- عسكرة شرقي أوروبا.. ما الذي يريده الغرب أبعد من أوكرانيا..

الثلاثاء, 31-يناير-2023
صعدة برس - وكالات -
بعد شهورٍ من التردد في إرسال أسلحة هجومية ثقيلة إلى أوكرانيا؛ كسر الغرب أخيراً أحد آخر المحظورات في دعمه لكييف في حربها مع موسكو، وذلك عبر تزويدها بأسلحة هجومية وليس دفاعية.

فبعد شهورٍ من إلحاح أوكرانيا على حصولها على دبابات “ليوبارد 2” الشهيرة من ألمانيا، وافقت برلين أخيراً على طلب كييف، واعدةً بإرسال 14 منها إلى أوكرانيا. بالتوازي مع ذلك، أعلنت واشنطن بدورها أنّها سترسل أيضاً إلى أوكرانيا 31 دبابة “أبرامز”.

وسبق هاتين الخطوتين تعهد بريطانيا بمنح أوكرانيا عشرات دبابات “تشالنجر 2″، في حين أعلنت فرنسا وكذلك الولايات المتحدة عن تسليم مدرعات للاستطلاع وقوات المشاة.

عبر رفع مستوى التسليح الغربي لأوكرانيا ونوعيته، من الواضح أنّ الولايات المتحدة وحلف “الناتو” يريدان تغذية الحرب مع روسيا ودعم استمرارها، والأمر لا يتعلق فقط بأوكرانيا وحاجتها للأسلحة. فما الأسباب الأخرى؟



شركات الأسلحة المستفيد الأكبر
منحت الحرب في أوكرانيا نَفَساً جديداً لصناعة السلاح في العالم، ولا سيما لدى الدول الغربية الداعمة لكييف. وأصبحت إطالةُ أمد هذه الحرب غاية بعض دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) كي تزدهر صناعة السلاح فيها.

وهذا الأمر عبّر عنه الصحافي الأميركي، بنيامين نورتون، بالقول إنّ الولايات المتحدة ودولاً غربية أخرى لا تريد نهاية مبكرة للأزمة، وذلك بهدف زيادة الأرباح الضخمة للمجمعات الصناعية العسكرية.

هذه الاستفادة الغربية من الحرب تتمظهر في رفع مجموعة “راينميتال” الألمانية للدفاع، المصنّعة لدبابات “ليوبارد”، توقعات مبيعاتها للأعوام المقبلة، إذ توقعت نمو المبيعات إلى ما بين 11 إلى 12 مليار يورو في العام 2025، وذلك مقارنةً بنحو 6.5 مليارات يورو في 2022.

وارتفع سهم “راينميتال” نحو 140% خلال العام الفائت، فيما ارتفع سهم شركة “هنسولدت” الألمانية بنسبة 90%، وفقاً لصحيفة “فايننشيال تايمز”. ونقلت الصحيفة عن رئيس “هنسولدت”، توماس مولر، قوله إنّ “الوضع في أوكرانيا غيّر نموذج الأعمال في صناعة الدفاع، إذ يتم إنتاج الأسلحة من دون طلبات مسبقة، على خلفية الطلب المتسارع”، مضيفاً أنّ ذلك يعني أنّ الشركات يمكنها الحصول على التكنولوجيا والمنتجات الدفاعية “تقريباً مثل السوبرماركت”. وهذا كله طبعاً بفضل الحرب في أوكرانيا.

لكن الصناعات العسكرية في أوروبا ليست الوحيدة المستفيدة. فقبل أسابيع، هاجم بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، واتهموها بجني ثروة من الحرب الأوكرانية، كما أكد مسؤول أوروبي رفيع لصحيفة “بوليتيكو” أنّ “الولايات المتحدة تحقق الكثير من الأرباح لأنها تبيع المزيد من الأسلحة”.

وهذا الكلام تؤكده الأرقام، إذ أبلغت كبرى شركات الدفاع الأميركية عن قفزات قياسية في العقود الجديدة هذا الأسبوع، مع استمرار الحرب في أوكرانيا في تأجيج زيادة هائلة في الطلب على الأسلحة، بحسب ما ذكره موقع “Responsible Statecraft”.

