صعدة برس - وكالات - صاعد الحديث خلال الفترة الماضية بشأن الخلافات السعودية الأميركية ومستقبلها على معادلة “النفط مقابل الحماية” التي تحكم علاقات البلدين منذ عقود.
في هذا السياق، نشر موقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني تقريرا طرح فيه سؤالا بشأن احتمالية إلغاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هذه المعادلة.
وكانت واشنطن والرياض قد توصلا إلى هذا الاتفاق، في 14 فبراير/شباط 1945، عندما كان الرئيس الأميركي حينها فرانكلين روزفلت، عائدا من مؤتمر يالطا، المدينة السوفيتية الواقعة على سواحل البحر الأسود.
إذ التقى هناك برئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، وقائد الاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين، لمناقشة مستقبل أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي استمرت من عام 1939 إلى 1945.
وبعد المؤتمر، استدعى روزفلت مؤسس السعودية الملك عبد العزيز آل سعود، للقائه سرا، على متن البارجة الأميركية “كوينسي” أثناء إبحارها في قناة السويس أوائل عام 1945.
وبعد أكثر من 5 ساعات، وقّع الطرفان “اتفاق كوينسي”، الذي كانت أهم بنوده توفير الولايات المتحدة حماية غير مشروطة لأسرة آل سعود الحاكمة، مقابل ضمان المملكة إمدادات الطاقة التي تحتاجها الولايات المتحدة لمدة 60 عاما.
ومع انتهاء هذه المدة خلال رئاسة جورج دبليو بوش (الابن)، عام 2005، جرى تجديد الاتفاقية لمدة 60 عاما أخرى، متضمنة الشرط نفسه: “النفط مقابل الحماية”.
بداية الخلافات
ورأى الموقع البريطاني أن الأمور سارت على ما يرام، طوال الفترة الماضية، وكانت العلاقات بين البلدين جيدة، حتى وصل ابن سلمان إلى ولاية العهد، عام 2017.
فمن الطرف الأميركي، ومع وصول، جو بايدن، إلى البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني 2021، تجاهل تماما ابن سلمان، الذي يعد الحاكم الفعلي للسعودية.
وأكثر من ذلك، تعهد بايدن، خلال حملته الانتخابية، بمعاقبة ابن سلمان، الذي اتهمته الاستخبارات الأميركية بالتورط المباشر في قتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، عام 2018، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.
وللتهمة ذاتها، اختار بايدن عمدا بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة عدم التواصل مع ابن سلمان، وأصر على التحدث إلى الملك سلمان فقط، بشرط ألا يستمع ابنه إلى الحوار أو يشارك فيه.
علاوة على ذلك، قرر بايدن رفع اسم مليشيا الحوثي من قائمة الجماعات الإرهابية، الأمر الذي أغضب الرياض، ودفعها للرد عبر التقارب مع روسيا والصين.
أما من جانب المملكة، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2022، رفضت الرياض زيادة إنتاج النفط، رغم الطلب الأميركي، الأمر الذي رأته واشنطن يصب في صالح روسيا وغزوها لأوكرانيا.
ومع تسارع التطورات الدولية، أفادت بعض وسائل الإعلام العالمية أن ابن سلمان- الذي عُين أخيرا رئيسا للوزراء بدلا من والده- رفض تلقي مكالمة من بايدن، رتبها البيت الأبيض.
هذا علاوة على ما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن أن ولي العهد السعودي صرخ في وجه مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، عندما ذكر اسم خاشقجي، خلال اجتماع بالرياض، في سبتمبر/أيلول 2021.
ونقلت “وول ستريت جورنال” عن أشخاص مطلعين قولهم إن “ابن سلمان قال لسوليفان إنه لا يرغب أبدا في مناقشة الأمر مرة أخرى، وإن الولايات المتحدة يمكن أن تنسى طلبها لزيادة إنتاج النفط”.
ويذكر “ميدل إيست مونيتور” أن موقف ولي العهد كان سببا لزيارة بايدن المنطقة، في 15 يوليو/تموز 2022، حيث تراجع الرئيس الأميركي عن موقفه من ابن سلمان، وعن تعهداته بجعل المملكة “منبوذة”.
كما وصف الزيارة بأنها كانت “تحولا إستراتيجيا جعل الشرق الأوسط في دائرة اهتمام الولايات المتحدة مرة أخرى، بعد أن أدارت واشنطن ظهرها له، وتطلعت إلى الشرق الأقصى”.
ويؤكد الموقع أن هذا التحول الإستراتيجي جاء نتيجة للتداعيات الجيواستراتيجية للحرب الروسية-الأوكرانية، والمخاطر التي تهدد مجالي الأمن والطاقة في أوروبا.
