د. سعاد سالم السبع -
سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر ثلاثة شهور متتابعة تمثل أهم أشهر العام في حياة الشعب اليمني، لأنها تعيد إلى الأذهان ذكريات انتصارات الشعب اليمني على الإمامة والاحتلال البريطاني في الشمال والجنوب، ولا يشعر بأهمية هذه الأعياد وما تمثله من انتصارات إلا الكبار المخضرمون الذين عاشوا فترة ما قبل الثورتين والاستقلال ، وعانوا من ذل الإمامة والاحتلال..
وكم يشعر أحدنا بالحيرة على حالنا نحن الذين جئنا بعد الثورتين حينما نجد أحدا من هؤلاء الآباء الكبار دامع العينين عند سماعه للأناشيد الوطنية التي كانت تردد من إذاعتي صنعاء وعدن بعيد الثورتين، ونتساءل لماذا تثير هذه الأناشيد في قلوب آبائنا كل هذه المشاعر الجياشة ؟ ولماذا نحن نعدها أناشيد تقليدية عادية؟ لماذا نطلق لأحاسيسنا العنان عند سماع الأغاني العصرية بالرغم من تفاهتها ؟ ولا يهتز وجداننا عند سماع النشيد الوطني؟ لماذا تشرق وجوه آبائنا الرضية أمام الشاشة الصغيرة عند استعراض مقتطفات من صور البطولة والكفاح في المناسبات الوطنية؟ ونحن نتذمر ونغير قناة التلفاز إذا بثت برنامجا لتاريخ اليمن أو جغرافيته ؟ لماذا نتسمر أمام فيلم أو مسلسل أجنبي يفصلنا عن تاريخنا ويمنينا بالحياة في المريخ؟ ونستهتر بأي حكاية يمنية ونعدها من الأساطير البالية؟ هل لأننا لم نعاني مما عانى منه آباؤنا؟ أم لأننا سطحيون؟ أم أننا بلا هوية وطنية؟ !! ومن المسئول عن لا مبالاتنا ؟ هل هم آباؤنا الذين لم يحكوا لنا حكاياتهم مع المعاناة؟ وتحملوا مرارة الحياة في سبيل أن يعفونا من الإحساس بالألم؟ أم هي المدارس التي تلقفتنا منذ طفولتنا واهتمت بقولبتنا على كل شيء إلا الانتماء الوطني؟ أم أننا وبلا وعي ننتقم من الخطاب المباشر الذي يجرعنا مصطلحات الانتماء الوطني من خلال رسائل معظمها تدمر الهوية الوطنية؟!
حقيقة نحن نعاني من مشكلة الابتعاد عن كل ما هو وطني، حتى وإن كان أصيلا، وننجذب إلى كل ما هو أجنبي وإن كان ضارا ، ويمكن إثبات ذلك ببساطة من خلال حصر مستلزماتنا وأطعمتنا وألبستنا ومتابعاتنا الفنية والإخبارية والثقافية، صرنا غرباء عن وطننا وبيئتنا المحلية وثقافتنا الوطنية... والدليل على ذلك أننا نعرف أصل كل شعرة في رأس أوباما، ونتابع باهتمام تفاصيل حياته، ولا نعرف عن القردعي ولبوزة والثلايا واللقية وغيرهم من ثوار الجنوب والشمال إلا أسماءهم ؟ نتحدث عن طبيعة جبال الهملايا ولا نستطيع حتى تحديد أسماء نباتات جبال اليمن، نتنبأ بحال أمريكا بعد أعوام ولا نفكر بحال بلدنا بعد عام في ظل استمرارنا في اللامبالاة والفوضى وعدم الشعور بالمسئولية تجاه الوطن..
كيف ينهض وطن يعاديه أبناؤه؟!! نحن نحافظ على ما تبقى من وطنيتنا فقط حينما نخرج من اليمن، ويضعنا الآخرون أمام مأزق الأسئلة الثقافية عن اليمن ، ونحاول أن نبقي على ماء الوجه الثقافي والوطني باجترار ما نعرفه من شذرات مبتورة عن تاريخ اليمن ونضال الوطنيين..
وللأسف أطفالنا يقلدوننا ؛ وهم أكثر غربة منا إذ هم يقلدون المقلد، فإذا كنا نحن القريبين من عهد الآباء المخضرمين نعاني من ضعف الانتماء للوطن فما حال أطفالنا؟!
الإجابة نجدها كل يوم فيما نجده من فجوة معرفية ووجدانية بيننا وبين الأبناء؛ تشغلنا في حلنا وترحالنا؛ فإذا كنا نحن نعيش في حيرة فإن أبناءنا قد تخلصوا من هذه الحيرة، ووجدوا لهم أوطانا أخرى في ألعابهم الإلكترونية ومتابعاتهم الفضائية حتى أنهم أصبحوا مغيبين عن كل ما هو يمني، و لم يعد يربطهم باليمن إلا شهادات الميلاد..
ينبغي أن نعترف أننا شعب مغيب عن هويته الوطنية، ولابد أن نفكر معا كيف نحيي هويتنا الوطنية ؟ وكيف نعيد إلى عقولنا وقلوبنا الاعتزاز بكل ما هو وطني؟ كيف نعمل من أجل الوطن؟ كيف ننمي لدى أبنائنا الولاء الوطني؟ وكيف نجعلهم بناة للوطن لا عالة عليه؟ كيف نغرس في عقولهم وقلوبهم السلوك الحضاري عند التعامل مع المرافق العامة؟ كيف نجعلهم يشعرون بقيمة الشجر والحجر في بلادهم؟ كيف نؤهلهم للدفاع عن منجزات الوطن والثورة ضد من يريد المساس بهذه المنجزات ؟ نحتاج نحن لإعادة التفكير في وطن سيعيش فيه أبناؤنا وأحفادنا، ويحتاج أبناؤنا إلى ثورة علمية وتربوية وتعليمية تغرس فيهم القيم الوطنية ، وأظن أنه حان الوقت لنبدأ من المدرسة والمسجد، فهما أهم مؤسستين لبناء الوطن إذا أحسن استثمارهما في بناء جيل محب للوطن ...
Omwesam4@yahoo.com
جامعة صنعاء- كلية التربية