الخميس, 27-نوفمبر-2008
 - سمير اليوسفي سمير اليوسفي -
لفت انتباهي في المقابلة التي أجرتها صحيفة السياسية الصادرة عن وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) أمس الإثنين مع سفير إيران الجديد بصنعاء محمود حسن علي زادة - حرصه على ضرورة تعزيز القواسم المشتركة التي تربط إيران باليمن، والتي قال : إنها تاريخية (ويعود قسم منها إلى ماقبل الإسلام)، ربما في إشارة منه إلى استعانة سيف بن ذي يزن بالفرس لطرد الأحباش واستيلائهم على حكم اليمن بدلاً عنهم!.
يمكن تلخيص إجابات السفير في دعوته المتكررة لضرورة تجاوز البلدين النقاط الملتبسة التي أثرت على علاقتهما لفترة يفترض أنها انتهت - حسب مقدمة الحوار - مع إعلان الرئيس علي عبدالله صالح منتصف يوليو الماضي إنهاء الحرب الدائرة في صعدة، والتي أنكر سعادة السفير أية صلة لبلاده بدعم مسعِّريها ، إن بشكل رسمي من الدولة، أو غير رسمي من المؤسسات الدينية الاثني عشرية، كما استنكر نشر بعض الصحف اليمنية للمقالات التي تتهم إيران، ونفى وجود أدلة على ذلك.. واعتراضه شخصياً لدى وزارة الخارجية، كما دعا الصحف لتقريب وجهات النظر، وطالب بالرد على من يفسدون علاقات البلدين.
وعندما سُئل عن الدور المشبوه الذي لعبه سلفه حسين كماليان مع المتمردين ،طالب بعدم النظر لتلك اللقاءات بطريقة سلبية أو طرح مثل هذه الآراء المعكرة للعلاقات، وحذرنا من فعل ذلك، وإلاّ ستكون أية حركة لهم «مثيرة».
عموماً ؛حديث سعادة السفير يستحق القراءة بإمعان واهتمام، لكونه أول حديث لسفير إيراني مع صحيفة يمنية رسمية منذ فترة طويلة، ولأنه جاء عقب توتر شهدته علاقات إيران باليمن، كما يستمد أهميته من كون السفير زادة يعد أحد أبرز الدبلوماسيين الإيرانيين الذين لعبوا دوراً في تعزيز التعاون الإيراني - الأمريكي خلال مواجهة طالبان واحتلال العراق، وتزداد أهميته أكثر، إذا ماعلمنا أن سعادة السفير ، طلب مترجماً خاصاً لحواره مع الصحيفة من طهران ، ولم يقنع بالمترجمين العاملين لديه !
ليسمح لي سعادة السفير بمناقشة ماجاء في حواره بهدوء وروية، خصوصاً نفيه أي دعم إيراني للمد الشيعي الاثنى عشري في مختلف الدول العربية، واليمن بخاصة، لأن مجرد النفي ليس مقنعاً، ولا كافياً أمام ما شهدته المحاكم في مصر وإيران والكويت والبحرين والأردن وأخيراً اليمن.. حيث تنظر المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء حالياً في اعترافات متهم بالتخابر مع إيران تضمنت تواصله مع عاملين في السفارة الإيرانية، وتسليمهم تقارير متعلقة بتحركات الأمريكيين ومشاركتهم في نزع الألغام، ومعلومات عسكرية، وتقارير عن الانتخابات النيابية عام 2003م، وعن الحالة الأمنية في بعض المحافظات الجنوبية، واستحداثات مواقع خفر السواحل.. واعتراف المتهم باستلامه مبالغ مالية نظير ذلك ... وهي نفس التهمة التي حوكم بها عملاء بالتخابر لإيران في الدول العربية التي أشرنا إليها، إضافة لدعمهم إنشاء جمعيات ومراكز تعنى بنشر وتعليم المذهب الاثني عشري في السودان ودول أفريقية أخرى.. ناهيك عما نشرته صحيفة الدايلي تلجراف البريطانية في عددها أمس عن إشادة تنظيم القاعدة بدور إيران المساعد لهجومه على السفارة الأمريكية بصنعاء، والذي يحتاج لتكذيب إيراني رسمي ،يؤكد أن مثل هذا التصريح يستهدف الوقيعة بين البلدين ، مالم فسيصبح في حكم المؤكد.
