محمد حسين العيدروس - مازالت الأمة تصوم رمضان عاماً بعد عام، وتتلمس رضا الله بأنواع العبادات إلا أن أعداداً من البشر هم الذين يتأملون في الأسباب التي جعلت من الصيام ركناً من أركان الإسلام، وفرضاً لا يكتمل الأيمان بغيره، وليس كسائر العبادات التي أوجبها الله في كتابه الحكيم وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم.
ولعل المتبصر في أركان الإسلام يقف على حقيقة كبرى تمثل قاسمها المشترك ألا وهي حقيقة الأمة الواحدة التي تتجاوز الجغرافيا والتاريخ والعرق وكل الفروقات لتلتقي على فرض ديني يساوي بينها بالتوصيف ويفاضلها في الأداء والإتقان وبنفس المحدد الزمني.
فشهر رمضان ليس مجرد أيام لتجريب الجوع والعطش بل هي أيام لممارسة وحدة الفعل والإحساس في مشارق الأرض ومغاربها ووفق نفس الأحكام والضوابط وبما يؤسس لوشائج تلغي المسافات وتعمق القيم الإنسانية على أسس نبيلة.. فصيام الشهر محدد برؤية هلاله وليس بإرادة أحد من البشر والأروع فيها أن علماء الأمة يقرون أن رؤية الهلال في بلد يوجب الصيام على أهل البلد المشترك معه في الليل حتى وأن لم يروا الهلال.. وفي هذا طمس لكل الحدود الجغرافية والفروقات البينية وحتى الخصومات والعداوات التي قد تكون بين هذه البلدان.
إن عظمة شهر الصيام تتجلى في هذه القيم التوحيدية وما تمليه من إلغاء لكل أنواع التمييز العنصري، ورفع قواعد المساواة والعدالة بين البشرية، وترسيخ ثقافة التكامل والتكافل والتراحم بين أبناء الأمة الواحدة سواء من خلال السنن الرمضانية أو من خلال إخراج الزكاة التي حدد الله تعالى اتجاهات إنفاقها واستحقاقها.
وفي تلك الرؤية يمكن القول إن فرض شهر رمضان ليس كما تعودنا الترديد بأنه الإحساس بجوع الفقراء- حتى وأن كان ذلك من أهدافه_ كما إنه ليس ليمتن به العبد على خالقه لأن الله غني عن العالمين، ولآن ما يقدمه المرء من طاعة وعبادات إنما يقدمه لنفسه ليجزي على عمله يوم يقوم الحساب؛ لكن الهدف الأسمى والأعظم هو توحيد الأمة، وردم الفجوات بين أبنائها وتقريب النفوس، وتوحيد الإرادة، والدرس المستوحي من كل ذلك.
وهنا فإن الإسلام هو السلام الحقيقي_ وكان الأخ/ علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية مصيباً إلى أبعد الحدود حين راهن في خطابة بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم على الإسلام كمخرج لكل الأزمات اليمنية والقضايا.
الوطنية وذلك بفضل قيمه النبيلة، وما يقتضي من رص للصفوف وتلاحم بين أبناء الوطن، وتوادد، وتأخٍ، وتكافل وغير ذلك من المثل الأخلاقية والإنسانية التي لو سادت لتحقق السلام وترسخ الاستقلال وعم الخير كل أرجاء الوطن.
وطالما ونحن بدأنا صوم الشهر الكريم إذا لابد من الإيمان بغايات هذه الفريضة العظيمة ولابد من الانطلاق على أساساتها في رسم المواقف وتحديد اتجاهات العمل الوطني.. فلا جدوى من الصيام إن كان أحدنا مشحوناً بالكراهية والبغضاء وسوء الظن بأخيه ضمن نفس البلد؟؟ كذلك لا جدوى من صيامنا أن كنا نكيد لبعضنا، ونهرول بأسلحتنا متلهفين لقطع الطرقات وإراقة دماء إخواننا بل إن الطامة الكبرى والبلاء الأعظم هو أن نصوم ونحن نرفع شعارات ودعوات تدعو إلى تشطير وتمزيق أوطاننا، وتشتيت شمل أهلنا_ كما لو أننا لم نعلم بأن التوحيد هو قوام الرسالة المحمدية، وأن الأمة الواحدة هي القاعدة التي ترتفع عليها قوة الإسلام، ويعتز بها المسلمون ، ويعلو صوت الحق على كل الأصوات الكفرية والضالة والتمزقية.
فالإسلام ليس طقوساً شكلية تمارس على غرار زمن الجاهلية وإنما هو قيم إنسانية وأخلاقية، ومنهاج فلكري وثقافي تتشذب به سلوك البشرية، وهو أيضا إلهام روحي يحرك النفس بين يدي خالقها فيمنحها الأمن والاطمئنان والسكينة والسلام وبالتالي فإن الإيمان بالإسلام لا يتحقق بغير الصادق والأمين بمناهجه وعقائده.
وفي الحقيقة إن هذا الشهر الكريم لهو فرصة الجميع لترجمة القيم الجوهرية لرمضان من خلال تعزيز الغايات الوحدوية للأمة عبر ممارسة شفافية الحوار، تعاطٍ صادق وأمين مع مختلف القضايا الوطنية... ونبذ العصبيات بكل أنواعها، والتراجع من الخطأ إلى جادة الصواب؛ وهو من فضائل ما ينبغي التحلي به في هذا الشهر الكريم.. الذي فرضه الله على الأمة الإسلامية لتستعيد به ذاتها الواحدة، ولتسمو من خلاله على خلافاتها وأزماتها، ولتعزز وتستلهم الدروس والعبر، وتضع أقدامها على خط إيماني واحد كتب الله لها فيه عزتها وكرامتها وقوتها ومجدها.
|