صعدة برس - *مصطفى راجح
بإضاءة لا تأتي إلا من قانوني بمستواه، سمعت الصديق/ نبيل المحمدي يحدد معيارين بإمكاننا أن نزن قرارات الرئيس الأخيرة بموجبهما، وهو ملزم بهما بحكم موقعه؛ أولهما مقتضيات المصلحة الوطنية العامة؛ وثانيهما تلبيتها للإجراءات القانونية.
ومن كفة ميزان المصلحة الوطنية تبرز قضية المطرودين من أعمالهم قسرياً عقب حرب ٩٤، وهي قضية عادلة وفي متن المعيار الوطني الملزم للرئيس، وليست قضية خاصة بالحزب الاشتراكي اليمني، ولا علاقة لها بالمحاصصة أو التوافق، بل بالاستحقاقات الوطنية الملزمة للرئيس والسلطة الانتقالية، ومقياساً لمصداقية الرئيس وتوجهات السلطة.
لا معنى للموال المتكرر عن الحوار مع المكونات الحراكية في الجنوب إن لم يسبقها خارطة طريق تتضمن سلسلة من الإجراءات على أرض الواقع، من قبيل اتخاذ إجراءات لإعادة المسرحين العسكريين والأمنيين والمدنيين إلى أعمالهم واستيعاب الكفاءات القيادية، وهي موجودة وقادرة على المساهمة في قيادة البلد ومهام الانتقال ، وتتنوع بين الخبرات العسكرية والأمنية والدبلوماسية ، والملاحظ ان هذه الطاقات لا زالت مركونة وكأن شيئاً لم يتغير على مستوى النظام ومعاييره وسياساته ، والقائد العسكري الوحيد ربما الذي يشغل موقعاً قيادياً في الجيش عينه صالح في العند أثناء الثورة الشعبية السلمية ، فيما عشرات الكفاءات مركونة في البيوت أو مشتتة في المنافي.
لقد كان الحزب الاشتراكي مترفعاً عن الاستغراق في ثقافة التقاسم والمحاصصة التي أطلت برأسها مع تشكيل حكومة التوافق؛ وينطلق في موقفه من اعتبارات وطنية وتوجهات تتوخى تغليب معايير الكفاءة والخبرة في الوظيفة العامة وتأسيس معايير جديدة لا تكرر أخطاء النظام المتهاوي الذي رهن الوظيفة العامة بالولاءات وسلمها لمراكز القوى التي استولت على البلد وموارده واقتصاده وثرواته ولم تبق لمئات الآلاف من الخريجين سوى أرصفة البطالة واليأس.
ورفع الصوت الآن ليس من أجل محاصصة مرفوضة، بل من أجل تحرير الوظيفة العامة من الاعتبارات الحزبية وفتح المجال للكفاءات والخبرات في كل المؤسسات وفق معايير جديدة تعبر عن مضمون التغيير الذي خرج من أجله اليمنيون في ثورتهم وضحوا من أجله بخيرة شبابهم.
إن الجهاز الإداري للدولة والبنية القيادية العليا والوسطية والدنيا للمؤسستين العسكرية والأمنية قد تشكلت بناءً على معايير غير وطنية، واعتبارات خدمت النظام والقائمين عليه، وهذه كلها تحتاج إلى تغيير جذري في الأشخاص والأساليب والأداءات، تغيير وفق معايير وطنية عادلة لا تنظر للانتماء الحزبي أو العلاقات الشخصية والولاءات الفردية، بل إلى المعايير الوظيفية المحايدة في إطار كل مؤسسة ومرفق وإدارة.
ومن دون هذا التغيير سيكون الوضع القائم صورة مكررة لنظام علي عبدالله صالح، بل أسوأ منه، لأن النظام المثور عليه نظام مستبد وفاسد ولا قضية له أو مشروع، بينما الرئيس الجديد والحكومة الانتقالية أتى بهما الشعب اليمني، باعتبار أنهم من مخرجات التغيير الذي فرضته الثورة، ويتحمل الرئيس عبدربه تحديداً المسؤولية الأولى لأي تعثر في مهام المرحلة الانتقالية، لأنه الوحيد المفوض من الشعب اليمني الذي صوت له بكثافة وحول الاستفتاء على شخصه إلى تأييد شعبي كاسح ردم الفجوة بين التسوية السياسية والشرعية الشعبية؛ فأصبح رئيساً كامل الصلاحيات الدستورية، لأنه استمد شرعيته من الشعب مصدر كل الشرعيات بما فيها الشرعية الدستورية نفسها.
ومسؤولية الرئيس هنا لا تنبع من اعتبارات توافقية ومحاصصة مرفوضة، فقد كان مرشحاً توافقياً نعم، ولكنه بعد انتخابه أصبح رئيساً شرعياً كامل الصلاحيات وليس رئيساً توافقياً.
ولكن مسؤوليته تنبع من التزامه الدستوري والقانوني والوطني والأخلاقي بتحقيق المصلحة الوطنية العامة واعتبارها المعيار الأساسي في قراراته وتوجهاته.
لقد غدا عبدربه منصور هادي رئيساً شرعياً كامل الصلاحيات، وعليه أن يعرف جيداً أنه رئيس لكل اليمنيين جنوبيين وشماليين، حزبيين ومستقلين، قبائل ومدنيين، وليس رئيساً لمخزن النظام القديم الفاشل فقط !!
|