- "نيويورك تايمز".. في حرب الإنتاج.. العالم بأسره لا يمكنه هزيمة الصين..

الأحد, 22-ديسمبر-2024
صعدة برس - وكالات -
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً كتبه توماس فريدمان، تناول قوة التصنيع والإنتاج الصينية المتصاعدة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

لقد أمضيت للتوّ أسبوعاً في بكين وشنغهاي، حيث التقيت بمسؤولين صينيين وخبراء اقتصاد ورجال أعمال، ودعوني أدخل مباشرة في صلب الموضوع: بينما كنا نائمين، حقّقت الصين قفزة كبيرة إلى الأمام في التصنيع عالي التقنية لكلّ شيء.

إذا لم يخبر أحد دونالد ترامب، فسأفعل أنا: لقبه على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية اليوم هو " تشوان جيانجو" - بمعنى "ترامب باني الأمّة (الصينية)" بسبب الطريقة التي أشعل بها هجومه المتواصل على الصين والتعريفات الجمركية، خلال فترة ولايته الأولى كرئيس، النار تحت بكين لمضاعفة جهودها لتحقيق التفوّق العالمي في السيارات الكهربائية والروبوتات والمواد النادرة، وأن تصبح مستقلة عن أسواق وأدوات أميركا قدر الإمكان.

يقول جيم ماكجريجور، وهو مستشار أعمال عاش في الصين لمدة ثلاثين عاماً: "لقد شهدت الصين لحظة اسمها دونالد ترامب. لقد أيقظهم على حقيقة مفادها أنّهم في حاجة إلى جهد مشترك لرفع مهاراتهم العلمية والإبداعية والتصنيعية المتقدّمة إلى مستوى جديد".

إنّ الصين التي سيواجهها ترامب هي محرّك تصدير أكثر قوة. فقد انفجرت عضلاتها التصنيعية المتقدّمة في الحجم والتطوّر والكمية في السنوات الثماني الماضية، حتى في حين يظلّ الاستهلاك من قبل شعبها ضئيلاً.

إنّ الخبراء الصينيين الذين تحدّثت معهم خلال رحلتي قبل أسبوعين يرغبون في تجنّب هذه المعركة (التعريفات الجمركية). فما زال الصينيون بحاجة إلى السوق الأميركية لصادراتهم. ولكنهم لن يكونوا ضعفاء، وسوف تكون بكين وواشنطن في وضع أفضل كثيراً إذا ما توصّلتا إلى صفقة تفرض زيادة تدريجية في التعريفات الجمركية الأميركية، في حين يقوم كلّ منا بما كان يتعيّن علينا أن نفعله منذ فترة طويلة؛ يتعيّن عليك الذهاب إلى الصين لرؤيتها لقد فات الكثير من الناس في واشنطن النمو المذهل في التصنيع في البلاد.

وفيما يلي ما نشره نوح سميث، الذي يكتب عن التصنيع، مستخدماً بيانات من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية:

في عام 2000، "كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية يشكّلون الأغلبية الساحقة من الإنتاج الصناعي العالمي، بينما لم تتجاوز حصة الصين 6% حتى بعد عقدين من النمو السريع". وبحلول عام 2030، كما كتب سميث، تتوقّع وكالة الأمم المتحدة أن "تشكّل الصين 45% من إجمالي التصنيع العالمي، وهو ما يعادل بمفردها أو يتفوّق على الولايات المتحدة وجميع حلفائها".

وكتب سميث إنّ "هذا المستوى من الهيمنة الصناعية من قبل دولة واحدة لم نشهده إلا مرتين من قبل في تاريخ العالم؛ من قبل المملكة المتحدة في بداية الثورة الصناعية، ومن قبل الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة"، مضيفاً أنّ "هذا يعني أنه في حرب إنتاج ممتدة، لا يوجد ما يضمن أن العالم بأسره متحدّاً يمكنه هزيمة الصين بمفردها".

دعوني أقدّم بعض الأمثلة على حجم ما نتحدّث عنه: في عام 2019، عندما كان ترامب ينهي ولايته الأخيرة، بلغ صافي الإقراض من البنوك الصينية للصناعات المحلية 83 مليار دولار. وفي العام الماضي تضخّم إلى 670 مليار دولار، وفقاً لبنك الشعب الصيني. وهذا ليس خطأ مطبعياً.

