صعدة برس -
أحمد عمر بن فريد
استمتعت جيدا إلى كلمة السيد / جمال بن عمر في لقاءه الأخير مع عدد كبير من القيادات الجنوبية في القاهرة مؤخرا , والتي تجاوزت مدتها الزمنية ال ” 45 دقيقة ” تقريبا , وهي كلمة عكست إلى حد كبير حرفية الرجل الدبلوماسية التي استطاع بموجبها ان يوصل ما يريد بشكل واضح للذين كانوا يتطلعون إليه باهتمام شديد في ذلك اللقاء . غير ان ما لفت انتباهي إلى حد كبير هو استخدام الرجل لعبارات ذات طابع تهديدي واضح أرادها ان تكون بمثابة ” عصى الدبلوماسي ” الغليظة , التي لوح بها في وجه الحضور بقوة مستغربة أكثر من مرة دون ان يبدي أحدا من الحاضرين استنكاره أو حتى تحفظه على ذلك الأسلوب غير اللائق !
ذكر بن عمر القيادات الجنوبية بأن هنالك فقرة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم ( 2051 ) تتحدث بصورة واضحة عن إمكانية اتخاذ تدابير عقابية للذين يمكن ان يعيقوا تقدم ما أسماه ب ” العملية السياسية ” في اليمن ! .. وقال ان هذه الفقرة تتخذ طابعها ومرجعيتها القانونية من المادة رقم ( 41 ) من ميثاق الأمم المتحدة , ثم لوح بعصاه مرة ثانية في وجه الحاضرين حينما كان يشرح ما أسموه بقانون ” العدالة الانتقالية ” .. حيث ارتفعت عصاه هذه المرة إلى سقف القاعة حينما قال : ان هناك جدل يدور حاليا عن التاريخ الذي يمكن اعتماده كبداية لهذا القانون !! فهناك من يقول – وهنا يأتي الخبث الدبلوماسي – انه يجب ان يبدأ سريان هذا القانون من ” تاريخ الاستقلال ” !! .. وبن عمر يعلم بطبيعة الحال ان تاريخا للاستقلال ليس موجودا إلا في الجنوب فقط .. لكن بن عمر ربما لا يعلم , أولم يجد أحدا يخبره ان لدينا في الجنوب , تاريخا معتمدا لقانون وطني اجترحناه بإرادتنا الحرة واسمه قانون ” التسامح والتصالح ” .. وهو قانون غير مكتوب لعملية سياسية نبيلة بدأت في يوم 13 يناير 2006 م في جمعية ردفان الخيرية بعدن, والذي تجلت روعته والقه في يوم جمعة مبارك … انه قانون جنوبي ” وطني – مقدس ” لا يقبل ان تضمه قوانين أمميه أو صنعانية تحت إي مسمى أو تحت إي ذريعة كانت.
لكن الطامة الكبرى .. الواضحة وضوح الشمس , تتجلى في قول الرجل في بداية اللقاء انه جاء ” فقط ” لتنفيذ مهمته المتعلقة بقرارات مجلس الأمن ( 2014 ) و ( 2051 ) وهي قرارات تؤكد على ” الوحدة اليمنية ” .. ثم شدد أكثر من مرة على ان جميع المقدمات لقرارات مجلس الأمن تبدأ بالتأكيد على ” الوحدة ” وقال انه حتى ” حق تقرير المصير ” كحل للقضية الجنوبية لم تتطرق له إي دولة في مجلس الأمن ! وإذا ما أخذنا حزمة ” المبادرة الخليجية المزمنة ” وآليتها التنفيذية المطلوب منا ” الانخراط ” في تنفيذ بنودها .. فإننا سنجد أنفسنا كجنوبيين أمام حقيقة واحدة تقول ان (( القوم كلهم )) لايردون لنا إلا ان نبقى إلى الأبد في زريبة الوحدة كما وصفها السيد حيدر العطاس , وانه لا يعنيهم ان كانت قضية الجنوب عادلة أم غير ذلك .. كما لا يعنيهم بأي حال من الأحوال حق هذا الشعب العربي في الحرية والاستقلال والسيادة على أرضه ! .. وان جل ما يهم هذه ” الدول الراعية ” هو ان تستمر في رعاية مصالحها في هذا المرعى الكبير ” الجنوب العربي ” .. حتى ولو بقي شعب الجنوب الكريم يرعى الكلاء في ” زريبة الوحدة ” !!
