د. عادل الشجاع -
أعتقد ولست وحدي أن عظمة اليمن الحقيقية في أنها أنجزت وحدتها وفق الخيار الديمقراطي.
إن اليمن كانت دائما هي الرديف الحقيقي للنظام العربي ومنها دوما يأتي الجديد، فبعد أن أصيب النظام العربي بكارثة الانفصال بين مصر وسوريا عام 1961م جاءت ثورة 26 سبتمبر لتضمد جراح الأمة ولتضيف عمقاً استراتيجياً جديداً، وبعد هزيمة 67 ردت اليمن بخروج آخر جندي بريطاني من الجنوب، وفي عام 90م وبعد أن انزلق النظام العربي الى دائرة التشظي واحتلال العراق للكويت كانت الوحدة اليمنية تضخ الدم في قلب النظام العربي محاولة إبقاءه على قيد الحياة.
إن اليمن أكبر من أن تهتز لأن أحداً من الأقزام فقد وعيه وأراد أن يعطل الحياة فيها أو يعيق التحولات السياسية، فمثل هذه السخافات ليس لها مكان سوى سلة المهملات، لأن القائلين بها هم أنفسهم غرباء عن هذا الشعب ولا يعبرون إلا عن فشلهم وعجزهم في الحياة.
إن اليمن اكتسبت قيمتها من حضارتها الضاربة في أعماق التاريخ وموقعها الجغرافي الفريد واكتسبت دورها من اتساع صدرها وعقلها لكل التيارات عبر التاريخ.
فنحن جميعاً نعلم أن اليمن قيمة كبرى تجاوزت وتسامحت مع من أرادوا أن يسيئوا اليها ووجهوا سهامهم الى صدرها، وهي مع ذلك وفي كل مرة كانت تعلن تسامحها وتدعو الى السلام .. والأجدر بالأحزاب السياسية ألا تسمح لأحد بأن يستدرج اليمن الى معارك مجانية لا طائل من ورائها.
وتأسيساً على ذلك فإن الديمقراطية لم تعد خياراً يؤجل، بل ضرورة سياسية وتنموية وعلى القوى السياسية غير الراضية عن الديمقراطية الحالية في اليمن أن تعي أنه لا يمكن استنساخ نموذج للديمقراطية الغربية لأن الديمقراطية ثقافة وسلوك وليست شعارات وتمنيات وإذا أردنا أن نلحق بهذه المجتمعات فينبغي علينا جميعاً أن نعمل على نشر الديمقراطية وتفعيل قيم الحرية والمحاسبة واحترام الإنسان ورفع نوعية حياته، فبدون الديمقراطية لا يمكن أن يكون هناك سيادة للقانون ولا إمكانية لإصلاح حقيقي ولا مكان للتنمية المستدامة.
إن مستقبل اليمن يتوقف على قدرة الأحزاب السياسية على تحويل اليمن الى واحة للديمقراطية تحرر قدرات الإنسان اليمني وتعطيه الأمل في غد أفضل، ويأتي هنا دور التعليم في دعم التنمية التي ننشدها، ومن هنا فإن بناء الإنسان اليمني هو أهم استثمار يمكن أن تقوم به القوى السياسية اليوم.
ومع تسليمنا بأن بعض الأحزاب تدعو لليأس والاحباط إلا أن الصورة ايضا ليست بهذه القتامة التي يبدو عليها الوضع فنحن نؤمل من المؤتمر الشعبي العام أن يقدم - في الانتخابات القادمة - وجوها جديدة بأفكار جديدة قادرة على تحمل مسؤولياتها والتخطيط لمستقبل أفضل، فالمؤتمر يعي أنه من أجل تحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمة فلا بد من مواجهة تحديين رئيسيين، أولهما وضع أهداف محددة لما يريد تحقيقه خلال الخطة الخمسية القادمة ووضع الخطط والاستراتيجيات الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف، وثانياً ضرورة مطابقة الأقوال بالأفعال.
وأقول بصراحة أن هناك مجموعة من المحددات المهمة التي يمكنها أن تساهم في رسم ملامح مستقبل اليمن ومنها إنهاء الصراع بين السلطة والمعارضة والتفرغ للتنمية والحفاظ على الوحدة الوطنية مهما كانت الأسباب.
وبوضوح شديد أقول أن الانتخابات المقبلة يجب أن تكون فرصة للمؤتمر واللقاء المشترك للتأكيد على الوحدة الوطنية والتطلع إلى المستقبل الديمقراطي الذي يحفظ حقوق جميع الأطراف، وعلينا ألا ننتظر الحلول من الآخرين أو ما ينتج عنهم وإنما ينبغي أن نصنع حلولنا بأنفسنا.
أعود فأقول إن المؤتمر الشعبي العام مطالب بعرض ونشر برنامج رئيس الجمهورية من أجل التعريف به أمام الرأي العام وحتى يتمكن المجتمع من متابعة تنفيذه وهذا أمر مطلوب تتطلبه شفافية العمل السياسي من ناحية وممارسة الرقابة السياسية والمحاسبة من ناحية أخرى، وعليه أن يشرك الأحزاب الأخرى في النقاش بهدف تحقيق التفاعل وصولاً الى توافق سياسي واجتماعي يحقق المصلحة العامة.
أما المعارضة فمطلوب منها أن يكون نقاشها موضوعياً وأن تطرح البدائل المختلفة وليس كيل الاتهامات المرسلة أو الانتقادات المكررة دون إضافة جديد.
ليس مجدياً ولا مفيداً ولا هو من المنطق أن تكون العلاقة الحاكمة بين أحزاب المعارضة والمؤتمر الشعبي العام الرفض الكامل من جانب المعارضة لكل ما يصدر عن المؤتمر من مبادرات لأن ذلك يعني مصادرة حق الأغلبية ومصادرة النقاش وبالمثل فإن المؤتمر ينبغي ألا يرفض أي فكرة تأتي من المعارضة، فالمحك في القبول أو الرفض هو المصلحة العامة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.