عندما زرت الصين في عام 2019، قبل كوفيد، كانت شركتا "شاومي" و"هواوي" شركتين صينيتين فقط للهواتف الذكية. وعندما عدت قبل بضعة أسابيع، كانت الشركتان الآن أيضاً شركتين للسيارات الكهربائية، كلّ منهما تستفيد من تقنيات البطاريات الخاصة بها لصنع سيارات كهربائية رائعة حقاً.

كانت سيارة "SU7" من شركة Xiaomi، والتي يتمّ تصنيعها في مصنع مهجور سابقاً كان يستخدم لصنع سيارات تعمل بالبنزين، حديث معرض بكين للسيارات في نيسان/أبريل الماضي. وفي الوقت نفسه، ضاعفت شركة "BYD"، شركة البطاريات الصينية الشهيرة، والتي لديها بالفعل شركة فرعية لتصنيع السيارات، جهودها في مجال السيارات. لقد ركبت في جميع أنحاء شنغهاي بسيارات "BYD" الكهربائية المريحة للغاية التي تديرها "Didi"، شركة "Uber" الصينية. تقدّم "BYD" الآن سيارة كهربائية صغيرة الحجم، "Seagull"، يبدأ سعرها بأقلّ من 10000 دولار.

وفي محاولة لتصدير مخزونها الضخم من السيارات، بدأت الصين في بناء أسطول من 170 سفينة قادرة على حمل عدة آلاف من السيارات في وقت واحد عبر المحيط. قبل جائحة كوفيد-19، كانت أحواض بناء السفن في العالم تسلّم أربع سفن فقط من هذا القبيل سنوياً، وهذا ليس خطأً مطبعياً أيضاً.

ولأن الصين تمتلك شبكة كهرباء وطنية، فقد قامت بتركيب محطات شحن في مختلف أنحاء البلاد، ولهذا السبب فإنّ أكثر من نصف مبيعات السيارات الجديدة في الصين هي من السيارات الكهربائية. لقد تحدّثت شركة "أبل" لمدة 15 عاماً عن تصنيع سيارة كهربائية. هل قاد أحد سيارة من إنتاج شركة "أبل"؟

لقد ركبت القطار السريع من بكين إلى شنغهاي، وتبلغ الرحلة تقريباً المسافة بين مدينة نيويورك وشيكاغو. ولكنها تستغرق 4.5 ساعات فقط لأن القطار يسير بسرعة تزيد عن 200 ميل في الساعة، وهناك ما يقرب من 100 قطار سريع ذهاباً وإياباً كل يوم. والرحلة سلسة للغاية.

في حال فاتتك القصة، أثناء وجودي في بكين، تكبّدت شركة "جنرال موتورز" خسارة تزيد على 5 مليارات دولار في قيمة مصنعها المتطوّر الذي كان في وقت من الأوقات لاعباً رئيسياً في سوق السيارات الصينية. فقد انخفضت مبيعات مشروع "جنرال موتورز" المشترك في الصين، SAIC" GM"، بنسبة 59% في أول 11 شهراً من هذا العام، إلى 370.989 وحدة، في حين باعت شركة "BYD"، بطلة صناعة المركبات التي تعمل بالطاقة الجديدة، أكثر من عشرة أضعاف هذا الرقم في الفترة نفسها، حسبما ذكرت وكالة "رويترز".

إذاً، ما الذي تعتقد أنّه سيحدث؟ سوف ينتقل بقية العالم تدريجياً إلى السيارات الكهربائية ذاتية القيادة المصنوعة في الصين، "وستصبح أميركا كوبا الجديدة؛ المكان الذي تزوره لترى السيارات القديمة التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود وتقودها بنفسك، كما قال لي كيث برادشر، رئيس مكتب صحيفة "تايمز" في بكين والمتخصص في صناعة السيارات.

إذا حدث ذلك، فسوف نستيقظ ذات يوم ونجد أنّ الصين ستمتلك سوق السيارات الكهربائية العالمية. وبما أنّ تكنولوجيا القيادة الذاتية الكاملة لا تعمل إلا مع السيارات الكهربائية، فهذا يعني أنّ الصين ستمتلك في المستقبل؛ سوق السيارات ذاتية القيادة أيضاً.

وهنا طريقة أخرى تجعل الصين التي سيواجهها ترامب في عام 2025 مختلفة كثيراً عن جولته الأخيرة. فإذا قال ترامب للصين: "حسناً، سأعفيك من الرسوم الجمركية إذا قمت ببناء المزيد من المصانع في أميركا"، فإن هذا من شأنه أن يساعد بالتأكيد في تقليص العجز التجاري مع بكين، ولكن قد لا يكون هذا الأمر سبباً في استقطاب أصوات الجمهوريين. لأن الصين ستقول: "بالتأكيد، كم عدد المصانع التي تريدها؟ أربعون؟ خمسون؟ ولكن هناك شيء واحد. سوف يتم تشغيل جميع خطوط التجميع بواسطة الروبوتات، ويمكننا حتى تشغيلها عن بعد".