وفي التفاصيل، أخبر الرئيس التنفيذي لشركة “لوكهيد مارتن” المستثمرين أنّ عقود الأسلحة المتراكمة لشركته نمت إلى 150 مليار دولار من 135 مليار دولار في عام 2021، وهي قفزة “كانت مدفوعة بطلبات قياسية على الإطلاق”. كذلك، أعلنت شركة “جنرال ديناميكس”، التي تصنع دبابات “أبرامز” ومركبات “سترايكر” المدرعة، أنّ عقودها المتراكمة وصلت إلى “أعلى مستوى لها على الإطلاق” عند 91.1 مليار دولار، بزيادة قدرها 4% عن عام 2021.

هكذا، أنعشت الحرب في أوكرانيا طموحات شركات الدفاع الغربية التي تحتاج إلى إعادة تجديد مخزوناتها وتحديث أسلحتها بشكلٍ متواصل، في ظل تأكّل المخزونات القديمة، والحاجة إلى تصريفها. إذ تعزز دول حلف “الناتو” إمكاناتها العسكرية من خلال استغلال أموال مبيعات الأسلحة القديمة لأوكرانيا لتجديد أسلحتها، بحسب مركز أبحاث مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، الذي يؤكد أنّه “من خلال إعادة بيع الأسلحة المخزّنة لأوكرانيا، يمكن لهذه الدول تحسين قدراتها وبناء رادع عسكري أكثر فعالية”.



عسكرة شرق أوروبا.. لماذا؟
يتوقع مركز الأبحاث الأوكراني للاستراتيجيات الاقتصادية أن تصل قيمة الدعم الغربي، المالي والعسكري واللوجستي، لكييف إلى نحو 100 مليار دولار خلال العام الحالي، 40% منها تقريباً للجيش الأوكراني.

هذا الدعم الكثيف لأوكرانيا، والمتمثل بضخ كميات هائلة ومتنوعة من السلاح بمستويات عالية، يسعى حلف “الناتو” من خلاله إلى تحويل دول شرق أوروبا إلى مسرح لعمليات عسكرية محتملة على المدى البعيد. فقد حذّر خبراء من مخاطر وصول السلاح الغربي الذي تقدمه الدول الأوروبية لأوكرانيا إلى جماعات إرهابية، لأن هذه الأسلحة ممكن أن تُستخدم لتحقيق أهداف إجرامية.

وكانت الشرطة الأوروبية، “يوروبول”، أعلنت في وقتٍ سابق تسجيل حالات تهريب أسلحة من أوكرانيا إلى دول أوروبية، محذرةً من خطر وقوعها في أيدي مجرمين وإرهابيين. وذكر المتحدث باسم الشرطة الأوروبية أنّ هناك إعلانات عبر الإنترنت لبيع أسلحة، مثل صواريخ “جافلين” المضادة للدبابات.

بدوره، أكد يورغن شتوك، المدير العام للإنتربول، أنّ توافر الأسلحة بشكل غير مسبوق، خلال الصراع الحاليّ، قد يؤدّي إلى انتشار الأسلحة غير الشرعية في مرحلة ما بعد النزاع. كما رأى أنّ الاتحاد الأوروبي قد يكون وجهة محتملة لهذه الأسلحة، لأنّ “أسعارها المرتفعة أصلاً في السوق السوداء أعلى بكثير في أوروبا، وخاصة في البلدان الاسكندنافية”.

الدعم العسكري الغربي لكييف بالأسلحة الخفيفة والثقيلة حوّل أوكرانيا إلى واحدة من أكبر مصدري الأسلحة في السوق السوداء. بعض هذه الأسلحة تتم سرقته، وبعضها الآخر يتم تهريبه. بطبيعة الحال، فإنّ هذا النوع من الدعم غير المراقب قد يتسبب باضطرابات ومشكلات لاحقة على مستوى الدول القريبة من روسيا، لا سيما أنّ المفوضة الأوروبية اعترفت بأنّ الأسلحة الموجودة في أوكرانيا ليست كلها بأيدٍ أمينة.

وهذه المخاوف عبّر عنها نائب وزير الخارجية الروسي، أوليغ سيرومولوتوف، الذي أكد في وقتٍ سابق أنّ “المرتزقة” الذين تستدعيهم أوكرانيا يفاقمون الأزمة، معرباً عن تخوفه من تسرب الأسلحة من أيديهم إلى البلدان المجاورة.

