صعدة برس - وكالات - تشهد القارة الافريقية صراع نفوذ بين واشنطن وموسكو، ما سيجعل القارة السمراء ساحة صراع استخباراتية بين القطبين الدوليين.
والأحد 7 مايو/آيار 2023 كشف موقع بوليتيكو الأمريكي إن إدارة الرئيس جو بايدن بدأت تنتهج استراتيجية جديدة في قارة افريقيا، هدفها مواجهة اتساع رقعة نفوذ مجموعة “فاغنر” الروسية في القارة، وتركز الاستراتيجية على مشاركة المعلومات الاستخباراتية الحساسة مع الحلفاء في عدد من الدول الافريقية، سعيا لإثناء تلك الدول عن عقد شراكات مع المجموعة الروسية.
منذ العام 2022 بدأت واشنطن تكثف انشطتها الاستخباراتية في قارة افريقيا، ردا على الانقلابات التي شهدتها دول في الصحراء والساحل الافريقي، والتي كانت تعد ضمن مناطق النفوذ الفرنسي، مثل بوركينا فاسو وافريقيا الوسطى ومالي، والتي وصلت فيها انظمة معادية لباريس واقرب لموسكو، ومؤخرا كثفت واشنطن انشطتها في القارة السمراء على خلفية النزاع المسلح الذي تشهده السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع. وتتهم وسائل اعلام أمريكية وتقارير استخباراتية غربية مجموعة فاغنر الروسية بتوسيع نشاطها في عدد من دول افريقيا، بينها السودان، وهو ما تنفيه المجموعة الروسية المرتبطة بالكرملين. وتتهم تقارير غربية “فاغنر” بالتورط في النزاع السوداني لصالح أحد الأطراف، عبر قواعد لها في دولة ليبيا المجاورة، والتي تشهد حالة من عدم الاستقرار منذ الاطاحة بنظام الرئيس معمر القذافي في العام 2011.
وتذهب تقارير غربية إلى ان مجموعة فاغنر الروسية اصبحت تحظى بموطئ قدم في 5 دول إفريقية، هي: ليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى وموزمبيق والسودان، وبينت التقارير ان فاغنر لديها انشطة تعدين في مناجم الذهب في دار فور بالسودان منذ ما قبل نشوب الاقتتال بين قائد الجيش السوداني إبراهيم البرهان وقائد الدعم السريع محمد حميداتي.
في 20 أبريل/نيسان 2023 نفى “يفغيني بريغوزين” رئيس مجموعة فاغنر مشاركتها في نزاع السودان، مؤكدا ان ما تتداوله وسائل الاعلام الغربية مجرد ادعاءات زائفة، واصفاً ذلك بأنه محاولة استفزاز، موضحا ان دور فاغنر هو انهاء الحروب وليس فتحها، مبينا أن وجود المجموعة في السودان كان كفيلاً بنزع فتيل الأزمة، مبديا استعداد المجموعة للتدخل في السودان، ضمن مهام حفظ السلام فقط إذا طلب السودانيون ذلك. وفي 25 أبريل/نيسان 2023 قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحافي في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، إن من حق السودان الاستعانة بخدمات مجموعة فاغنر كشركة أمنية بالأساس، داعياً إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية الأفريقية، مشددا على ضرورة دفع الطرفين إلى طاولة الحوار، بما يؤدي إلى حماية الشعب السوداني بعيداً عن أي استخدام للأسلحة، مؤكداً أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية هي التي أدت إلى تقسيم السودان وتخريب استقرار البلاد.
اطلاق البيت الأبيض لما سماها باستراتيجية “بايدن الثمينة” تعد مؤشر على أن مجموعة فاغنر باتت تشكل صداع للإدارة الامريكية في القارة السمراء، فالمجموعة تمارس انشطة في دول أفريقية تتمثل في عمليات التدريب للجيوش والتأهيل لقوى الأمن لمواجهة أنشطة الجماعات المتطرفة، وتوفير بعض الدعم اللوجستي للحكومات. ومع استمرار توسع نفوذ فاغنر في إفريقيا، وجد البيت الابيض نفسه مرغما لمواجهة هذا النشاط الذي يتوسع يوما عن آخر على حساب النفوذ الغربي، والفرنسي على وجه التحديد، ولذلك أطلقت إدارة بايدن استراتيجيتها لمكافحة نشاط فاغنر، وصممت استراتيجتها لكسب حلفاء عن طريق مشاركة معلومات استخباراتية مهمة معهم، وتركز الاستراتيجية على تشارك التقارير الاستخباراتية مع الاجهزة الاستخباراتية والأمنية ورؤساء الدول، بحسب ما افاد به تقرير موقع بوليتيكو.
تفيد تقارير صحفية ان استراتيجية بايدن الثمينة في افريقيا تتطابق مع الاستراتيجية التي تعمل بها واشنطن في اوكرانيا، والتي دشنت بالاعلان عن وجود حشود عسكرية روسية على الحدود الاوكرانية قبيل إطلاق موسكو عمليتها العسكرية في 24 فبراير/شباط 2022. يرى موقع بوليتيكو ان التكتيك الأمريكي الاستخباراتي في أفريقيا يخدم وظيفة مزدوجة لواشنطن، يتمثل شقها الأول في تنبيه الحلفاء إلى التهديدات التي تلوح في الأفق، وشقها الثاني هدفه إظهار واشنطن بأنها متمسكة بحلفائها، ولديها معرفة كاملة بتحركات خصومها في دول القارة السمراء.
وبهذه الاستراتيجية الاستخباراتية الأمريكية تبدو واشنطن أنها تسعى لملئ الفراغ الذي تركته باريس مجبرة تحت ضغط الغضب الشعبي الذي فتحت له الانقلابات العسكرية الباب على مصراعيه، وهي بذلك تقدم نفسها بأنها الحليف الاكثر موثوقية من باريس، والحريص على مستقبل دول القارة، فيما الحقيقة هو قلق على بدء تقلص النفوذ الغربي في قارة افريقيا الغنية بالموارد.
تفيد تقارير استخباراتية غربية ان الولايات المتحدة شاركت مؤخرا معلومات استخباراتية تتعلق بخطط مزعومة لمجموعة فاغنر الروسية، كان هدفها اغتيال رئيس تشاد الموالي للغرب، ومحاولاتها للوصول إلى مواقع استخراج موارد طبيعية رئيسية بهدف السيطرة عليها في دول افريقية، بينها أفريقيا الوسطى، مبينة ان ذلك ساهم في إحباط تلك الخطط المزعومة، وهو ما تنفيه فاغنر. ويزعم تقرير موقع بوليتيكو ان مشاركة واشنطن للتقارير الاستخباراتية مع دول افريقية يهدف إلى تنبيه الاجهزة الأمنية والاستخباراتية والمسؤولين الأفارقة إلى ما يمكن أن يؤدي إليه العمل مع مجموعة فاغنر من نشر للفوضى على المدى الطويل، وكشف زيف وعود مجموعة فاغنر بإحلال السلام والأمن في البلدان التي تواجه اضطرابات سياسية وأعمال عنف في قارة افريقيا.
والواضح من الانشطة التي تقوم بها واشنطن وموسكو في عدد من الدول الافريقية ان تلك الانشطة تقوم على اساس استخباراتي، والمعروف ان الحضور الاستخباراتي للدول العظمى في أي منطقة في العالم، سيؤدي إلى اضطرابات ويحول تلك المنطقة إلى ساحات صراع للاجندات الخارجية على حساب شعوب المنطقة، فالصراع الدولي المتحدم في اوكرانيا بين روسيا والغرب، وفي بحر الصين الجنوبي بين واشنطن وبكين؛ انتقل إلى قارة افريقيا، وهو صراع خلفيته اقتصادية واستراتيجية، نظرا لما تتمتع به القارة من موارد، اضافة إلى موقعها الجيوستراتيحي على طريق الملاحة الدولية وتوسطه للغرب والشرق المتصارعين وامتلاكها سواحل طويلة في الشمال والغرب تجاور المياه الاقليمية لدول الغرب التي تتمتع بنفوذ واسع داخل مناطق الموارد في القارة.
ترى واشنطن أن حضور اسم فاغنر في أي دولة افريقية، سيحظى بزخم شعبي شعبي في مجتمعات اصبحت محتقنة من السياسات الغربية، وسيكون ذلك على حساب النفوذ الأمريكي والغربي الذي بدأت مؤشرات انحساره تظهر في مالي وبوركينا فاسو وافريقيا الوسطى وغيرها. وباعلان البيت الابيض لاستراتيجية بايدن الثمينة في افريقيا تكون واشنطن قد ارسلت لموسكو وحتى بكين رسائل تحذيرية مفادها أن البيت الابيض يعي اتساع النفوذ الروسي من شمال أفريقيا باتجاه دول الجنوب، وانه حان الوقت لوقف هذا النفوذ وبدء التصدي له عبر خطط استخباراتية. ومن الضخ الاعلامي الامريكي عن مزعوم خطط فاغنر في افريقيا يتضح ان واشنطن بدأت بعملية استهداف المجموعة الروسية عبر “تلطيخ السمعة”، وهي عملية لم يعد خافيا أنها اصبحت تدار من قبل وكالة الاستخبارات الأميركية بالتنسيق مع وسائل إعلام مرتبطة بها او مقربة منها، والهدف منها ليس فاغنر، وانما روسيا الاتحادية بشكل عام، لتشويه سمعتها لدى الشعوب الأفريقية، لتخريب أي آليات للتعاون والتقارب.
يفيد تقرير موقع بوليتيكو الأمريكي أن الولايات المتحدة تستخدم ذات الطريقة التي وقفت بها إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا والمساعدات التي قدمتها لكييف، باعتبارها ورقة لتسويق استراتيجيتها في إفريقيا، وإقناع مزيد من زعماء القارة بالدخول في تحالفات معها ضد تنامي النشاط الروسي والصيني في القارة. الاهتمام بقارة أفريقيا في الوقت الحالي من قبل الغرب، جعلها توجه مراكز دراسات مرتبطة بالحكومات واجهزة الاستخبارات لاعداد تقارير حول النفوذ الروسي في افريقيا. وفي هذا السياق وسع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) عدد الدول التي تحظى فاغنر الروسية بنفوذ فيها إلى 12 دولة، حيث اضاف على اللائحة السابقة كلاً من: (مدغشقر، جنوب السودان، بوتسوانا، بوروندي، تشاد، جزر القمر، الكونغو الديمقراطية، الكونغو برازافيل، غينيا، غينيا بيساو، نيجيريا، زيمبابوي. أما مجموعة التقصي والبحث “All Eyes on Wagner”، المختصة في تتبع تحركات مجموعة فاغنر الروسية، فقد بينت في ورقة بحثية نشرتها في فبراير/شباط 2023 أن فاغنر تتدخل بشكل واسع في دولة بوركينا فاسو، عبر توجيه الرأي العام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بغرض حشد التأييد لنشاط المجموعة ولروسيا.
ومن ذلك يتضح حجم القلق والمخاوف الغربية من النفوذ الروسي في قارة افريقيا، ولذلك نجدها اليوم تضخ تقارير حول وجود دور لمجموعة فاغنر في النزاع السوداني، لصالح قوات الدعم السريع، مستندة لمعلومات مزعومة حول وجود انشطة تعدينية للمجموعة في منجم الذهب بجبل عامر في دار فور الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع، حيث تزعم وسائل إعلام امريكية وغربية، من بينها إذاعة “صوت أمريكا”، أن مجموعة فاغنر تقدم أنظمة دفاع جوي محمولة وصواريخ محمولة على الكتف وصواريخ مضادة للدبابات ودروعاً ثقيلة لقوات الدعم السريع بقيادة حميداتي، ورغم نفى رئيس المجموعة يغفيني بريغوجين هذه التقارير، إلا ان الضخ ما يزال مستمرا، ويتعمد تجاهل النفي.
ورغم تلك التقارير الكثيرة إلا أنها لم تقدم دليل واحد على وجود أي عناصر خارجية سواء من روسيا أو سواها في الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف ابريل/نيسان 2023، كما لم تقدم ما يشير إلى تورط أي طرف خارجي بشكل مباشر وصريح في الحرب.
ومما سبق يمكن القول ان دول افريقيا ستشهد خلال الفترة القادمة صراعا استخباراتيا روسيا امريكيا بشكل خاص، وصراع استخباراتي روسي صيني غربي بشكل عام، وهو ما سينعكس على الاستقرار السياسي لدول القارة، ويجعلها بؤرة استقطاب نشطة بين المتصارعين.
* المصدر: موقع عرب جورنال
* المادة نقلت حرفيا من المصدر ولا تعبر عن رآي الموقع |