لقد تعلّمت مصطلحاً جديداً في هذه الزيارة: "المصنع المظلم". فقد ذكرت لي مسؤولة صينية متقاعدة أنها تريد شراء سرير جديد عالي التقنية وقرّرت الذهاب لرؤية العروض في المصنع. ولكن عندما وصلت، وجدت أنّه "مصنع مظلم" لذلك تمّ تشغيل الأضواء فقط من أجلها. أخبرتني أنّه لم يكن مظلماً لأنه كان خارج العمل، بل كان مظلماً لأنه تمّ تحويله بالكامل إلى روبوتات بحيث لا تهدر الشركة الكهرباء في إبقاء الأضواء مضاءة لأيّ بشر باستثناء المهندسين الذين يأتون لتنظيف أو ضبط الآلات مرة واحدة في اليوم.

في ولايته الأولى، كان ترامب وبايدن أيضاً على حق في فرض رسوم جمركية على الصين طالما أنها لم تمنحنا حقّ الوصول المتبادل. لقد انتهكت الصين باستمرار قواعد التجارة لمنظمة التجارة العالمية لتجنّب منح حقّ الوصول المتبادل لشركائها التجاريين الرئيسيين، كما دعمت شركاتها بشكل كبير. لقد اشتكيت من هذا لسنوات. كانت الصين تشتري تاريخياً دولاراً واحداً من أميركا مقابل كل 4 دولارات تشتريها أميركا من الصين؛ ومعظم هذا من فول الصويا ومنتجات زراعية أخرى.

ولكن ما يثير الخوف هنا هو أننا لم نعد نصنع الكثير من الأشياء التي ترغب الصين في شرائها، فهي قادرة على صنع كل شيء تقريباً، على الأقل بتكلفة أقل، وفي كثير من الأحيان بشكل أفضل.

إريك تشين هو مؤسس شركة "كينجويلز"، وهي شركة صينية لعلوم المواد تتنافس مع شركات أخرى مثل "دوبونت"، أوضح لي أنّ ما تعلّمه روّاد الأعمال الصينيون الشباب من أمثاله من شركات الإنترنت الصينية العملاقة مثل "تينسنت" و"بايت دانس" و"علي بابا" هو "الابتكار والتحسين السريع". وقال تشين إنّ منافسيه الأجانب يقومون بتحديث منتجاتهم ببطء أكبر، وعندما يقومون بذلك، قد يستغرق الأمر خمس أو ست سنوات لبناء مصنع جديد.

وقال تشين: "نقوم بتحديث بعض المنتجات كل 30 يوماً. يمكننا إنتاج خط إنتاج جديد في ستة أشهر. لقد تعلّمنا نقل المنتجات من الصفر إلى 1. ونحن جيدون في الانتقال من 2 إلى 100".

وهذا ممكن لأنّ التراكم المطّرد للقدرة التصنيعية في الصين يعني أنّ أي شيء تحتاجه اليوم تقريباً، من جزء صغير إلى مادة كيميائية نادرة، يمكن الحصول عليه محلياً. وأوضح تشين أنّه لا يوجد بلد آخر في العالم لديه مثل هذا النظام البيئي المحلي الكامل.

إننا نخدع أنفسنا إذا تصوّرنا أنّ القوة المتنامية التي تتمتع بها الصين في مجال التصنيع المتقدّم لا تنبع إلا من ممارسات تجارية غير عادلة. بل إنّ السبب في ذلك يرجع أيضاً إلى وجود أعداد هائلة من الناس الذين ما زالوا يتوقون إلى العمل، كما يقولون، "9-9-6" ــ أي من التاسعة صباحاً إلى التاسعة مساءً ستة أيام في الأسبوع لتحسين حياتهم، ولأن بكين استثمرت في البنية الأساسية من الطراز العالمي، ولأنها تقمع عمداً الإنفاق الاستهلاكي، ولأنها تمتلك إمداداً لا ينضب على ما يبدو من الطلاب المتخصصين في الهندسة.

*المصدر: صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية
*المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من الميادين نت
*الكاتب: توماس فريدمان

تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 23-ديسمبر-2024 الساعة: 09:06 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-49163.htm