صعدة برس - أبو الفداء أو رشاد محمد سعيد الذي ولد وعاش في محافظة إب وسجن لأشهر قبل أن يتم إطلاقه ويتسلم جامع الرشيد للخطابة فيه قال لـ"الوسط" إنه ضد وسائل انصار الشريعة حين تفخخ وتفجر في الوقت الذي يعتبر أن المستقبل لها لا للأحزاب الدينية أو السياسية الأخرى وهذا هو الجزء الأول من اللقاء.
حيث افتتحنا الحديث حول بداية نشاطه في الجهاد وبالذات في أفغانستان حيث قال:
بدأت علاقتي بالجهاد في أفغانستان الذي كان ضد الاتحاد السوفييتي في 89-90-91م وكنت حينها حدثا وبعدها عدت إلى اليمن ولكني ظليت على صلة ولكنها صلة روحية لا عملية ومارست النشاط في اليمن بحسب ما كان سائرا في تلك المرحلة فيما له علاقة بالتجاذبات السياسية بين القوى الإسلامية في الشمال والحزب الاشتراكي في الجنوب ثم جاءت عودة الشيخ أسامة بن لادن من السودان إلى أفغانستان والتي أحيت في النفوس تجدد الانتماء بعد طرده من السعودية ولجوئه إلى السودان ومطاردة الجماعات الإسلامية التي كانت تقاتل ضد الاحتلال السوفييتي بغض طرف من القوى الدولية ويدعم من الأنظمة العربية وبالذات الدول الخليجية ومنها السعودية تحديدا وعدت إلى أفغانستان في 98م بعد أحداث نيروبي والتقيت الشيخ أسامة وكانت زيارة خاصة لم يطلع عليها الآخرون ثم رجعت إلى اليمن لممارسة نشاطي الدعوي الخيري، وفي عام 99م عدت مرة أخرى إلى أفغانستان والتقيت -أيضا- الشيخ أسامة وزرت العديد من المواقع التي يرابط فيها العرب وطالبان.
وكانت آخر زيارة لي في عام 2000م مع زوجة الشيخ أسامة الذي كنت موكلا من الطرفين في إتمام الزواج وبقيت هناك حتى ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأيام وعدت إلى اليمن مع أسرتي.
*ولكن ألا تضع سفرياتك المتعددة إلى أفغانستان دون أن يتم القبض عليك تساؤلات عن علاقة لك بالأجهزة الأمنية ؟
-ما قبل حادثة المدمرة كول.. كان هناك غض طرف من السلطات الأمنية اليمنية وحتى السعودية وذلك بغرض عدم استدعاء الخطر إلى الداخل وخلق تصادم ما دام ورغبة هؤلاء الشباب محصورة في مقاومة العدو الخارجي فكانوا يغضون الطرف عنهم لأنهم لا يستهدفون أنظمتهم، بعد حادثة كول بدأت المضايقات وخروجي الأخير عام 2000م لم يكن خروجا آمنا أو سلسا.
*يعني أنك لم تخرج عبر المنافذ الطبيعية؟
-لا.. خرجت من المطار ولكن في ظل تسابق مع الأجهزة الأمنية وبين حركتنا التي كانت السباقة.
*هل كان سفرك مباشرة من صنعاء إلى باكستان؟
-نعم.
*ألم يحدث خلال هذه الزيارات أن تم التحقيق معك؟
-لا.. فقط في إحدى المرات تم احتجاز جواز سفري وتم إعادته كما تم توقيفي مرتين في مطار كراتشي وتم إطلاقه لأني زرت باكستان بجواز تاجر ولا يوجد في اليمن أي اشتباه بي حتى يتم التركيز عليّ.
