- هو ضيف على هذه المدينة يحتم عليه وضعه أن يبقى فيها في شهر رمضان، وتجربته الآن مرة وصعبة. هذا الشهر في بلاده مهرجان وعرس ثقافي تبرز فيه الأنشطة والمحاضرات والعروض الموسيقية الراقية، والصوالين الأدبية المتميزة.

الجمعة, 13-أغسطس-2010
د/ رؤوفة حسن -
هو ضيف على هذه المدينة يحتم عليه وضعه أن يبقى فيها في شهر رمضان، وتجربته الآن مرة وصعبة. هذا الشهر في بلاده مهرجان وعرس ثقافي تبرز فيه الأنشطة والمحاضرات والعروض الموسيقية الراقية، والصوالين الأدبية المتميزة.


وإن لم تكن تنتمي إلى ناد أو فريق أو حزب فالجهات الحكومية المعنية بالشباب أو السياحة أو الثقافة أو الكتاب أو النشر أو السينما أو المكتبات أو حتى الأنشطة التلفزيونية، تنظم أمسيات مختلفة في الساحات العامة وفي الحدائق وفي المتنفسات.
واذا كنت ترغب في أي نوع من النشاط فستجد حتما من يقوم به وبمن تتواصل فتقضي معه الأمسيات الجميلة خارج الحوائط الأربعة. تطوع ودعا مجموعة من معارفه اليمنيين الذين يتقاسمون معه هموم الفكر ولا يدخنون أو يخزنون وطبخ لهم كي يتناولوا العشاء في منزله. وقد حضروا في عجلة من أمرهم، تناولوا الطعام وتبادلوا بعض الأحاديث ثم استأذنوا وعادوا لنظام حياتهم ونسوه كأن شيئا لم يكن، ليعود إلى وحدته دون أمل في الشراكة.
البعض من المعارف الذين لا يتشارك معهم سوى في القليل من الاهتمامات يدعونه ليحضر معهم إلى تخزينة قات عند فلان أو علان، يحدث في بعض هذه التخزينات نقاشات يقولون إنها ثقافية تحديد الساعة البيولوجية التي يسيرها القات الطريقة التي يدور بها الحديث. كما أنه لم يستسيغ القات ولا طريقة تناوله ولا تحول المكان الذي تتم فيه إلى موقع لتهوية سيئة ودخان كاتم وأنفاس متقطعة تتبادل توزيع أي مرض تحمله فإنه لم يطق أن يصبح عضوا في هذا النوع من التجمعات.
وهكذا كتبت عليه الوحدة في هذا الشهر ليفتقد أهله وطقوس مدينته الجميلة في هذه المناسبة. يتحدث اليمنيون عن كرمهم وينسون ضيوفهم ويهجرونهم أن كانوا غير منغمسين في اسوأ عاداتهم. وهو مسلم من بلد مسلمة تعامل أهلها في هذا الشهر أكثر مودة ورحمة. ما الذي حدث لنا؟ ومتى صار من تقاليدنا أن نتعشى في رمضان دون فقير على المائدة أو ضيف؟ لماذا صارت تلك السلوكيات وكأنها من أحداث الماضي.
لن يستطيع أحد أن يدعي أن الغلاء هو السبب فقد كان الفقر أكثر وكانت الأشياء رخيصة لكن القدرة الشرائية معدومة فكان الجود بالموجود، وما يكفي واحد يزداد بركة على اثنين وهكذا كان حديثنا السائد.
كيف يختفي التراحم؟
بسبب تعوده على التدخين فهو يهدد عائلته وموظفيه في رمضان أن أعصابه ستكون مشدودة ومتوترة ولن يتحمل أي معارضة أو وقوف في وجهه والأفضل أن يتجنبوه. الغريب أن الصيام لم يدعه للتفكير في سوء هذه العادة التي تتغلب عليه وتفسد سلوكه وتهدد علاقاته مع الناس خلال النهار. إنها فرصة لمعرفة كيف صار عبدا لعادة قبيحة تكلفه المال والصحة ولون الأسنان ورائحة الفم.
والحال نفسه مع عادة تخزين القات الذي يسيطر على مدمنيه فبدلا من أن يدفعهم الشهر الفضيل للتفكير فيما يفعلون فيعيدون النظر ويصلحون من حالهم، يقومون بقلب الليل إلى نهار ويقصرون في العمل والإنتاج إلى أدنى حد ممكن، وهم عادة معروفون بإنتاجية عمل هي أساسا الأدنى في العالم.
والعجب أن بعضهم يقرأ القرآن في النهار لا يتأمل في الآيات التي تذكر بالأمم التي خلت والتي بررت فسادها بالقول أن هذا هو ماوجدت عليه آبائها وعليه تستمر. وكأن الله خلق العقول التي هي الأمانة التي حملها الإنسان لتصبح محل تفريط ووضع دائم خارج الخدمة.
فإذا كنت غريبا في هذه المدينة فليس هناك من مواقع ترفيه وترويح عن النفس في المساء، سوى أن تمد قدميك على سريرك أو مجلسك وتفتح جهاز التلفزيون وتمضي الوقت في مشاهدة العالم الذي يعيش.
تكفينا التهاني:
هذا الشهر تحت ضغط بقية أفراد العائلة الذين يخشون على التخلف عن مواكبة التطور، اشتريت جهاز هاتف حديثاً هو أقرب الأجهزة إلى الكمبيوتر وخدماته، ولم تتوفر لديَّ الفرصة ولا الوقت لقراءة الدليل الطويل الذي يرافقه. والنتيجة أن كثيراً من خدماته شديدة السهولة لمن يعرفه شديدة التعقيد حاليا بالنسبة لي طالما لم أعرف بعد مصطلحاته، قد أدت بي إلى مستقبلة لرسائل التهنئة غير قادرة على التفاعل المناسب بحسب لغة مرسليها.
وببطء شديد يتحقق عندي كل يوم معرفة جزيئية من قائمة خدماته التي لا تحد. المهم أنني حاليا ضحية الوقت والتكنولوجيا المتطورة..
إنه رمضان كريم، مساحة تفكير وتأمل عندي في حالي وحالكم وحال الضيوف الغرباء في مدينتنا، فحبذا لو منحتم اليوم رغم الجوع، أنفسكم إجازة للتفكير في غريب تعرفونه فتدعونه وتجعلون التواصل والتراحم والمودة رمزاً لهذا الشهر ولعطاء القلوب وصفاء الأرواح.
raufah@hotmail.com
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:35 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-571.htm