهودهما لإصلاح العلاقات مع قطر؛ علاقاتٌ توترت بسبب رفض قطر للسياسة السعودية.
السعودية الجهة البادئة لسلسلة الإجراءات
لكن التوترات الظاهرة في اجتماع منتجي النفط، لم تكن البوادر الأولى لوجود مشكلة بين هذين الحليفين القديمين. حيث أنه قبل يوم واحد فقط من الاجتماع، منعت السعودية مواطنيها من السفر مباشرةً إلى الإمارات وبعض الدول الأخرى. وكانت الإمارات العضو الوحيد في هذه القائمة من الدول الخليجية.
وتخطط السعودية أيضًا لإطلاق شركة طيران جديدة لتصبح في نهاية المطاف مركزًا للنقل، وهو قرار يعدّ جزءًا من جهودها لتقليل اعتمادها على النفط. ويری البعض أن طيران الإمارات – إحدى أكثر شركات الطيران شعبيةً للسفر الدولي لمسافات طويلة – هي الهدف الرئيسي لهذه الشركة، وتسعى السعودية بذلك للاستيلاء على موقع دبي كمركز نقل إقليمي رئيسي.
إستمرت هذه التطورات في 5 يوليو مع إعلان السعودية قوانين استيراد جديدة. بموجب القواعد الجديدة، لن تخضع المنتجات المصنوعة في المناطق الحرة، أو التي تستخدم المنتجات والخدمات الإسرائيلية في دورة إنتاجها، لامتيازات جمركية وافق عليها مجلس التعاون.
وكانت الرياض قد بدت في السابق وكأنها تريد تجاوز دبي كمركز تجاري، وأعلنت في فبراير أنها لن تعمل مع الشركات التي لم تنقل مقرها إلى السعودية.
من ناحية أخرى، يبدو أنه كلما تستمر حرب اليمن ويستمر الفشل في تحقيق أهداف هذه الحرب، تتزايد الخلافات بين البلدين أكثر فأكثر.
حيث تصاعدت في الآونة الأخيرة الاشتباكات بين المجلس الانتقالي الموالي للإمارات والقوات التابعة للسعودية في المناطق الجنوبية التي يسيطر عليها التحالف السعودي، وهذه القوى باتت تواجه بعضها البعض.
وبلغ الخلاف بين البلدين ذروته في أغسطس 2019، وبعد ذلك بوقت قصير سحبت الإمارات رسميًا قواتها من هذه الحرب، لكن وجودها مستمر في اليمن، مع نفوذ ووجود في جنوب اليمن وجزيرة سقطرى.
لماذا السعودية غاضبة من الإمارات؟
لكن سبب غضب السعودية من الإمارات، هو أن أبو ظبي قد تجاوزت جارتها الكبری في الطموحات والجشع. إذ تمكنت من تحويل نفسها إلى مركز مالي وسياحي ولوجستي، وهو الأمر الذي لا تستسيغه الرياض.
وفقًا لمنظمة أوبك، يعتمد 30٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات على النفط، وهذا الرقم يصل إلی 50٪ في السعودية. السعودية بلد أكبر بكثير ولديها ناتج محلي إجمالي أكبر، لكن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات يبلغ ضعف نصيب الفرد في السعودية.
الخلافات الحدودية بين البلدين
إضافة إلى ذلك، هناك خلافات حدودية بين السعودية والإمارات. وتعود هذه الاختلافات إلى ما قبل السبعينيات.
کذلك، عندما انسحبت الحكومة البريطانية من منطقة الخليج الفارسي عام 1971، وتنازلت السعودية عن حق التنقيب عن النفط في ثلاث مناطق من صحراء البريمي، بما في ذلك العقل والمجن وبينونة، في عام 1974 إلى شركة أرامكو الأمريكية للنفط، اشتد الصراع بين السعودية والإمارات أيضًا.
ومن الخلافات العميقة والتاريخية نسبيًا بين السعودية والإمارات، هي السيطرة على حقل “الشيبة” النفطي، الذي أصبح الآن في أيدي السعودية.
حقل الشيبة النفطي هو حالياً أحد حقول النفط السعودية، ويقع في منطقة “الربع الخالي” جنوب شرق البلاد. في الوقت نفسه، يقع حقل النفط هذا على بعد 10 كيلومترات جنوب أبوظبي.
تم اكتشاف حقل الشيبة النفطي عام 1998، وتقدر احتياطيات الحقل من النفط الخام بنحو 14 مليار برميل. تصر الإمارات على أن حقل النفط هذا والمناطق المحيطة به تابع لأبو ظبي، وأن السعودية تحتله.
السعودية تستهدف الشريان الاقتصادي للإمارات
تستهدف قرارات المسؤولين السعوديين في الأيام الأخيرة الاقتصاد الإماراتي وشريانه الحيوي بشكل مباشر، وعلى رأسه السياحة والتصدير والاستثمار والأنشطة الأخرى.
الحظر المفروض على سفر المواطنين السعوديين إلى الإمارات، سيحرم الإمارات من أكثر من مليون سائح سعودي سنويًا، ودبي وحدها ستفقد 1.5 مليون سعودي.
وهذا يعني منع الإمارات من عائدات بمليارات الدولارات، وخاصةً أن السعوديين ينفقون الکثير من الأموال في الإمارات. كما أن هذا القرار سيعطل شركة طيران الإمارات أيضًا، خاصةً وأن تداعيات كورونا قد أثرت على هذه الشركة بما فيه الکفاية.
المعركة ستشتد في الأيام القادمة
على أي حال، يبدو أن الخلافات بين الإمارات والسعودية ستشتد في الأيام المقبلة. تخوض الإمارات والسعودية حاليًا حربًا اقتصاديةً شاملةً بينهما، وستزداد حدة هذه المعركة عندما تبدأ إجراءات الإمارات الانتقامية، الأمر الذي سيلقي بظلاله على الدول الخليجية الأخری أيضًا.
من ناحية أخرى، فإن مجلس التعاون مريض وضعيف لدرجة أنه غير قادر على حل المشاكل بين أعضاء هذا المجلس، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في الخلاف بين قطر والدول العربية الأربع.
* المصدر : الوقت التحليلي |