صعدة برس - وكالات - تعيد ذكرى 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001 الذاكرة إلى ما قبل 21 عاماً. وبما ان تلك الاحداث كانت سبباً في تغيير وجه المنطقة والعالم وساهمت في قلب مسار دول وشعوب، تصر الإدارات الدولية المختلفة، وكذا بالنسبة للمراقبين والمطلعين والصحفيين على تقييم نتائج القرارات الأميركية التي اتخذت كردة فعل أثبتت السنوات انها “غير مدروسة ولا يمكن ضبط نتائجها الكارثية”، خاصة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب.
مستشار الأمن القومي السابق، أتش أر ماكمستر، ويعمل زميلاً بارزاً في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، يشير إلى إنه على الولايات المتحدة في الذكرى الـ 21 لهجمات 9/11إنهاء الوهم الذاتي بشأن أعدائها… ان حلول الذكرى الـ 21 للهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة والتي نظمتها القاعدة من أفغانستان وقتلت 2977 شخصاً، يشير إلى تغير الكثير منذ ذلك الوقت، وأصبحت أفغانستان منذ الانسحاب الكارثي من أفغانستان وعودة طالبان للحكم، مرة ثانية ملجأ آمنا لها، تماماً مثلما كانت في 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
وفي المقال مشترك الذي أعده مع مدير المركز، برادلي باومان، يقول انه “ربما اعتبر البعض أن نتيجة الحرب في أفغانستان مجرد فصل حزين يمكن حفظه في كتب التاريخ، ويمنح واشنطن فرصة للتركيز على التحديات الأهم في مكان آخر. لكن لا شيء يبتعد عن الحقيقة، فالتهديد من أفغانستان لا يزال حقيقيا، والفشل في مواجهة الوهم الذاتي في واشنطن والذي قاد إلى الانسحاب في المقام الأول، سيفتح المجال أمام كوارث أخرى في السياسة الخارجية الأمريكية ضد أعداء آخرين.
وتقول صحيفة فورين بوليسي انه من أجل فهم الداء المستمر لخداع النفس، عليك النظر لما قاله الرئيس جو بايدن في آب/ أغسطس 2021 “أي مصلحة لنا في أفغانستان بعد رحيل القاعدة؟”، في محاولة لتبرير قراره الخروج من ذلك البلد. وأضاف: “ذهبنا إلى أفغانستان لهدف واضح وهو التخلص من القاعدة هناك، وقد فعلنا”.
والمشكلة هي أن هذا التأكيد غير صحيح، كما فعلت مجلة مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية “ذي لونغ وور” عبر السنوات الماضية. فقد منحت طالبان، القاعدة ملجأ قبل 9/11 وارتبطت الحركتان معا منذ ذلك الوقت. وقال تقييم للأمم المتحدة في نيسان/ أبريل 2021: “لا تزال طالبان والقاعدة متحالفتين، ولا إشارة على انهيار العلاقة”.
ويقول ماكمستر و باومان، نرى أن هناك مشكلة عندما تعبّر الأمم المتحدة بوضوح عن الوضع أكثر من الولايات المتحدة. وكإثبات حول نتائج السياسة الخارجية الأمريكية، أشارت إدارة بايدن إلى عملية قتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري بطائرة مسيرة في كابول. وكان على الأمريكيين أن يطرحوا عددا من الأسئلة: لماذا انتقل الظواهري إلى العاصمة الأفغانية بعد انسحاب الولايات المتحدة، مع أنه كان يستطيع البقاء في المكان الذي يعيش فيه؟ ومن انتقل من قادة القاعدة إلى أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة؟ وماذا كانوا يفعلون؟
ولو فشلت الولايات المتحدة في مواصلة الضغط على الجماعات الإرهابية، فيجب عليها توقع المزيد من الهجمات على التراب الأميركي. وربما كانت الولايات المتحدة غبية لو اعتقدت أن غارة جوية، كافية لحرمان القاعدة من الملجأ الآمن للتخطيط والقيام بهجمات. ويرى الكاتبان أن تبرير بايدن هو الأخير في محاولات الحزبين. فقد قامت السياسة الخارجية من أفغانستان على مدى العقدين الماضيين على خيال آمن به القادة الأمريكيون، وأخبروا شعبهم به، وليس تقييماً موضوعياً لأعدائهم وخصومهم، أي الوضع على الأرض والتحركات الضرورية للمصالح القومية الأمريكية.