*بعد خروج السوفييت من أفغانستان وعودة المجاهدين اليمنيين تم استقطاب بعضهم من قبل الشيخ عبدالمجيد الزنداني والبعض من قبل علي محسن وتم إلحاق البعض الآخر بالأمن السياسي أين أنت من هؤلاء؟
-بالتأكيد أن 94م وما قبلها بقليل مثلت مرحلة استقطابات وكل المجاهدين المنضوين في إطار الإخوان المسلمين تم استيعابهم تحت مظلة الشيخ عبدالمجيد الزنداني الذي كان عضوا في مجلس الرئاسة في تلك الفترة وكان هؤلاء قد بايعوه أميرا عليهم حينما كانوا في أفغانستان، إلا أن المظلة الأكبر لهم كان علي محسن كمكون عسكري وبالتأكيد كان ذلك بالتنسيق مع علي عبدالله صالح، إذ لا يعقل أن تكون تصرفاته فردية في تلك المرحلة حيث تم استيعاب تلك المجاميع الجهادية في مواقع رسمية أو منحهم رتباً عسكرية فخرية وغير ذلك ونحن لم يكن لنا انتماء للإخوان المسلمين ولم تكن في رقابنا بيعة فقد كنا مصنفين كتيار جهادي يتبع أسامة بن لادن من الذين ليس لهم أجندة سياسية في البلاد العربية إذ كنا مجاهدين ضد الاتحاد السوفييتي وانتقلنا إلى معركة جديدة اسمها أمريكا، وبالتالي لم تكن الأنظمة العربية هي هدفنا المباشر. وهذا كان مفهوم الشيخ أسامة والقيادة التي كانت تمثل تنظيم القاعدة أو الجماعات الجهادية التي لم تكن تنتمي للإخوان وبقيت هذه المجاميع الكثيرة داخل اليمن بين التهميش أو الإقصاء مع أن بعضهم كان يمكن أن يستوعب ونحن نعرفهم وكان هناك شباب على مستوى من الحس الأمني والعسكري والدعوي وكان لهم حضور في أفغانستان وكانوا أسماء لامعة ونجوماً ساطعة لكن لأنه لم يكن عندهم انتماء داخل اليمن للإخوان المسلمين تم تهميشهم فبقوا وحدهم حتى جاءت أوضاع ومستجدات تتناسب مع أفكارهم فانتموا إليها وانسجموا معها.
*أين أصبح هؤلاء اليوم؟
-هؤلاء بعضهم عاد إلى أفغانستان والبعض الآخر بقي في اليمن ومارس نشاطاً دعوياً.
*وماذا عن النشاط العسكري؟
-في تلك الفترة لم يحدث أي نشاط عسكري لهؤلاء الأفراد ولكن كان لهم نشاط خارج اليمن وهم في اليمن لأنها تمثل مكانا لوجيستيا آمنا ولا يثير قلقا ويكون الفرد آمنا في تحركاته داخل اليمن أو حين خروجه وعودته إليها.
*هل يمكن الإفصاح عن بعض هذه الأسماء؟
-لا داعي لذكر الأسماء وكثير من القيادات الجهادية تعرفها وتعرف أنهم لم يسيئوا إلى الوطن بشيء رغم محاولة استفزازهم بين الحين والآخر إلا أنهم لم يستفزوا لعلمهم أن اليمن لا تتحمل مثل هذه الصراعات كونها مستهدفة من قوى خارجية.
*ما يخص حادثتي المدمرة كول الأمريكية 2001م ولامبرج الفرنسية جرى حديث عن غض السلطة طرفها في هاتين الحادثتين أو أنها حتى ساعدت بغرض إخافة الدول لإبعاد أساطيلها من بحارها الإقليمية.. ماصحة ذلك؟
-حادثة كول كانت هدفاً استراتيجياً أكبر من ليمبرج وكانت رسالة مهمة من أن القاعدة ماسكة زمام الأمر ومن أنها قادرة أن تضرب في أي مكان وفي الزمن والوقت الذي يناسبها ولم يكن التخطيط داخلياً وكانت اليمن مجرد مسرح للتنفيذ فقط، فالتخطيط وإعداد الكوادر كان خارج اليمن، كما أن الفرد الذي نفذ العملية بلال الملا كان من خارجها والحكومة كانت تستشعر أن هناك حدثاً سيحصل لكن لم تكن تعرف ما هو ومتى وأين ولم تعلم أنه حدث تسهيل من أي طرف وقد اتهم علي محسن وعلي صالح ولكن كان هناك هدوء في علاقة الشباب المجاهدين في اليمن والسلطات اليمنية يرجع السبب إلى عدم وجود مواجهة مباشرة بين الطرفين وكانت ترى أنه بما أننا لم نؤذ فلا تستدعي هؤلاء الناس ولم يكن يهمهم مايحدث على المستوى الخارجي ولذلك فاجأهم الحدث.
