صعدة برس-وكالات - اثارت القرارات التي اصدرها الرئيس المصري محمد مرسي الخميس ومنح بموجبها نفسه صلاحيات استثنائية مطلقة شرخا كبيرا في الشارع المصري بين معارض يتخوف من عودة الديكتاتورية بعباءة اسلامية ومؤيد يرى فيها طريقا لاختصار مرحلة انتقال ديموقراطي طويلة ومعقدة.
وغداة "الاعلان الدستوري" الثاني الذي اصدره مرسي واشتمل على قرارات عدة تصب جميعها في خانة تحصين القرارات الصادرة عنه منذ توليه الحكم من اي طريق من طرق المراجعة او الطعن، بالاضافة لعزله النائب العام، خرجت الجمعة الى الشارع في عموم البلاد تظاهرات ومسيرات حاشدة انقسمت بين مؤيد لهذه القرارات ومعارض لها.
وسعى مرسي من خلال هذا الاعلان الدستوري المفاجئ الى تحجيم دور السلطة القضائية التي تربطه بها علاقة سيئة، ليكون بذلك الرئيس، القابض اصلا على السلطتين التنفيذية والتشريعية، قد ازاح من طريقه آخر عقبة امام جمع السلطات الثلاث بيده عن طريق كف يد السلطة القضائية عن اي تدخل في قراراته.
وبموجب الاعلان الدستوري الثاني ايضا لم يعد بامكان السلطة القضائية حل الجمعية التأسيسية المكلفة وضع دستور جديد للبلاد، وهو ما كانت تعول عليه المعارضة الليبرالية التي تندد بهذه الهيئة بسبب هيمنة الاسلاميين عليها.
واضافة الى كل هذا فان القرارات التي اصدرها مرسي الخميس تمنحه حق "أن يتخذ الإجراءات والتدابير الواجبة" اذا ما "قام خطر يهدد ثورة 25 يناير" التي اطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في شباط/فبراير 2011.
ومن المفترض بحسب قرارات مرسي ان ينتهي مفعول كل هذه الصلاحيات الاستثنائية فور اقرار الدستور الجديد، وهو دستور لا يزال امام ولادته مخاض عسير جدا.
وبهذه الصلاحيات الاستثنائية المطلقة اصبحت سلطات مرسي تفوق بكثير من تلك التي كانت في يد سلفه الذي اتهم بالاستبداد والتفرد في الحكم، بل وربما لم يسبق ان تفرد بها اي رئيس في اعتى الانظمة الديكتاتورية، كما يقول منتقدو مرسي.
ومرسي الاتي من صفوف جماعة الاخوان المسلمين والذي انتخب رئيسا في حزيران/يونيو متهم فوق هذا كله بالسعي تدريجيا نحو "اخونة الدولة" مع تمكين الاخوان من كل مفاصل الدولة وهو ما تجلى اكثر في تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور.
ولعل ما كتبه المعارض محمد البرادعي الفائز بجائزة نوبل للسلام على حسابه على تويتر اثر قرارات مرسي يختصر الكثير من هذا، اذ قال "مرسي اغتصب اليوم جميع سلطات الدولة ونصب نفسه فرعون مصر الجديد. ضربة قوية للثورة ولها عواقب وخيمة".
ومن المقرر ان يتم عقب اقرار الدستور الجديد انتخاب مجلس شعب جديد يحل محل المجلس الذي انتخب قبيل انتخاب مرسي وفاز الاسلاميون باكثرية مقاعده، لكن ما لبث ان تم حله بقرار قضائي.
لكن مراد علي المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة، المنبثق من الاخوان المسلمين، والذي ترأسه مرسي الى حين انتخابه يقول "علينا ان ندفع الامور في الاتجاه الصحيح".
ويضيف "نحن في حاجة الى الاستقرار. هذا لن يتم اذا سمحنا مجددا للقضاة بان يقوموا، لدوافع شخصية، بحل الجمعية التأسيسية واطالة امد المرحلة الانتقالية".
ومرسي وصل الى السلطة بشعارات مكافحة الفساد والفقر والبطالة وهي آفات كانت من ابرز الاسباب التي ادت الى اندلاع ثورة يناير التي اطاحت بمبارك.
لكن وبعد خمسة اشهر من انتخاب مرسي لم يتغير الا القليل القليل بالنسبة الى المواطن المصري الذي يزداد غضبه ازاء ما يراه عجزا من الرئيس عن تنفيذ ما وعد به في حملته الانتخابية وانهماكه في معارك تارة مع معارضيه السياسيين واخرى مع السلطة القضائية.
وفي هذا يقول مراد علي "لا يمكننا انجاز اي شيء وهذا ما يريده خصومه" الرئيس.
اما المحلل في المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية اسكندر العمراني المقيم في القاهرة فيرى ان "المشكلة في قرارات مرسي انها مفتوحة جدا".
ويوضح "للوهلة الاولى تبدو محاولة لانهاء المرحلة الانتقالية، الا انها في الوقت نفسه تفتح الباب امام قرارات اخرى وامكانية فرض امور اخرى. مثلا قانون انتخابات يكون في صالح الاخوان المسلمين".
لكن القرارات التي اصدرها مرسي الخميس تضمنت في ما تضمنت مطالب لطالما رفعها الكثير من معارضيه من انصار الثورة، ولا سيما اقالة النائب العام عبد المجيد محمود المتهم بانه من فلول النظام السابق وبانه كان وراء تبرئة مسؤولين سابقين اتهموا بقتل المتظاهرين خلال الثورة.
وبقراراته ايضا سدد مرسي ضربة الى السلطة القضائية التي تناضل من اجل استقلاليتها لكنها تضم الكثير من القضاة الذين خدموا في عهد النظام السابق وكانوا من اشد المخلصين لرموزه واخرين متعاطفين مع الاخوان.
وبالنسبة الى هبة مريف مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش في مصر فان النائب العام "كان يجب تغييره".
وتضيف "هناك مشكلة جوهرية في استقلالية القضاء في مصر"، متخوفة في الوقت عينه من ان تؤدي قرارات مرسي "الى استعداء السلك القضائي".
وتتابع "المشكلة الرئيسية هي في منحه حصانة لكل قراراته من اي طعن امام القضاء بانتظار اقرار دستور جديد" |