- روسيا تلعب الورقة الأخطر والغرب غير مستعد لذلك..

الإثنين, 18-يوليو-2022
صعدة برس - وكالات -
قبل بضعة أسابيع، أطلق مصرف “جي بي مورغان” الأميركي تحذيراً صاعقاً لم تقدر تداعياته الممكنة إلا في أوساط الصحافة المالية. تحذير “جي بي مورغان” جاء فيه إنه إذا ما قامت روسيا بقطع صادراتها النفطية تماماً، فإن الصدمة التي سيتسبب بها هذا الإجراء في الاقتصاد العالمي ستكون آثاره كبيرة بشكل يؤدي إلى زيادة أسعار النفط بواقع أربع مرات ليصل سعر البرميل الواحد إلى 400 دولار أميركي، علماً بأن سعر برميل النفط الواحد يراوح حالياً عند المئة دولار أميركي.

بما أن العالم ما زال يعتمد بدرجة كبيرة على النفط، فإن مفعول الصدمة التي قد يخلفها ذلك على الاقتصاد العالمي ستكون أكثر سوءاً من أزمة النفط التي شهدها العالم في سبعينيات القرن الماضي، وهو ما من شأنه أن يدفع بالعالم للإصابة بركود اقتصادي عميق.

انتظروا، فهناك المزيد. هذا الأسبوع، قامت روسيا بوقف تصدير معظم غازها الطبيعي المتجه إلى أوروبا عبر خط أنابيب “نوردستريم1” الشمالي كجزء من عملية صيانة مبرمجة وروتينية، هذا التوقف من المتوقع أن يكون لفترة وجيزة فقط، لكن الحكومة الألمانية تبدو قلقة جداً من أن توقف روسيا تدفق الغاز تماماً هذه المرة. فالرئيس بوتين بدأ في قطع شحنات الغاز المتجهة إلى أوروبا في الأشهر الماضية، ما أدى إلى زيادة مطردة في الأسعار. وليس من الصعب ملاحظة كيف يمكن أن يتطور الأمر ولماذا نعتقد أن الأثر سيكون كارثياً.

لقد جنت روسيا مليارات الدولارات كعائدات إضافية من مبيعات نفطها وغازها ــ بفضل لارتفاع الأسعار ــ الذي تلا غزو دولة أوكرانيا. إن تسعيرة النفط والغاز يتم تحديدها على المستوى العالمي، وفي ذلك السوق تلعب روسيا دوراً مؤثراً. وبما أن وفرة المعروض من النفط على المستوى العالمي حالياً يعاني نقصاً كبيراً فإن أي حظر تصدير إضافي من قبل روسيا من شأنه رفع الأسعار بحسب وصف مصرف “جي بي موغان” إلى مستويات قياسية غير مسبوقة.

وبما أن الولايات المتحدة لديها ما يكفيها من مخزونات [احتياطية كبيرة] لا تزال القارة الأوروبية تعتمد بشكل عميق على وارداتها النفطية من روسيا. القطاع الصناعي في كل من إيطاليا وألمانيا تحديداً قد يعاني الشلل جراء أي ارتفاع في سعر الطاقة، وقد يعلن كثير من الشركات إفلاسها نتيجة لذلك وببساطة. وقد يخسر الملايين من الناس وظائفهم فيما هم يعانون في الوقت نفسه من ارتفاع مخيف في فاتورة استهلاكهم للطاقة لتصل إلى مستويات غير مستدامة. وسيعاني الملايين أيضاً من عدم قدرتهم على تغطية تكلفة إعداد الطعام أو استخدام سيارتهم.

الرئيس بوتين كان قد بدأ في استخدام الوقود الأحفوري كسلاح [ضد منافسيه]. وأخيراً قام بوتين في قطع إمدادات الغاز عن عدد من الدول الأوروبية إذا لم تقم هذه الدول في دفع مستحقاتها بعملة الروبل الروسية، وهو ما دفع تلك الدول إلى تلين مواقفها [والموافقة على الطلب الروسي]. الرئيس الروسي كان قد قام أيضاً بقطع صادرات أوكرانيا الغذائية لدفع أسعارها إلى الارتفاع حول العالم. الغاز الطبيعي تحول فجأة إلى منافس للنفط كمادة تؤثر في الأوضاع الجيو سياسية العالمية ــ ولا يبدو أن هناك ما يكفي من تلك المادة للوفاء بطلب الأسواق بحسب ما نشرته وكالة “بلومبيرغ” للأخبار أخيراً.

البعض يعتقد أنه سيكون ضرباً من الجنون أن يقوم الرئيس بوتين بقطع الإمدادات من مادة توفر مصدر دخل [أساسي لبلاده]، لكن على ما يبدو فإن الحكومة الروسية قد نجحت أخيراً في تكديس ما يكفي من الأموال التي توفر لها حماية كافية [في وجه مثل تلك التطورات]. زيادة على ذلك يبدو أن الوقت يمضي بالنسبة إلى الرئيس بوتين، فألمانيا مثلاً تخطط للاستغناء تماماً عن اعتمادها [على النفط والغاز] من روسيا.

فمن خلال لجوئه لقطع إمدادات النفط والغاز فجأة، قد يوجه الرئيس بوتين ضربة ضخمة للغاية للاقتصادات الغربية التي تعتمد على النفط والغاز. وقد تهوي أسواق المال والأسهم، وآلاف الشركات قد تنتهي بإعلان إفلاسها لعدم قدرتها على تحمل ثمن تكلفة الطاقة التي تحتاج إليها [لمواصلة عملياتها]. وملايين الناس قد يفقدون وظائفهم وقد يفقد الغرب الإرادة السياسية لمواصلة إرسال المال إلى أوكرانيا. وهكذا قد يفوز بوتين.

ولكن قد يمكن تلافي كل ذلك. وهنا يمكنني أن استعرض ما كان يمكن أن نقوم به ــ وما زالت الفرصة متاحة للقيام بذلك. فعلى الحكومات الغربية أن تصدر قرارات طارئة للدعوة إلى تطوير مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح كي يتم تطويرها بسرعة، خصوصاً تلك التي يمكن إقامتها على البر. فمزارع الطاقة النظيفة يمكن بناؤها بسرعة وبشكل اقتصادي ــ فمعظم الوقت تستهلكه عادة فترة الحصول على التراخيص التي تشرع إقامة تلك المشاريع. ومن شأن إقامة مزارع توليد الطاقة من الشمس والرياح السماح بتخليصنا من الحصول على الطاقة الكهربائية عن طريق انبعاثات الكربون، وهذا يخفف من ضغط الطلب على الغاز عموماً، والذي قد نحتاج إليه لتدفئة منازلنا والطهي. وكان يمكننا توفير دعم أكبر أيضاً لتحفيز الناس على شراء السيارات الكهربائية مما يخفف من اعتمادنا على استيراد النفط من أجل تسيير وسائل النقل.

بدلاً من ذلك، لقد عانت الحكومات في الدول الغربية من قصر نظر مدهش طوال فترة هذا النزاع. لقد أمضت تلك الدول أشهراً طويلة وهي تركز على محاولة إيجاد واردات نفطية وغازية بديلة [لمحاولة عدم الاعتماد على واردات الطاقة من روسيا]. وكل استثمار جديد تبدؤه تلك الدول في حقول نفط وغاز جديدة ــ والتي لا سيطرة لها عليها ـــ لن يمكن أن تبدأ في استخراج نفطها منها بالسرعة الكافية. فالأمر يتطلب عقداً من الزمن تقريباً لتطوير أي حقل غاز أو نفط جديدين.

والنتيجة أن اعتمادنا قد تضاعف على الوقود الأحفوري لأن نظامنا السياسي ما زال تحت تأثير عمل جماعات الضغط الكثيرة التي تروج لبيع النفط والغاز. حزب المحافظين البريطاني وحده قد حصل على مليون جنيه استرليني كتبرعات من شركات النفط، والدول النفطية والمطارات أو حتى شركات تعمل في مجال النفط.

من المفيد أن نذكر الناس هنا أنه من غير المهم حجم النفط والغاز الذي قد تستخرجها بريطانيا من حقول نفطها في بحر الشمال ــ فذلك المخزون تملكه إلى حد كبير الشركات الكبرى وأسعار تلك المنتجات النفطية يتحكم بها كبار المصدرين العالميين للنفط والغاز مثل كل من الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وروسيا. ونحن لدينا استقلالية بسيطة جداً عنها.

الوقت يمضي ليس فقط بالنسبة للرئيس بوتين ــ لكن بالنسبة لأوروبا أيضاً. علينا الاعتراف بحجم التهديد وبدء الاعداد للتعامل ليس فقط مع المخاطر التي يتسبب بها بوتين، ولكن أيضاً من خطر أقوى أسلحته، أي صادراته من النفط والغاز. علينا أن نقوم بإعلان حالة الطوارئ، وأن نعمل على خفض ادماننا اليوم قبل أن يضطر الملايين من الناس إلى دفع الثمن عبر خسارة حياتهم.

بقلم : ساني هاندال
المادة الصحفية ترجمت ونقلت حرفيا من موقع The Independent عربية ولا تعبر عن راي الموقع
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:37 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-46376.htm