أمام هذه الحقيقة الدولية ” الفجة ” .. التي لم استغرب شخصيا ان يطرحها بن عمر في اجتماعه الطويل والمتعدد بالمناسبة – ولا أدري لماذا ؟؟ ! ..نجد أنفسنا كجنوبيين نسأل إخواننا أصحاب ” النفس السياسي الطويل ” عن جدوى الاستمرار في لعبة التكتيكات هذه , في ظل وضعية أقفلت فيها جميع الأبواب بصورة واضحة أمام إي مناورة سياسية يمكن ان يصفها صاحبها – حصريا – بأنها ذكيه أو حتى جهنمية ؟.. ترى ماهي الحكمة في ان يتكفل هذا ” التكتيك السياسي ” وحده بضمان استمرار الانقسام الجنوبي مصدر ضعفنا الوحيد نيابة عن خصومنا في صنعاء ! خاصة وان ” فتات الجزرة ” التي وضعها بن عمر على طاولة القاهرة إلى جانب عصاه الغليظة , كانت تتضمن ما أطلق عليه بإمكانية إصدار قرارات رئاسية تضمن عودة ” الحقوق ” التي أسميناها نحن بموجب قاموس دبلوماسية المناورة .. ( الحد الأدنى ) ,و بعدها.. أو وبعد هذا الفتات – بموجب بن عمر – على الجنوب ان ينخرط في العملية السياسية بدون شروط على حد قوله !!… ونسي حضرته انه قد اشترط دون ان يعلم ان يكون هذا ” الانخراط ” تحت قرارات ” تشترط ” الوحدة مع اليمن ..! أي انه يشترط علينا ان ننخرط في عملية سياسية غير مشروطة من قبلنا ولكنها مشروطة مسبقا بالوحدة من قبل صنعاء !
أيها السادة .. إننا لا نلغي العقل السياسي ولا نستحقر دوره أو نستخف بمدى ما يمكن ان ينجزه في إطار هامش المناورات .. إننا لا نقول انه لا يجب ان يغلق باب العمل السياسي إلى غير رجعة . ولكننا في نفس الوقت لا نستطيع ان نفهم ان يظل هذا الاستمرار في هذه العملية إلى الأبد دون أفق زمني محدد لها , خاصة ونحن نعيش أجواء سياسية لا تسمح لأصحاب هذا التوجه بالتحرك أو المناورة أكثر مما كان وسبق ! ..والأدهى والأمر من كل ذلك ان هذا الإصرار في الاستمرار بات اليوم ” عالي الكلفة ” على وحدة الصف الجنوبي , وبات هو وليس غيره المتسبب الأول والأخير في عدم حشد الطاقات وتوحيد الرؤية السياسية والقيادة معا .
ان تحدد شروطك للحوار كما تقدم في ورقة لقاء القاهرة مسألة جيدة لا يجب المزايدة عليها , خاصة وهي تتحدث عن حوار بين طرفين شمالي وجنوبي تحت رعاية إقليمية أو دولية باعتبار قضية الحوار مسألة سيادية تخص دولة الجنوب .. لكن الأفضل من كل ذلك , وهو جل مانرجوه ونتمناه من إخواننا أصحاب هذه الورقة ان ترسل هذه الشروط إلى من يهمه الأمر في صنعاء للإجابة الرسمية عليها بنعم أو لا خلال فترة زمنية محددة .. فان كانت الإجابة ب ” نعم ” فعلى جميع القوى السياسية الجنوبية ان تحدد مندوبيها إلى هذا الحوار بين ” الشمال والجنوب ” والذي سيكون تحت الرعاية الإقليمية أو الدولية أو كليهما .. وان كانت الإجابة ب ” لا أو مع ” كما يقولون فعلى أصحاب هذه الورقة التخلي عنها والجلوس مع بقية إخوانهم الجنوبيين لتحديد الثوابت الوطنية التي عزت على المجموع الجنوبي – في سابقة عربية حصرية على الجنوبيين – وتحت ثابت الاستقلال وفك الارتباط .. وبلاها تكتيكات … وبلاها شطارة !
لقد أخبرت احد الزملاء ان الشمس يمكن ان تشرق من المغرب قبل ان تقبل صنعاء بما طرح في القاهرة جنوبيا لجمال بن عمر , بل ان جمال بن عمر نفسه قد تكفل هو برفضه نيابة عن صنعاء !! .. فقال لي الزميل العزيز ان إخواننا أصحاب هذه الورقة يعلمون ذلك ! .. ولكنهم يبتغون من هذا الفعل تحقيق أهداف سياسية ! تتلخص في إحراج صنعاء أمام المجتمع الدولي !!! .. فكيف يمكن لصنعاء ان تحرج صنعاء أمام المجتمع الدولي الذي يقول لها بالحرف الواحد إننا مع هذه الوحدة ؟ .. إذا المسألة برمتها تتعلق بنا نحن في الجنوب , لأننا نعلم ان ” صنعاء ” هذه لا يمكن إحراجها ولا يمكن ان تخجل من شئ , فانه يبقى من العبث ان يستمر هذا الوضع دون تحديد فترة زمنية لكي نقول بعدها .. إلى هنا وكفى مناورات على حساب ثوابتنا الوطنية وعلى حساب شعبنا وقضيته ومستقبله وحقه في العيش حرا كريما سيدا على أرضه .
* عدن الغد |