ضربة شخصية
وخلال زيارته لمدينة جدة السعودية، قال بايدن: “لن نتخلى عن الشرق الأوسط ولن نترك فراغا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران. سنسعى للبناء على هذه اللحظة بقيادة أميركية فاعلة ومبادئية”.
وفي ضوء هذا التصريح، يبدو الأمر كما لو أن مصير الشرق الأوسط وشعوبه لا يتحدد إلا بالتنافس بين القوى الكبرى، حسب الموقع البريطاني.
ويرى الموقع أن ابن سلمان كان باردا خلال زيارة بايدن، ما جعل شعور خيبة الأمل يسيطر على الرئيس الأميركي، الذي تفاجأ من اتفاق السعودية مع روسيا داخل “أوبك بلس” على تخفيض كبير في حصص إنتاج النفط، بدلا من زيادتها للسيطرة على الأسعار.
وتعرضت الأسواق الأميركية والعالمية لضربة قوية في أعقاب قرار “أوبك بلس” (تضم منظمة أوبك وحلفاءها) خفض إنتاج النفط العالمي بنحو مليوني برميل يوميا، في 5 أكتوبر 2022.
وهذه الخطوة السعودية بدت وكأنها ضربة شخصية وجهها ابن سلمان لبايدن، إذ جاءت قبيل انتخابات الكونغرس النصفية في الولايات المتحدة، وفق التقرير.
أما التحدي الأخير من الرياض لواشنطن – حسب وصف الموقع- فتمثل في زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى الرياض، في 7 ديسمبر/كانون الأول 2022، بدعوة من ولي العهد السعودي.
ولفت التقرير إلى أن استقبال الرئيس الصيني كان أكثر بهجة بمراحل من استقبال نظيره الأميركي.
كما استمرت المصافحة بين ابن سلمان وشي عشر ثوانٍ على الأقل، بخلاف السلام الفاتر بين ابن سلمان وبايدن، والذي كان بقبضة اليد.
غضب أميركي
ويشدد “ميدل إيست مونيتور” على أن اتفاقية الشراكة الإستراتيجية التي وقعتها السعودية والصين، أثارت غضب المسؤولين في واشنطن.
وكان ابن سلمان والرئيس شي عقدا، خلال زيارة الأخير، جلسة مباحثات رسمية تناولت استعراضَ أوجه الشراكة بين البلدين، والجهود التنسيقية المشتركة لتعزيز التعاون في مختلف المجالات بما يتلاءم مع رؤيتيهما، وبحثِ فرص استثمار الموارد المتاحة ووقعا اتفاقية الشراكة المذكورة.
وصرح البيت الأبيض بأن زيارة “شي” للسعودية “مثال على محاولات الصين بسط نفوذها في أنحاء العالم”، مشددا على أنها لن تغير سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، إنه من المؤكد أن جولات الرئيس شي ليست مفاجئة، لكن الولايات المتحدة تركز على شراكتها في المنطقة.
ووفق الموقع البريطاني، فإن واشنطن تنظر إلى زيارة الرئيس الصيني للرياض على أنها بداية لمشكلات جديدة بين أميركا والصين وحلفاء آخرين، بما في ذلك السعودية.
وإزاء ذلك التوتر الأميركي-السعودي، يبرز السؤال عن تبني ابن سلمان لاتفاقية الشراكة مع الصين، وإذا ما كانت ستلغي اتفاق جده مع روزفلت.
“أم أن ولي العهد السعودي سيلعب مع كل من واشنطن وبكين، ويضعهما في سباق على العلاقات مع بلاده، مع المخاطرة بأن أي منهما قد يطيح به في النهاية؟”، يضيف الموقع.
ويورد التقرير أن الضغط السياسي في الولايات المتحدة قد ضمن لابن سلمان الحصانة من الملاحقة القضائية بشأن مقتل خاشقجي، بصفته رئيسا للوزراء.
“لكن على الرغم من تلك الحصانة، فإن الأيام المقبلة كفيلة بإظهار ما إذا كان هذا القرار علامة على تحول إستراتيجي جديد من قبل إدارة بايدن، وما إذا كان ابن سلمان قادرا على المناورة، والخروج من هذا التحدي الكبير سالما أم لا”، يختم التقرير.
وفي، خطوة مفاجئة أقدم عليها العاهل السعودي، الملك سلمان عبد العزيز، نهاية سبتمبر 2022، أصدر أمرا ملكيا قضى بموجبه بتعيين ولي العهد محمد بن سلمان رئيسا لمجلس الوزراء.
وقالت وسائل إعلام غربية وقتها إن هذه الخطوة هدفها حماية ولي العهد من دعوى قضائية قد تكون ضارة في الولايات المتحدة، فيما يتعلق بدوره المزعوم في مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
المصدر : ام بي سي مي تو
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع |