صعدة برس - رفعت الحكومة اليمنية عام 2005 أكثر من 20 دعوى قضائية ضد عدد من الشركات الأجنبية لارتكابها“ مخالفات لقوانين الصيد في المياه الإقليمية، وتهربها من دفع استحقاقات مالية وفقا للاتفاقيات المبرمة معها “ وطالبت بتعويضات مالية تزيد عن 35 مليون دولار. لكن وكيل وزارة الثروة السمكية، يقول إنه لا يعرف شيئا عن هذه القضايا، ويقول غازي لحمر في حوار مع الشاهد “في عهدنا لم يتم إحالة أي شركة للقضاء” .
وكان واضحا أن الوكيل ليس لديه علم بمصير تلك القضايا، فقد مر عليها أكثر من ست سنوات، غير انه كشف في سياق حديثه عن وجود دعاوى أقدم، لم يحدد عددها عندما كان يضع احتمالا بوجود هذه القضايا أمام المحاكم.
احتمال، قبل سنوات، خاصة في 2003م عندما تم إيقاف الاصطياد التجاري وهذه مازالت في المحاكم ووزارة الشئون القانونية هي الممثلة للحكومة اليمنية” يضيف بلحمر في إجابة مقتضبة.
المؤكد أن مصير هذه القضايا لا يحظى باهتمام الوزارة المعنية، ورغم أن مبلغ التعويض يصل الى 35 مليون دولار، فليس هناك ما يشير إلى وجود متابعة وحرص على ضبط المخالفات، مع زيادة الشكاوى من الصيادين بوجود حماية من النافذين لتلك الشركات، وتزايد المخاوف من تسويات غير مرئية تمت لدفن تلك القضايا، والسماح لنفس الشركات بالعودة للاصطياد في المياه اليمنية.
فلاشات
هناك ظاهرة تبدو غريبة للوهلة الأولى حيث ينشط صيادون وبعض الشركات في تهريب الشعب المرجانية، إلى بعض الدول مثل سلطنة عمان. هذه المعلومات والشكوى تكررت طوال فترة البحث لإعداد هذا الملف .
تعتبر الشعب المرجانية بمثابة المستوطنات للأسماك، فهي بيئة التكاثر الملائمة، وأكثر جذبا لصنف سمك الحبار أو “البنجيز “ الاسم الشائع لدى الصيادين. ويقول الصيادون إن الشعب المرجانية قابلة للاستزراع مجددا في أي مكان آخر في البحر .
والى الشعب المرجانية تنشط عملية تهريب أخرى للأسماك، خصوصا أصناف الشروخ والجمبري باتجاه الحدود العمانية والسعودية، على ما ذكر علي الحبشي .
ثروة في قبضة الفساد
يبلغ طول الشريط الساحلي لسلطنة عمان نحو 1700 كيلو متر، في حين يصل طول الشريط الساحلي لليمن إلى 2500 كيلو متر، لكن عائدات تصدير الأسماك في اليمن تساوي ثلث عائداتها في عمان ونحو 20 % من عائدات المملكة المغربية التي تمتلك شريطا ساحليا طوله يقترب مما تمتلكه اليمن.
وسجلت البلاد أعلى عائدات من الثروة السمكية والأحياء البحرية عام 2010 عندما بلغ أكثر من 272 مليون دولار، وتتراوح سنويا ما بين 200 إلى 250 مليون دولار.
بحسب رئيس جمعية المصدرين للأسماك، فإن آخر دراسة للمخزون السمكي لليمن جرى قبل 30 عاما، لكن بعض التقديرات تشير إلى أن المخزون السمكي على طول الشريط الساحلي للبلاد يصل إلى 850 ألف طن سنويا، ويمكن إنتاج مابين 350 ألف إلى 400 ألف طن، في حين لم يتجاوز الاستغلال الفعلي لهذه الثروة 290 ألف طن سجل عام 2005م ، وتراجع لاحقا ليصل إلى مادون 150 ألفا ، وبمتوسط إنتاج سنوي لا يتجاوز 120 ألف طن.
ويقدر صندوق التنمية الزراعية ( الفاو ) عائدات اليمن من الأسماك بـ 100 مليون دولار سنويا، وتمثل صادرات الأسماك 40% من صادرات البلاد غير النفطية، ولا تزيد نسبة مساهمته في الناتج القومي للبلاد عن 1% .
ويقول رئيس جمعية المصدرين اليمنيين للأسماك : لا تعرف الجمهورية اليمنية حجم مخزونها من الأسماك وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك استثمار حقيقي.
وكان الإنتاج السمكي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل الوحدة يمثل ما نسبته 70% من صادرت البلاد ويساهم بنسبة 30% من العملات الصعبة لموازنة الدولة ،وكانت تأتي في المرتبة الثانية بعد المملكة المغربية في قائمة مصدري الأسماك عربيا .
بالإضافة إلى تبديد الإمكانيات والبنى التحتية المتبقية في قطاع الثروة السمكية، هناك مشاكل أخرى، تضع قطاع الثروة السمكية مجالا للعبث،وتحد من قدرة البلاد على الاستغلال الفعلي للمخزون المتوفر ومضاعفة عائداته من العملات الصعبة.