وقاد الوهم الذاتي لهزيمة ذاتية. وشاهد الأمريكيون الوهم الذاتي، من خلال خطاب باراك أوباما عام 2009، عندما أعلن أمام الأكاديمية العسكرية عن إرسال مزيد من القوات الأمريكية، 30 ألف جندي إلى أفغانستان. ووعد قائلا: “بعد 18 شهرا، ستعود قواتنا إلى الوطن”، لكن إعلانات كهذه تعبر عن نقص في الفهم والعزيمة وأرسلت رسائل عكسية إلى أعداء أمريكا.
وشاهد العالم الوهم الذاتي في عهد دونالد ترامب واتفاقية إدارته عام 2022 مع طالبان والتنازلات اللاحقة لها. وكانت الاتفاقيات بمثابة الضربة القوية لحلفاء أمريكا الأفغان أكثر مما يمكن لطالبان تحقيقه، فقد تمت المفاوضات بدون حضور للحكومة الأفغانية، ولم يتم التأكيد على وقف إطلاق النار وإجبار الحكومة الأفغانية على إطلاق المعتقلين من حركة طالبان، كما حدّت من التعاون الأمني مع الأفغان وأنهت ملاحقة طالبان وسحب الغطاء الجوي لحكومة كابول ووقف دعم المتعهدين الأمريكيين للقوات الأفغانية. وبحسب الصحيفة فإن إعلان الانسحاب من رؤساء أمريكا الثلاث، أدى لجرأة الأعداء وزاد من تصرفات التحوط، وأكد الفساد وأضعف المؤسسات. وفشلت إدارة بايدن في التعلم من دروس الانسحاب الفاشل من العراق عام 2011، وعودة تنظيم القاعدة لاحقا والذي تحول إلى تنظيم “الدولة”. وبحلول عام 2014 سيطر التنظيم على مناطق واسعة من العراق وسوريا بحجم مساحة بريطانيا، وتحول إلى أكبر وأخطر تنظيم مدمر في التاريخ.
وظهر أن التهديدات لا تختفي عندما تنسحب القوات وتعود إلى وطنها، بل على العكس، تزداد خطورة. ولدى طالبان والقاعدة الملجأ الآمن وإمارة؛ وتشير فورين بوليسي إلى ان ذلك لأن أمريكا لم تفعل نفس الشيء في أفغانستان. ولماذا يعتبر هذا مهما اليوم؟ لأنه لو لم تواصل الولايات المتحدة الضغط على الجماعات الإرهابية، فعليها توقع هجمات على أراضيها. وأكثر من هذا، فلو لم تنته حالة الوهم الذاتي، وفشل واشنطن في تحديد الأهداف موضوعيا، فعلى الأمريكيين توقع هزائم ذاتية في مواجهة الخصوم في الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران.
وفي الحقيقة يظهر الخداع للنفس من محاولات إدارة بايدن التفاوض مع نظام راديكالي يتظاهر بالبحث عن اتفاقية ويواصل في الوقت نفسه مواجهة أمريكا عبر وكلائه ويطور برنامجه النووي. ففي ذكرى 9/11 على الأمريكيين مطالبة قادتهم والمسؤولين في واشنطن، بكشف الحقيقة عن أعداء الولايات المتحدة. والفشل يعني مزيدا من الكوارث في المستقبل.
*المصدر: موقع الخنادق اللبناني |