*متى تم التحول في نظر القاعدة إلى النظام باعتباره معاديا ويجب محاربته؟
-بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حتى بعد حادثة كول لم تتأثر العلاقة وكانت توجيهات الشيخ أسامة وكنت أنا آخر من قابله في أفغانستان قبل العودة إلى اليمن كان من كلامه أن لا تستعدوا الأجهزة الأمنية ولا توتروا الأمور، وإن استدعيتم إليها للاستفسار فاستجيبوا، وقال إن عدونا هي رأس الأفعى أمريكا وهؤلاء ما هم إلا أذناب وتابعون فكانت أن قامت الاجهزة الأمنية في اليمن والمنطقة العربية بدور الوكيل لأمريكا في ملاحقة خصومها وانتقلت المعركة وتغيرت البوصلة من استهداف أمريكا إلى استهداف المتاريس التي تتمترس بهم من الأنظمة العربية.
*هل كان تشكيل جيش عدن أبين الإسلامي ومن ثم مواجهته بالقوة وقتل قائده ابو الحسن المحضار هو بداية التغير في هذه العلاقة بين المجاهدين والسلطة؟
-معروف ان تشكيل جيش عدن أبين هو دلالة نبوية وبشارة ونواته حاضرة وموجودة ولكن كوجود مكون هذا الجيش كمسمى ما زال مجرد دعاوى لكل طرف يقول أنا أسست هذا الجيش ثم يأتي بعد فترة ويدعي آخر نفس الادعاء إلا أن هذه النواة الموجودة في البشارة النبوية سيكون لها ظروفها وزمنها المناسب لحضورها وأبو الحسن المحضار مثل موقفا فاصلا بين الدولة وبين المجاهدين لأن الدولة استخدمت أسلوبا متسرعا بالهجوم على ذلك المكان رغم أن فرصة الحوار كانت قائمة.
وأبو الحسن أنا أعرفه شخصيا واستعجال الحكومة بإعدامه على عكس ممارستها مع مثل هذه القضايا من حيث تطويلها ومحاولة معالجتها بعقل كانت تريد أن تثبت للعرب وللخارج أنه ليس بينها وبين هؤلاء أية علاقة أو تنسيق ومن انها تستطيع أن تنفذ أحكاماً في رموزهم، ولذلك كانت حادثة لمبيرج ثأرا لأبي الحسن.
*حدث ذلك مع أن علي محسن كان هو الوسيط؟
-علي محسن كان في تلك الفترة يمثل دور السلطة والوسيط لأنه الأقرب كونه كان يحظى بعلاقة حميمة مع القبائل ويحظى بتوجه إسلامي يسهل له إمكانية التواصل والحوار وأيضا لأن أمريكا كانت تستعديه في تلك المرحلة وحسبته على التيارات الجهادية ما وفر لغة من التقارب أيضا وهو ما يحسب لعلي محسن عند التيارات الجهادية المحلية والإقليمية المصرية - التونسية ومن الليبية التي كانت موجودة في اليمن وكان علي محسن يتولى التهدئة الداخلية مع إمكانيته لترحيل الأفراد بأمان إلى الخارج وكان ذلك بشرط أن لا يقوم هؤلاء بزعزعة الأمن في الداخل.
*في حرب 94م معلوم أن القاعدة شاركت في القتال ولكن هل كل المجاهدين العائدين من أفغانستان شاركوا في هذه الحرب؟
-نعم لقد شاركوا بدون استثناء سواء أولئك المنضوين تحت لواء الإخوان المسلمين أو المكون الذي كان يتبع الشيخ بن لادن والذي يتمثل أغلبه في الجنوب ويتلقون توجيهاتهم منه، في نفس الوقت كان يوجد تنسيق مع المكونات العسكرية سواء التي تتبع علي محسن كمكون عسكري وفاعل تحت مظلة مجاميع جهادية متعددة، السلفيون كلهم انخرطوا ضمن الإطار العام في الحرب، ولكن كان هناك تميز للتيارات الجهادية التي تتبع بن لادن.
*ولكن من كان المسئول عنها؟
-قيادات معروفة في الساحات الجهادية.
*ولكن مع من كنتم تنسقون في الميدان؟
-مع الجهات العسكرية وعلى الأخص علي محسن لأنها كانت أقرب إليه.
*وهل كان الجهاديون يتلقون أوامر من مصدر قيادي؟
-لا.. فقد كان كل قائد يتولى التنسيق في موقعه ويمارس عمله الميداني بالطريقة التي يراها مناسبة.