استمرار الدعم الغربي العسكري، من دون وضع آلية مراقبة أو محاسبة، يشي أن الغرب يتعمّد ضخ كميات هائلة من الأسلحة في المنطقة الشرقية من أوروبا، وعلى حدود روسيا، لتبقى هذه المنطقة مضطربة وغير مستقرة، أمنياً وعسكرياً، أكثر وقتٍ ممكن.

فبمعزل عن نتيجة الحرب الأوكرانية فإن الأسلحة موجودة، تهرّب وتباع في السوق السوداء، وتتلقفها مجموعات وتيارات متطرفة معادية لروسيا، وهو ما سيبقي الأخيرة في مواجهة مستمرة لاحتواء هذا الأمر على مقربة منها.



التسليح لاستنزاف روسيا
التسليح ثم التسليح حتى تنتصر أوكرانيا على روسيا.. هذا هو القرار الغربي في التعامل مع الحرب القائمة بين البلدين. ويأتي قرار منح أوكرانيا دبابات حديثة في إطار استراتيجية الحلفاء الأميركيين والأوروبيين، والتي تعتمد على مواصلة دعم أوكرانيا وتعزيز قدراتها الدفاعية، بما يضمن استنزاف روسيا عسكرياً.

ويسعى الغرب لإرهاق روسيا قدر الإمكان عبر ضخ أسلحة بكميات كبيرة إلى أوكرانيا، مع علمه بأنّ موازين القوى تميل إلى موسكو. وكانت صحيفة “ذا تلغراف” البريطانية أوردت قبل أيام أنّ الجيش الروسي يتفوق على الأوكرانيين، مشيرةً إلى أنّ الأمور تتجه في أحسن الأحوال، بالنسبة إلى أوكرانيا، نحو طريق “كارثي” مسدود، وفي أسوأ الأحوال فإنّ “الروس ماضون في تحقيق اختراق حاسم”.

وبحسب المقال، فإنّ الغرب ليس مستعداً ذهنياً لتقبل أي شيء آخر غير “انتصار أوكرانيا”، إذ إنّ الغربيين “لا يرغبون في الاعتراف بالحقيقة المقلقة، وهي أنه حتى لو كانت المحصلة النهائية للحرب، على سبيل المثال، غامضة، فإنّ أسطورة الهيمنة الأميركية سوف تتحطم”.

طبعاً، إنّ واشنطن وحلفاءها لا يريدون لهذا السيناريو أن يتحقق، لذا فهي تعمل على استنزاف قوى روسيا العسكرية من خلال إطالة أمد المعارك عبر الدعم المتواصل والواسع لأوكرانيا بالعتاد والتدريب، في ظل ضغوط مكثفة وغير مسبوقة على الاقتصاد الروسي.

وهذا ما أكدته صحيفة “وول ستريت جورنال”، التي تحدثت عن وجود مخاوف لدى المسؤولين الحكوميين الغربيين من أنّ موسكو قد “تكتسب اليد العليا” فيما يسمى بـ”حرب الاستنزاف”، وهو ما يُعتقد أنه سيناريو يدعم قرار الغرب بتزويد أوكرانيا بأسلحة أكثر تطوراً، بحسب الصحيفة.

يتضح، إذاً، أنّ خطوة إرسال دبابات قتالية متطورة توجه رسالة إلى روسيا مفادها بأنّ الغرب على استعداد لحرب طويلة، تشير تقديرات غربية إلى أنها مستمرة حتى منتصف 2024 على الأقل. وبشأن ذلك، فإنّ الغرب ودوائر قراره لديهم تحليل أكثر واقعية لمسار الحرب، يتعلّق بالقدرات الروسية والأوكرانية، وقدرة كييف على المواجهة.

هناك محاولة لإيهام كييف أنها قادرة على مواجهة روسيا وهزيمتها، بفعل الإمداد المتواصل للأسلحة ومن خلال رفع مستويات التوريد، في الوقت الذي تعلم فيه دوائر القرار الغربية أنّ الأسلحة يمكنها إطالة أمد الحرب، وليس تحقيق انتصار أوكراني، ما يعني أنّ الغرب يحاول إرهاق روسيا، بأكبر قدر من الخسائر الأوكرانية!

المصدر : الميادين نت
المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:33 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-47105.htm