صعدة برس - وكالات - *شارل ابي نادر
في الوقت الذي تسير فيه – وبصعوبة بالغة- التهدئة المعقدة في غزة، والتي تتمدد بشكل متقطع ولفترات قصيرة غير متجانسة، مع تنفيذ عملية تبادل الأسرى بين “إسرائيل” وبين المقاومة الفلسطينية، تخوض الأخيرة في الضفة الغربية وبمشاركة أكثر من طرف وفصيل وطني فلسطيني، مواجهة شرسة بكل المعايير ضد الصهاينة.
صحيح أن المواجهات في الضفة الغربية بين الفلسطينيين وبين الاحتلال لم تتوقف، وكانت دائمًا تأخذ حيزًا واسعًا ومرتفعًا من التصعيد والحدة والشراسة من قبل الطرفين، وذلك كان يحصل بمعزل عن المواجهة الدائمة بين المقاومة الفلسطينية في غزة وبين العدو، ولكن، لا شك أنه يمكن القول اليوم بوجود ارتباط كامل ووثيق بين المواجهة الحالية في الضفة الغربية وبين الحرب على غزة. فما هي عناصر هذا الارتباط؟ ولماذا تعتبر “إسرائيل” أن تأثيرات المواجهة في الضفة الغربية وتداعياتها عليها، لن تكون أقل من خسارتها الحرب في غزة؟ وهل يمكن القول إن تعثر الكيان في الضفة الغربية سيكون له التأثير الأكبر على تأكيد خسارتها الحرب في غزة؟
ما هي عناصر الارتباط بين الحرب على غزة وبين الحرب على الضفة الغربية؟
لناحية العلاقة بين المواجهة في الضفة الغربية مع الحرب في غزة وعليها، هناك أكثر من عنصر يربط هذين المواجهتين أو الحربين. تشهد الضفة الغربية حربًا إسرائيلية واضحة وواسعة وعدوانًا صهيونيًا شرسًا، غير بعيد عن العدوان على غزة، مع استخدام الاحتلال أكثر أسلحته فتكًا ضد الفلسطينيين العزّل من أبناء مخيمات ومدن وبلدات الضفة، مثل المسيّرات والقاذفات والألغام والتفخيخات التدميرية الواسعة الاستعمال.
عنصر الارتباط الأول هو الاحتلال نفسه، وأجندته ومشاريعه التوسّعية والتدميرية لكل بنية الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية نفسها، واستهداف المقدسات وتجاوز قدسيتها، والتنكيل بالأسرى وبالمسجونين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وتوسيع الاستيطان لناحية الجغرافية والتضييق على الفلسطينيين والتحكّم بحياتهم، والهيمنة على السلطات المحلية والسيطرة على قراراتها، وانتزاع كل مقدّرات الصمود من الشعب الفلسطيني، من سلطة حقيقية أو من أسلحة دفاع مشروع عن النفس أو مما تبقى من أراض بعيدة عن احتلال المستوطنين.
عنصر الارتباط الثاني يتمثّل بالمقاومة الفلسطينية، هي نفسها في غزة وفي الضفة الغربية، بفصائلها الواضحة وبتطلعاتها الوطنية وبأهدافها للتحرير وانهاء الاحتلال. وبمعزل عن وجود “ما يشبه” الهيكلية السياسية للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغيابها عن غزة، فرضت المقاومة الفلسطينية نفسها وخاصة في السنوات الأخيرة، وبفضل صمودها وثباتها وعملها الدؤوب، مقررًا أساسيًا في مواجهة الاحتلال، حيث لم تظهر هذه السلطة في أي موقف وطني حساس، إلا فقط، بموقف المعرقل لاستراتيجية المقاومة الهادفة للتحرير ولإنهاء الاحتلال.
