- هل خسرت أمريكا حرب الوكالة في أوكرانيا..

الأربعاء, 01-فبراير-2023
صعدة برس - وكالات -
أروى حنيش
عام كامل مضى منذ بدء الحرب الروسية- الأوكرانية، ولا يبدو حتى الآن أن هناك حلاً يلوح في الأفق للتسوية السياسية، حتى تضع الحرب أوزارها، بسبب إصرار الولايات المتحدة التي تقود حلف الناتو على استمرار الدعم غير المحدود لأوكرانيا، رغم أن الأخيرة لم تجن منها شيء سوى نزيف الدم وتدمير البلد، ما يطرح السؤال عن جدوى هذه الحرب التي تورطت فيها كييف، بعد هرولتها نحو حلف الناتو والاتحاد الأوروبي؟
هل خسرت أمريكا حرب الوكالة في أوكرانيا ؟
على الرغم من أنه في أدبيات الصراع الدولي، لا يمكن لدولة إدارة صراعاتها الدولية، من دون دراسة مسبّقة للوضع الدولي، وقوة الدولة الخصم سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ومدى تأثيرها الإقليمي والدولي، وقدرتها على المقاومة والصمود مع وضع تصور خاص لردة فعلها المتوقعة حال اندلاع الصراع معها، حتى لا ترتد عليها نتائج صراعها. كما أن العلاقات الدولية، هي مجموعة من الأنماط المتنوعة من التفاعلات، منها التصارعية، أو التعاونية، أو المتشابكة، والمقصود بالأخيرة أن الدول تتصارع فيما بينها في مجال، وتتعاون في مجالات أخرى، وهذا يعني أن الدول تأخذ في الحسبان مصالحها حتى مع وجود الصراع، في إطار ما يسمى بالبراغماتية السياسية.
لكن ماذا ماذا يعني هذا التصعيد الغربي ضد روسيا؟



تدمير روسيا
في الغالب يصرح القادة الروس أن الغرب يسعى لتفكيك الاتحاد الروسي على غرار ما جرى للاتحاد السوفيتي السابق، فهم لا يبالغون في ذلك.. هذا ما أشار إليه الرئيس بوتين شخصيا أكثر من مرة.. وآخرها قبل نهاية العام 2022، حينما قال في مقابلة تلفزيونية إن “الخصوم يسعون لتقسيم روسيا التاريخية، وأن موسكو مستعدة للتفاوض مع كل الأطراف المعنية بشأن حلول مقبولة”.. وفي تصريحات أخيرة لوزير الخارجية سيرجي لافروف، من “بريتوريا”، العاصمة الإدارية لجنوب أفريقيا، في 23 ديسمبر/ كانون الثاني 2022 ، قال لافروف: “الحرب في أوكرانيا هي حقيقية، وليست هجينة، وكان الغرب يستعد لها منذ فترة طويلة ضد روسيا”، وإذا عندنا إلى التاريخ فسنجد أن الحرب بدأ الإعداد والترتيب لها منذ العام 2004، واشتعلت شرارتها في العام 2014 عندما بدأ الجيش النازي الأوكراني بمهاجمة سكان إقليم دونباس ذات الأغلبية من القومية الروسية، كان ذلك أولى المحاولات لتدمير كل شيء روسي من إبادة البشر، إلى معاقبة الناطقين باللغة الروسية إلى محاربة الثقافة، وكل ما يتعلق بالتراث والفن والآداب والتاريخ … إلخ.
وشطب الأوكران، على اتفاق منسك 1و2 الذي كان تحت رعاية فرنسا وألمانيا بضوء أخضر من أمريكا، وكان هذا الاتفاق يتعلق بتسوية الأوضاع في إقليم دونباس، كأقليم حكم ذاتي، ضمن السيادة الأوكرانية، لكن الأوكران فاضت بهم العنصرية، فيريدون الأرض من دون السكان، وهي نفس سياسة الكيان الصهيوني في فلسطين.



مشاركة الناتو في الحرب
لم تعد أوكرانيا منطقة بملامح شرقية، كل شيء في أوكرانيا تبدل صبغة غربية، فكل ما كان من إرث الاتحاد السوفيتي تم تدميره، تعرضت المصانع، والمؤسسات إلى التخريب والتدمير، وفقد الناس أعمالهم ووظائفهم، انتشرت الشرائك الغربية، وتحول المجتمع إلى قطيع، بما في ذلك إعداد وتدريب الجيوش، وانتفشت الفرق النازية التي تغذي الكراهية ضد القوميات الروسية، وأصبحت الثقافة العنصرية جزءا من الإرهاب المجتمعي، وسار الأمر إلى أكثر من ذلك إلى بناء المختبرات البيولوجية، وإلى محاولة إعادة تأهيل المفاعلات النووية، وتقدمت أوكرانيا في العام 2008 بطلب انضمامها إلى عضوية الناتو.
عندما قدمت موسكو مقترحاتها إلى واشنطن، وحلف الناتو، بشأن الضمانات الأمنية، سخرت أمريكا من من مقترحات موسكو، بل راحت تشولح إعلاميا، وتطلب من روسيا سحب قواتها من أراضيها الحدودية مع أوكرانيا. وأمام هذه التحديات الكبيرة والخطيرة، لم يكن من بُدٍّ أمام بوتين سوى خوض هذه الحرب.. أي دخلها مُكرَها، وهذا ما أرادهُ الغرب، أي يُمكن القول في ضوء ذلك أن أوكرانيا كانت بمثابة “الفخ”.. أي أنها وضعت موسكو أمام خيارين: أما أن تدافع عن وجودها، أو تقبل بالانحناء لتفكيكها وتدميرها…!

قرار دول حلف الأطلسي في قاعدة رامشتاين الأمريكية في المانيا، بتزويد أوكرانيا بالأسلحة، إنما هو يندرج في سياق المشاركة الفعلية في الحرب، ولا يمكن لهذه الدول أن تتهرب من مسؤوليتها، وتمدد حلف الناتو، إلى شرق أوروبا خارج سياق الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وهذا يعني أن الناتو هو نقيض كامل لكل الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وإن لم يكن كذلك، فإن تفسير تمدد حلف الناتو هو السيطرة على العالم، الذي تتخذ منه الولايات المتحدة عصا لفرض إرادتها على الدول، أليس هذا ما يحدث ؟

وفي الوقت الذي كانت موسكو تطالب الاعتراف لها بالأقاليم الأربعة التي ضمّتها في شرق أوكرانيا، كي تنتهي الحرب، يُصر الطرف الأوكراني على الانسحاب الروسي الكامل من تلك الأقاليم، بل ومن جزيرة القرم، وفي محصلة ذلك هي مناطق روسية تاريخيا، وسكانها 90 % روس، فعلى ماذا تنازع أوكرانيا، وهي لم تقبل الحكم الذاتي في إقليم دونباس، بالرغم من أنه جرى استفتى شعبي لجمهوريتي لوجانتسك ودانسك على الاستقلال كي تنتهي الحرب.. لكن النازيون الجدد أرادوها أن تكون محرقة، لهذا شنوا حربا ضروساً ضد الإقليم، لثمانية أعوام، ارتكب الجيش النازي جرائم فضيعة، في قتل السكان المدنيين من النساء والأطفال تراوحت أعدادهم أكثر من 14 ألف قتيل، وتدمير المدن والقرى، وتهجير السكان قسرا.



عودة الحرب الباردة
عرفت الحقبة بعد الحرب العالمية الثانية بحقبة “الحرب الباردة”، وانتهت بنهاية الاتحاد السوفيتي..
واليوم يُراهن الغرب على انخراط روسيا في الحرب بأوكرانيا، وإطالة أمدها واستنزاف اقتصاد روسيا وإضعافها، كمقدمة لتفكيك الاتحاد الروسي.. هذا ما يُصرح به قادة روسيا.. نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت أيضا نهاية العصر الإمبراطوري البريطاني، وبداية عصر الهيمنة الأمريكية، فقامت الولايات المتحدة بجمع ممثلي خمسين دولة عام 1945 في سان فرانسيسكو، وتم وضع ميثاق الأمم المتحدة، بهدف الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وحماية حقوق الإنسان، وتقديم المساعدات الإنسانية وتعزيز التنمية المستدامة.. بدأت بعضوية 50 دولة، وهي اليوم 193 دولة، وتمّ اعتماد هذا النظام العالمي الكارثي الذي ما زال مُهيمنا حتى اليوم، بإعطاء خمس دول حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، ومع ذلك لم يصلح حال العالم، إلا بإصلاح هذا النظام، وإلغاء حق الفيتو نهائيا، وإعطاء صلاحيات مجلس الأمن للجمعية العامة، وتصبح قراراتها، بديلا عن قرارات مجلس الأمن.. فالجمعية العامة هي برلمان دولي، ولكل عضو فيها صوتا على قدم المساواة، مهما كان صغيرا أو كبيرا، ويبقى مجلس الأمن بمثابة سلطة تنفيذية تتابع وتنفذ قرارات الجمعية العامة، ويكون مسؤولا أمامها.



حرب الوكالة
حروب الوكالة عادة ما تقودها أمريكا في مناطق عدة من العالم ضد خصومها، هذا هو ديدنها في البحث عن الانتصارات بأيدي الغير، حتى وإن لم يكونوا من حلفائها، حدث ذلك في زمن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، وما رافقها من هيمنة وسيطرة وتوسع واغتيالات ومؤامرات وانقلابات وغزو واحتلال. ولأجل ذلك تأسس حلف الناتو عام 1949، ومن ثمّ حلف وارسو عام 1955، وامتلك الحلفان السلاح النووي، الذي شكل حالة من توازن الرعب. وكانت هناك سياسة حافة الهاوية النووية خلال أزمة الصواريخ في كوبا عام 1962، والحرب الهندو- صينية الأولى، وفي (فيتنام) عامي 1945 و1946 للسيطرة على فيتنام الجنوبية بعد استسلام اليابان.. والصراع بالوكالة في أمريكا الوسطى، والجنوبية، والبحر الكاريبي، وآسيا الوسطى، وشرق آسيا، وأفريقيا، والشرق الأوسط، وأزمة السويس عام 1956، وحرب فيتنام الثانية من 1962 وحتى 1975 وتوحيد شطري فيتنام، بهزيمة الولايات المتحدة.
ثمّ الحرب بين فيتنام وكمبوديا أواخر السبعينات، وحتى الغزو السوفييتي لأفغانستان في أواخر 1979، وهنا تجلت الحرب الباردة في أشرس صورها وأشكالها، حيث وظفت الولايات المتحدة الإسلام السياسي الأصولي المتطرف المتمثّل بتنظيم القاعدة، وأنفقت ملياري دولار في عشر سنوات، على هذا التنظيم، تدريبا وتسليحا، لمواجهة الجيش السوفيتي، مما اضطرّ الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف بوقف هذا الجرح النازف، والانسحاب من أفغانستان عام 1989..
وكان بعدها حل حلف وارسو في تموز/يوليو 1991، وتفكك الاتحاد السوفيتي في كانون أول/ديسمبر 1991.. واستقلال كافة جمهوريات الاتحاد السوفيتي إلى دول مستقلة، لاسيما وقد سبقَ ذلك في شرق أوروبا انبثاق حركات مناهضة للسوفييت ومُعادية للشيوعية، وذات تطلعات قومية، وانزلقت فيما بعد نحو النظام الغربي، وأصبحت كلها أعضاء في حلف الناتو، ثم الحرب بالوكالة ضد إيران، واليمن، وسوريا…الخ



التحول إلى الرأسمالية
ظلت روسيا حوالى عشر سنوات تضمد جراحها، وتتحول إلى دولة رأسمالية، وتندمج في النظام المصرفي الغربي، إلى أن وصل للسلطة فلاديمير بوتين، مأخوذا بالتراث القيصري، والانتماء القومي الأرثوذكسي، وسعى لاستعادة أمجاد روسيا، ولم يتقبل فكرة توسع حلف الناتو نحو الشرق قريبا من حدود بلاده، مُعتبرا ذلك استفزازا وتحديا، وخرقا للاتفاقات بين الطرفين، وللحيادية،
ولم يسعد لنموذج الديمقراطيات الغربية الليبرالية الرأسمالية، واعتبر الديمقراطية وسيلة الغرب لسرقة موارد روسيا، وركز على البعد الأوراسي.. وإلى مواجهة حلف الأطلسي في منطقة الوكيل الأوكراني.



حرب عالمية ثالثة
تبدو الحرب الأوكرانية أنها البوابة لحرب عالمية ثالثة بين روسيا وبين الغرب، فالتصعيد واضح بين روسيا وبين الولايات المتحدة وحلفائها، ليس في أوكرانيا فقط، ففي أفريقيا تحرض الولايات المتحدة الدول الإفريقية ضد روسيا، وفرنسا تقول أن روسيا تحرض ضدها في بوركينا فاسو، وجمهورية مالي .. واشنطن استضافت قمة أمريكية إفريقية، وروسيا تسعى لعقد قمة روسية أفريقية..
والحرب في أوكرانيا تشتد أوزارها، وقد أوشكت على دخول عامها الثاني، فكيف ستحسم ؟.. لا أحد يعلم إلى أين تسير الأمور مع كل هذا التصعيد، لكنها تحمل مخاطر كبيرة ومخيفة، ويذهب محللون ومراقبون إلى أن تفاقم الحرب الأوكرانية، قد تتسع لحرب عالمية ثالثة. الرئيس بوتين مُصمم على تنفيذ كل أهدافه في أوكرانيا، والغرب مُصمم على إفشاله بالكامل في أوكرانيا، في ظل غياب مبادرات سياسية جادة لايقاف نزيف الحرب، وإطالة أمد الحرب ليس في مصلحة الجميع، وفي المقدمة أوكرانيا، وأيا كانت سقف العقوبات الغربية القاسية، فهي في الأخير قد فشلت، بل تؤثر كثيرا على الغرب أنفسهم، لأن استغناء الغرب عن مصادر الطاقة الروسية، سيزيد من التضخم، ولن تحل أزمات الغرب حتى مع توفر واردات الطاقة التي تشتريها بثمن مرتفع من دول عديدة، وهذا ما حدث أن الدول الأوروبية سرعان ما عانت من إرتفاع أسعار الطاقة، وزيادة غلاء المعيشة الذي ارتفع أربعة أضعافه، ولن تخرج أوروبا من أزماتها، وقد توصلها إلى اضطرابات مجتمعية، وتفككات داخلية، مؤشراتها تنذر بخطر محدق يتلامع حولها. وقد رأينا مساعي اليمين الأوروبي للتحريض ضد الحكومات، والتظاهر والاحتجاجات الشعبية، بسبب زيادة التضخم والأسعار، ومع ذلك لم تستطع الحكومات مواجهتها سوى بالوعود الفارغة، والتطمينات المخادعة، على المحتجين.



تصدع الأوضاع
الغرب كله يبدو اليوم متناقضا، وغير موحد في المواقف والرؤى، ويبدو أن هناك شعورا عاما بأن الولايات المتحدة الأمريكية ورطت الاتحاد الأوروبي بهذه الأزمة، التي هي في الأساس ضد مصالحها القومية. فالأوضاع مُعقدة، وتزداد أكثر تعقيدا مع تزويد دول الناتو أوكرانيا بالأسلحة الغربية الثقيلة، وإرسال ما تملكه الدول الشرقية من دبابات وطائرات روسية منذ زمن الاتحاد السوفيتي، إلى أوكرانيا مثل بولندا ورومانيا، ودول البلطيق وغيرها، ويحتاج إلى معجزة للخروج من هذه المأساة، لتجنيب العالم حربا نووية مُدمرة.. في ظل المواقف المتناقضة والمتباعدة جدا بين الطرفين، في الوقت الذي تعتبر فيه موسكو أن سلوك الغرب هذا يطيل أمد الحرب، وعلى الغرب أن يتخلى عن عقلية الهيمنة الاستعمارية، فيما يجادل قادة الغرب، أنه على العكس، فتزويد أوكرانيا بالسلاح الثقيل يقصر من أمد الحرب، إذ أنه يحد من طموحات بوتين، ومن إيمانه بالنصر، ويجعله يتجه نحو المفاوضات التي لا يمكنه فيها فرض شروطه.. فأي وجهة نظر ستنتصر ؟.

وفي الأخير الزمن سوف يأتينا.. ولكن بكل الأحوال العالم كله يدفع ثمن هذه الحرب، وخاصة الدول الفقيرة.. ونتطلع لنهاية قريبة لها، وأن لا تتطور إلى مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو.. فحينها ستكون حرب عالمية ثالثة، وخطر استعمال النووي سيكون شبه مؤكدا، إن شعر أي طرف أنه سيهزم.. إذن لماذا تستمر حماقات الغرب، وهي تعرف مسبقا أن أوكرانيا مهزومة، فأي مراهنة خاسرة يبحث فيها الغرب عن وهم النصر ؟ مثلما كانوا يتوهمون الانتصار في أفغانستان وخرجوا منها فارين، يجرون أذيال الهزيمة، وخيبة الأمل…!

المصدر: عرب جورنال
المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 11:36 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-47106.htm