ونصيحة زادة للصحافيين بعدم (تضخيم) تحركات السفير الإيراني السابق ولقاءاته بالمتمردين، تخرج عن الكياسة الدبلوماسية، التي يفترض أن يتمتع بها سعادة السفير، إلاَّ إذا أراد إقناعنا بأن سلفه كان يسعى لإقناع عناصر التمرد بالعودة إلى جادة الصواب والرجوع إلى الحق والالتزام بالنظام والقانون، وطاعة الدولة !.
وليعذرنا إذا ما اختلفنا معه في أن المذهب الاثني عشري بدأ يتغلغل في أوساط البسطاء من المنتمين للمذاهب السنية في العديد من البلدان العربية، بل حتى استهدف المذهب الزيدي في اليمن، بدعم وتمويل من جهات إيرانية، ولعل سعادة السفير على علم بمتانة وصلابة الترابط الوثيق الذي ساد أبناء المذهبين الشافعي والزيدي في اليمن خلال أكثر من ألف عام، والذي استمر حتى بدأ تصدير المذهب الاثني عشري قبل سنوات واستقطابه بعض الطامحين والموتورين، رغم ما في الجعفرية من رفض يصل حد التكفير للمذهب الزيدي.. وأرجو أن يجد السفير زادة متسعاً من الوقت لقراءة ما كتبه الأستاذ محمد سالم عزان، أمين عام تنظيم الشباب المؤمن سابقاً حول أفكار الحوثيين واستيرادهم المذهب الاثني عشري بدعم خارجي في مسعى للقضاء على المذهب الزيدي.
المضحك أن يطالبنا سعادة السفير بإيراد الأدلة على الدعم القادم من بلاده لنشر الاثني عشرية، بما تحمله من أفكار تضر بسلام وطمأنينة الدول المستهدفة، وكأنه لا يعلم عن المدعو عصام العماد، الذي صار بفضل «ملالي قم» آية من آيات المذهب، ومسئولاً عن نشره في اليمن بحسب موقعه الإلكتروني، ولعل إشارة سعادة السفير إلى الاتفاقية الأمنية الموقعة بين بلاده واليمن تلزمه إبلاغ المسئولين في طهران بطرد المذكور أو منع نشاطه على الأقل.
لكنني أتفق تماماً مع سعادة السفير، في ضرورة الدفع بعلاقات البلدين نحو المزيد من التطور، ولربما يوافقني الرأي في أن ذلك لن يتأتى إلا بالاحترام المتبادل والحرص على عدم التدخل في سيادة أي من البلدين، وتجنُّب دعم وتمويل المراكز أو الأشخاص الضارين بأمن وسلامة أوطانهم، ولا ينطبق هذا على الحوزات والجمعيات الأثني عشرية فحسب، وإنما يدخل بضمنها التيارات والجمعيات السلفية التي تؤجج الصراع، وتنشر الأفكار الإرهابية في أوساط العامة والبسطاء الحريصين على دينهم الحنيف.
لن تستفيد إيران من اقتتال المسلمين في العديد من الدول العربية على خلفية الصراع بين علي ومعاوية، أو احترابهم على السلطة لكون فريق منهم ينتسبون لعرق معين، ولن تقابل إيران أي فكر دخيل - يستهدف مذهبها- بالدعم والرعاية، بل إنها ستطرد عصام العماد الذي صار بفضلها مرجعاً اثني عشرياً، لو كان حاول نشر المذهب الزيدي في أوساط المنتمين للجعفرية.
وستكون إيران أفضل بمواكبتها حضارة العصر وتطوير ما لديها من تكنولوجيا، وبإقناع الرأي العام العالمي بأحقيتها في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، والذي من المعلوم عن فخامة الأخ علي عبدالله صالح - رئيس الجمهورية تأكيداته المعلنة في مختلف الأوساط الدولية على أحقية إيران بامتلاكها، وهو موقف محسوب له وحده، ويتجلى من خلاله حرص الجمهورية اليمنية على أن تتبوأ إيران المكان اللائق بها، وتجنيبها أي ضرر أو استهداف.. ولا نزال نأمل أن يتفهم الأشقاء في إيران ذلك، حفاظاً على مصلحتهم أولاً، واحتراماً لأشقائهم ثانياً، وحتى لا يأتي يوم يقولون فيه: أكلونا يوم أكلوا الثور الأبيض.

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:51 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-66.htm