لماذا تعتبر “إسرائيل” أن تأثيرات المواجهة في الضفة الغربية وتداعياتها عليها، لن تكون أقل من خسارتها الحرب في غزة؟
ما يجري اليوم في الضفة الغربية من مواجهات عنيفة بين الاحتلال وبين الشعب الفلسطيني، والمستوى العسكري الذي تخوضه “إسرائيل” في هذه المواجهة، لا يختلف بشراسته كثيرًا عن الحرب على غزة، مثل شن غارات جوية بالقاذفات والمسيّرات واستخدام أسلحة المدفعية والهندسة بكل قدراتها. يأتي ذلك بسبب الخوف الإسرائيلي من تمدد المواجهة وتوسّعها بشكل يصعب عليها ضبطه لاحقًا. وهي اليوم تتدخل بوحداتها استباقيًا وبعدوانية مفرطة على كامل مدن ومخيمات الضفة، من شمالها في جنين وطولكرم ونابلس الى وسطها في بيت لحم وامتدادا إلى جنوبها في الخليل، محاولة ما يلي:
– منع أي تمدد المواجهات وتطورها خوفًا من أن تصبح انتفاضة واسعة في الضفة الغربية ستكون قاتلة لها لو حصلت.
– إبعاد أية إمكانية لحصول عملية أو أكثر مثل عملية طوفان الأقصى التي نفذتها “حماس” في غلاف غزة. وهذا الأمر غير مستبعد بتاتًا، حيث لأغلب فصائل المقاومة تواجد فاعل في كل مناطق الضفة الغربية ومدنها ومخيماتها، مع قدرة وإمكانية على القيام بذلك، لناحية المقاومين الأشداء أو لناحية إمكانية تواجد الأسلحة المناسبة لذلك، علمًا أن التأثير العسكري والأمني لأي عملية مماثلة لطوفان الأقصى على مناطق الاحتلال المحاذية للضفة الغربية وفي كافة الاتجاهات، سيكون قاتلًا وصادمًا بدرجة، لن تستطيع “إسرائيل” تحملها.
مع تمدد المواجهات في الضفة الغربية ومع سقوط شهداء واضرار جسيمة في مدنها وبلداتها، سيكون صعبًا على السلطة الفلسطينية احتواء التداعيات، وستكون فاقدة للقرار والنفوذ الرسمي أمام خسائر أبناء الضفة، الأمر الذي سوف ينزع حكمًا من هذه السلطة الحيثية الرسمية، والتي كانت دائمًا تشكل الغطاء الوحيد للاحتلال.
لماذا يمكن القول إن تعثر الكيان في الضفة الغربية سيكون له التأثير الأكبر على تأكيد خسارتها الحرب في غزة؟
طبعًا، سيكون لتعثر الكيان في الضفة الغربية التأثير الأكبر في تأكيد خسارته الحرب على غزة. فمع عمليته الواسعة اليوم في الضفة، المترافقة مع ضغوط ضخمة عليه في حربه على غزة، هو مجبر على وضع جهود كافية ومناسبة لإدارة هذه العمليات في الضفة، والتي تتوسع يوما بعد يوم، وبالتالي سوف يضعف موقفه وتتأثر سلبًا جهوده وقدراته أيضًا لناحية الجبهة الشمالية، والتي ستكون نقطة الضغط الأقصى عليه، فيما لو توسعت عليها الأعمال القتالية، والأمر غير مستبعد بتاتًا لو قرر العدو متابعة حربه على غزة.
تعثرت أهداف العدو بشكل واضح في غزة بعد فشله في تحقيق أي من أهداف عمليته البرية، الأمر الذي تأكد بما لا يقبل الشك بعد خضوعه لشروط المقاومة الفلسطينية في مسار عملية تبادل الأسرى ودخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. تزامنًا مع هذا الفشل، يتدحرج مسار المواجهة في الضفة الغربية وينخرط أكثر وأكثر جغرافيا وعملياتيًا مع ما يجري في غزة. هذه المؤشرات، إضافة الى تداعيات التدخل اليمني على جنوب فلسطين المحتلة صاروخيًا أو بالمسيّرات، وتداعيات هذا التدخل اليمني على تجارة الكيان واقتصاده وسفنه انطلاقا من باب المندب ومياه البحر الأحمر وشمال المحيط الهندي، وهاجس الجبهة الشمالية الذي يحاصر مسؤوليه السياسيين والعسكريين ومستوطني كامل بلدات ومدن ومستوطنات الجليل، بدأت تتكون وبشكل واضح هزيمة الاحتلال في هذه المواجهة.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المادة نقلت حرفيا من المصدر |