*أين كان دورك في هذه الحرب؟
-كنت في محور الضالع وكنت من المجاميع التي دخلت العند ودخلت المدرسة الهندسية وخطبت فيهم هناك. وكان الشيخ عمر أحمد سيف في المنطقة المجاورة.
*كم تعطي نسبة للمجاهدين في تحقيق النصر؟
-يعتقد أن معركة 94م كانت حاسمة بسواعد وتواجد الجهاديين لأنهم يملكون خلفية فكرية بأن هؤلاء شيوعيين، وقد كان هناك تعبئة قديمة منذ أكثر من عقد أو عقدين من الزمن، بل إن التهيئة الأكبر كانت في أفغانستان للشباب للعودة إلى داخل اليمن ضد الحزب الاشتراكي في الجنوب وكان هناك بيوت خاصة في باكستان لتهيئة هذا الأمر وكثر من أبناء الجنوب الذين كانوا يعيشون في الجزيرة العربية وبالذات السعودية التي كانت تعرف أن هذه بيوتاً مخصصة للمجاهدين الجنوبيين الذين كان يتم تعبئتهم وإعدادهم لقتال الحزب الاشتراكي في الجنوب وما جاءت حرب 94 إلا تنفيذا لبرنامج فكري ومخطط عسكري أعد في تلك المرحلة ولذا كان دور هؤلاء حاسما تماما والقيادات العسكرية تعرف أن هذا الفرد جاء إلى المعركة يريد الموت، وبالتالي هو يعدل آلاف العسكر الذين يبحثون عن العودة والحصول على رتبة أو مكافأة.
*هل كان دخول المجاهدين بناء على صفقة مع السلطة؟
-لم يكن هناك وعود أو اتفاق والوعود كانت ضمن الإطار العام الذي كان ينشده المجاهدون و الشيخ عبدالمجيد الزنداني كان يقول إن الحرب ستقوم وسيتم التخلص من الحزب الاشتراكي وأنه عقب ذلك ستقوم دولة إسلامية وستكون النواة للخلافة الإسلامية في الوطن العربي وكل من كان يقاتل كان يعمل لأجله ولذلك الآن عندما لم يجد المجاهدون من ذلك شيئا خلعوا ما وقع في أيديهم سواء صفقات مباشرة أو غير مباشرة عندما لم تقم الدولة الإسلامية.
*ولكن ماذا كان رد الجهاديين حينما تم التنصل من هذا الوعد في تلك الفترة خاصة وكان عدد منهم قد استولى على أقسام الشرطة وقام بعضهم بتطبيق الحدود في الشوارع؟
-صحيح أن مجاميع جهادية قامت بهذا الأمر وكانوا مجرد أوراق تم استخدامها وتم تحويلهم إلى البيوت بعد أن تم منحهم رواتب وهبات ورتب إلا أن الجهاديين الذين لم يكن عندهم انتماء سياسي داخلي بقوا على عهدهم للشيخ أسامة من أنهم لا يدخلون في المجال السياسي ولا الحكومة وأن يغيروا ما استطاعوا وإن عجزوا يبقون على الأصل.
*هل ما زال هذا الكيان قائما حتى اليوم؟
-تنظيم القاعدة وبعد أحداث سبتمبر اتسعت مظلته واستوعب كل الجهاديين وكان قبل ذلك يتم استدعاء هؤلاء إلى الشيخ أسامة وتقديم بيعة وكانت توجد بعض الخلافات الفكرية التي لا ترقى إلى النزاع والشقاق لكنها كانت ماثلة وحاضرة تجعل كل فئة تتمترس حول رؤيتها وبعد أحداث سبتمبر والحرب الكونيية التي قامت بها صارت جميع التيارات الجهادية تحت مظلة القاعدة ولا يشترط منها بيعة المهم الانتماء للفكر وللهدف الاستراتيجي الذي اتسع بعد ان كانت أمريكا صارت الأنظمة العربية التي تخدم أمريكا هدفا أساسيا قد يكون أحيانا أولى عند المجاهدين من أمريكا المتباعدة لأن الأنظمة أعاقت المجاهدين من الوصول إليها.
*ولكن وبعد وفاة بن لادن أين مصير أتباعه في اليمن؟
-لم يتغير الكثير فهم يعتبرون أن استشهاد بن لادن ضريبة نصر قادم ولذلك اتسع تنظيم القاعدة ولم تنحسر وبدلا من أن كان إنساناً صار جغرافيا وبدلا من كونه أفراداً صار جماعات.
*ولكن هل يمكن أن تعتبر المجاهدين في اليمن الذين كانوا يتبعون بن لادن خلايا نائمة أو قوة معطلة؟
-توصيف خلايا نائمة تعني أنها لا تقوم بجهد حربي وأسامة لم تكن رؤيته رؤية عسكرية بحتة وهو أوسع من ذلك وكان يعتبر العمل العسكري خادما للعمل الدعوي والإنساني ولكن الضغوط الأمنية في البلاد العربية هي التي حفزت الشباب للعمل العسكري في أن يكون الفرد قاتلا أو مقتولا.
*أنصار الشريعة فضلوا اختيار هذا الاسم بدلا عن القاعدة.. لماذا؟
-هو مسمى محلي تتقبله النفوس والناس كلها تطالب بأن يكون الحل أو المخرج من الأزمات بالعودة إلى الشريعة وهم يعلمون أن الشريعة معطلة ومفقودة في حياة الناس ولذا فإنه مسمى محبب إلى النفوس ويفرض واجبا هو نصرة الشريعة.
*ولكن ما قامت به أنصار الشريعة من عمليات عبثية ضد جنود الأمن أو حتى طلاب كلية الشرطة وفي العراء لا تدل على قوة وإنما على يأس وأفقدها الكثير من التعاطف خاصة بعد إخراجها من المناطق التي استولت عليها..؟
- كون القاعدة أو ما يسمى محليا أنصار الشريعة خرجت من مناطق كانت تسيطر عليها..
أولا يجب التأكيد على أن هذا الاستيلاء لم يكن استراتيجيا للدوام والاستقرار وإنما لخلق نموذج للناس في أن ما يبحثون عنه من أمن واستقرار وعدل يمكن تطبيقه من خلال دخول المناطق نتاج الفراغ وليس نتاجاً للصراع مثلما حدث في زنجبار وأوجدوا أنموذجاً ثم قرروا بعدها الانسحاب دون أن يخسروا من كوادرهم أو من عتادهم وبقيت الأوراق في أيديهم.
*ولكن أنصار الشريعة خسرت الكثير من قياداتها؟
-تنظيم القاعدة تنظيما مولودا ومن السهولة أن يحصل على قيادات وهو لا يشتكي من عدم وجود القيادات لأنه سريع التأهيل من داخله صحيح أنه فقد قيادته العالمية ولكنه يستطيع أن يخلق قيادته وفي اليمن تولى قيادته من ليس يمنيا لأن لديه الكفاءة والتنظيم تقبله.
وفي هذه المرحلة ورغم أنهم خسروا الكثير فقد انتشروا في كل مكان ويعرف عنه أنه يستطيع الانكماش حتى لا يعرف بعضه بعضا و يحدث معطى معيناً يظهر حتى لا يجد مكاناً إلا وفيه تنظيم القاعدة وهذا يربك الجميع ويرهق المحللين والعسكريين والمتابعين وقد نجده ينكمش في اليمن بينما يتصاعد في مالي وينكمش هناك ليتصاعد في سوريا وهو دلالة على قدرته على التكيف مع المستجدات، والمناطق التي انسحبت منها اليوم ليست بأحسن منها في أيام وجودهم وبالذات في جوانب الأمن والاستقرار وتحقيق العدالة وهو ما سيخلق عند الناس التوق إلى النموذج السابق.
*كيف تفسر النجاح الذي تحققه الضربات الأمريكية على القاعدة في اليمن؟
-في الحقيقة الضربات تحقق نجاحا وهي لا تحقق ذلك إلا بعد أن تحولت البلد إلى ما يشبه الاحتلال وهي لا تحقق نجاحاً إلا بأرضية بشرية وأرضية جغرافية داخل البلد اوجدت البشر الذين يشتغلون بها وأوجدت معاقل الرقابة والمتابعة والترصد ووجدت المكان التي تستهدف فيه والطائرات بدون طيار حققت نجاحات لكن ليس بمستوى الزمن الذي خسرته وبمستوى الأموال التي خسرتها.
وهذه الحرب التي تقوم بها أضرت وأثرت ولكنها لا تعيق ولا تصل بك إلى النهاية.
*ولكن كيف تفسر نجاح هذه الضربات في هذه الفترة بالذات؟
-النجاح بسبب استباحة البلد استخباراتيا وتجنيد من تريد داخل البلد كعملاء وجواسيس ومخبرين لديها حتى دون العودة إلى الجهات الرسمية فضلا عن السفارات الأخرى التي تشتغل معها وحين توجد المعلومة والطائرة تستطيع أن تستهدف المكان.
*ألا يعد هذا اختراقا فاضحا للقاعدة؟
-الاختراق ليس للتنظيم ولكن للمكون المجتمعي لأنها لم تحدث عملية كنتاج لاختراق من داخل التنظيم وإنما لأن هؤلاء ضمن المجتمع ويتحركون في إطار يسهل تجنيد فرد لرصد مجموعة تتحرك مجهولة الهوية أو الشكل أو اللسان ليدلي بمعلومات لهذه وتأتي الطائرات الأمريكية لتقصف. إذاً فالخيانة ليست من الداخل لنقول أن هناك اختراقاً والقاعدة هي من أكثر التنظيمات التي لم تخترق من داخلها والعمليات التي تقوم بها لا تفشل أثناء التخطيط وإنما أثناء التنفيذ.
*كيف تنظر إلى المشاركة الفاعلة للمعارضة سابقا طبعا وبالذات الإصلاح في تحقيق مثل هذه النجاحات وبالذات في تجريمها لما تقوم به القاعدة من عمليات؟
-المعارضة التي أصبحت حاكمة يبدو لي أن قياداتها لا تعمل وفق ثوابت وما كان محرما أيام معارضتهم صار مباحا ومشروعا أثناء سلطتهم وحين كانت الطائرات الأمريكية تجوب الاجواء اليمنية وفي النادر وبإذن ولفترة محدودة يمكن للشباب أن يتحركوا خلال هذه الترتيبات صار اليوم الجو والبر والبحر والمواقع كلها مباحة في محاولة منها أن تثبت لأمريكا وتخطب ودها من أنها ضد الإرهاب وأن تأخذ حسن سيرة وسلوك في ذلك من أجل مصالح دنيا وسلطة وغير ذلك لكنها ستعود خائبة لأن أمريكا دوما لا تحب المجاملين والمتملقين وستستخدمهم أوراقا كما استخدمت الحكام العرب السابقين أمثال حسني مبارك والقذافي والأسد وعلي عبدالله صالح وقد كان هؤلاء خداماً لأمريكا وفي نهاية المطاف استخدمت كل ما تملك من أجل إدانتهم. فالمعارضة في وجودها السلطوي الآن وجود مخز ومهين أدخلت البلد في مرحلة احتلال مباشر وغير مباشر وصار كل شيء مباحاً ولم يعد هناك سيادة محترمة .فبين مسلوب وبين منقوص والمستقبل سيأتي بالأسوأ.
*هل كانت الحرية والقدرة على التحرك التي تمتعت بها القاعدة نتاج علاقة السلطة السابقة بها؟
-كانت علاقة السلطة السابقة بشباب الجهاد عدائية لكن كان عندها قدرا من النفس الطويل والحوار وتجنيب البلد الكثير من الصراع الداخلي وكانت السلطة السابقة تتحاشى الدخول في المفخخات والعبوات الناسفة بصورة أكبر كانت تستلهم من تجارب العراق وبلدان أخرى فكانت تقول نتفق على تأمين الداخل، ولا تكترث للخارج وتغض الطرف عما يحدث فيه لكن المعارضة التي صارت السلطة الآن لم تبال بأن تنقل المعركة بكل تفاصيلها ووحشيتها إلى داخل البلد
. ولكن كانت نتيجة هذا الاحتواء أن سقطت مديريات بمعنى أن سياسة السلطة السابقة ونفسها الطويل لم تجعل القاعدة تقدر ذلك.
سقوط المناطق لم يكن نتاج معركة مباشرة بين القاعدة والدولة وإنما بسبب الفراغ الذي نتج عنه الضغط ضد السلطة السابقة التي هي هشة أمنيا واقتصاديا ونتاجاً لضغط الثورة والأزمة والصراع وقد سقطت مناطق في شرعب وفي أرحب ومأرب، خرجت من سيادة الدولة وصعدة وعمران خرجت ولم يبق من سلطة الدولة إلا على المناطق الحضرية في إب والحديدة وأجزاء من العاصمة وكذا كان سقوط المناطق في يد القاعدة بسبب الضغوط التي لم تتحملها السلطة وليس نتاجاً لحرب مباشرة بين القاعدة والدولة. ولهذا فإن ما حدث هو فراغ والأقرب هو من يملأ هذا الفراغ ومحمود الشرعبي كان الأقرب لشرعب وملأ الفراغ وكذا الحوثيون في صعدة والقبائل في غيرها.
*أنا أعلم أخي العزيز أن لجنة عليا كان شك~لها الرئيس السابق من بينها علي محسن ورشاد العليمي لتكون هي أداة التواصل مع القاعدة واحتوائها وكان لك علاقة بالأمر من الجانب الآخر.. لماذا هذه اللجنة وما دورها؟
-صحيح كان هناك لجنة شُكّلت لدراسة ملفات المعتقلين وفي نفس الوقت للتواصل مع من تم الإفراج عنهم لتسوية أوضاعهم وأيضا لحل مشاكل من هم فارون وكان يحضر في هذه اللجنة غالب القمش رئيس الأمن السياسي ورشاد العليمي وزير الداخلية وعلي محسن الأحمر ويرفعون تقريرا مباشرا لعلي عبدالله صالح. وأنا لم يكن لي وجود مباشر وفي نهاية المطاف تم طلبنا بعد فرار المجاهدين من سجن الأمن السياسي في صنعاء في 2008م، وقالوا يتم تشكيل لجنة من الطرفين.
*من هم الأطراف؟
-من جانب الدولة ومن طرف الشباب المجاهدين وكنت واحداً من الشباب الذين اختيروا وللأسف كان الجانب الحكومي يماطل.
*بماذا كانت تختص هذه اللجنة؟
-تختص بمشاكل الشباب المعتقلين والإفراج عنهم وتسوية أوضاع الشباب المفرج عنهم وحل الإشكالات التي نتجت عن اعتقالهم وكذلك أيضا تسوية أوضاع الشباب الفارين والمطلوبين أمنيا بحيث يكفوا أيديهم وتكف الدولة عنهم.
*متى كان ذلك؟
-هي كانت مستمرة ولكنها تطورت عقب هروب (23) شابا من الأمن السياسي في 2006، وحين رأينا مماطلة الحكومة والأجهزة الأمنية فيما نحن ليس لدينا مصلحة إلا تفريج كربة أسير أو علاج مشكلة فار يريد أن يأمن فلم تمثل دور وساطة وأنا لم أكن طرف وساطة بين الدولة والمجاهدين وإنما كنت أقوم بدور الشفاعة من جانب أخلاقي وإنساني لعلاج مشكلة أو نزع فتيل ينشأ هنا أو هناك.
*لكن ما أعلمه أن علاقتك برئيس جهاز الأمن السياسي غالب القمش قوية؟
-نعم لان غالب كشخصية يتعامل مع إنسان واضح ليس لديه مصلحة شخصية تحضره أو تغيبه. ونحن لم يكن لدينا مصلحة سوى أن يفكوا أسيرا أو نزع فتيل صراع داخلي يؤدي إلى إراقة دماء الشباب أو الجنود، وجميعهم دماؤهم معصومة ولا نريد أن تظل الأجندة الخارجية مسيطرة على المشهد الداخلي وصراعاته.
*هل توصلتم إلى شيء؟
-نعم.. حققنا كثيراً من النتائج، شباب كثيرون تم إخراجهم من السجون وكثير من الشباب كانوا فارين وأمنوا وعادوا إلى وضعهم الطبيعي يمارسون عملهم الدعوي. البعض الآخر سافروا إلى بعض البلدان ليعملوا ونشعر أننا قدمنا شيئاً.
*أين صارت هذه اللجنة؟
-منذ عامين وحين وجدنا أننا لم نعد نحقق شيئا لفك كثير من الأسرى والمسجونين الذين لا يوجد مبرر لبقائهم في الاعتقالات.
في العدد القادم يتحدث أبو الفداء عن علاقته مع كل من علي محسن والرئيس السابق علي صالح كما يتحدث عن رأيه بالعمليات التي تنفذها جماعة أنصار الشريعة وكذا الاختطافات التي تمت، وعن سبب انتقال عناصر أنصار الشريعة إلى محافظة إب وعن الفارق بين الأمن القومي والأمن السياسي وإمكانية الحوار مع القاعدة. |