يقول رئيس جمعية المصدرين علي الحبشي وهو مدير عام شركة بروم إن هناك ضعفا في البنى التحتية، وموانع في تحسين استغلال المخزون السمكي وتحديث وسائل الاصطياد.
بحسب الحبشي، فإن الميناء الوحيد المعد للتصدير في المسافة الممتدة من المهرة الى باب المندب، هو ميناء عدن، رغم أن مينائي الشحر والمكلا من أشهر موانئ الاصطياد لكنها غير مجهزة للتصدير وليست مجهزة لاستقبال سفن الشحن ، بالإضافة إلى كلفة التصدير المرتفعة من الموائئ اليمنية بسبب فرض ضرائب على الصادرات. مضيفا أن كلفة التصدير من ميناء صلالة العماني ، اقل بنسبة 40 % من التصدير من مينائي عدن والحديدة « لذلك يلجأ البعض إلى التصدير من ميناء صلالة العماني « يؤكد الحبشي .
ويقول الحبشي ان هناك مبالغ بمئات الملايين تذهب كرسوم مفروضة بعضها غير دفترية، وان اليمن هي الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض ضرائب على التصدير وان قانون ضرائب الدخل استثنى كثيرا من الصادرات، وفرضها على الصادرات السمكية، معتبرا ذلك دليلا على عدم الاهتمام الحكومي بهذا القطاع الذي يعتبر القطاع الثاني بعد النفط من حيث عائداته من العملات الصعبة « الشركات الهندية والعمانية هي من تنافسنا الآن، فهي تحصل على الدعم من حكوماتها في الشحن، ونحن يفرضون علينا رسوم « يضيف منتقدا.
يدير الحبشي شركة بروم التي تأسست عام 94م وتتخذ من المكلا مقرا رئيسيا لها، أنفقت في مرحلة التأسيس 6 ملايين دولار، وعندما سألته عما اذا كان هناك شركاء من المسؤولين أو أبناءهم، من الباطن، أجاب بالنفي بشدة، إذ أكد أنها مملوكة 100|% لعد من المستثمرين اليمنيين، وان الاستثمار، في هذا القطاع كان أشبه بمغامرة . لعلهم افلتوا من قبضة « الشراكات المفروضة « بسبب الظروف التي بدأوا فيها النشاط ، فترخيص الشركة كان في ديسمبر 1994م ، أي بعد 4 أشهر فقط من نهاية الحرب الطاحنة وقتها .
"في البداية خسرنا، لكننا أشعلنا أصابعنا في الظلام حتى نرى النور" قال الحبشي الذي بدا ملما بأغوار البحر، فهو بالإضافة إلى كونه رئيس مجلس إدارة بروم عمل على تشكيل جمعية لمصدري الأسماك، وانتخب رئيسا لها.
يقول إن شركته واحدة من شركات القطاع الخاص القليلة التي صمدت في السوق، إذ اضطر بعضها خلال الخمس سنوات الأخيرة، إلى الإغلاق ، بسبب ارتفاع التكاليف وما يصفها بالعوائق المستمرة التي نلاقيها في هذا النشاط .
توفر نشاط الشركة على أرقام جيدة، تساعد في ضخ الأموال إلى السوق وتحديدا قطاع الاصطياد، فهي تشتري ما قيمته 30 مليار ريال من الأسماك من الصيادين التقليديين سنويا، وتنشط في السوق المحلية كمزود للأسماك ولديها 40 نقطة بيع مباشر للمستهلك المحلي، وتشغل 400 عامل بينهم نساء ، ولديها مصنع بروم للتعبئة في الشحر . تمتلك الشركة اسطولا مكونا من 5 قوارب للاصطياد في البحر. كان احد الصيادين قال لي إن قوارب شركة بروم تقوم بجرف شباك الصيادين، وتستخدم وسائلا مدمرة للبيئة البحرية. كانت تلك المرة الوحيدة التي سمعت أحدا من الصيادين يذكر اسم هذه الشركة، فكل الاتهامات التي أوردها الصيادون للسفن الكبيرة، وجميعهم يتفقون على شيء واحد « شركات بن الاحمر « لكنني حاولت الحصول على أسماء الشركات يملكها بن الأحمر، في إشارة إلى عائلة الشيخ الأحمر فلم يفصح احد عن شيئ، وطرقنا باب مكتب الوزارة في عدن فرفض الحديث في الأمر، واعتذر بحجة وجوده في صنعاء، لكنه عاد ورفض عندما أبلغته رغبتي التحدث إليه بشأن ما يحدث في البحر والشركات التي تعمل فيه. عندما سألت الحبشي عن اتهامات الصياد لشركته، نفى ذلك ،وقال «أتحدى أي شخص يثبت هذا» . وأردف : « 90 % من إنتاجنا نشتريه من الصيادين التقليدين، ولدينا الاستعداد للتعاون مع الصيادين التقليديين لتحديث وسائلهم في الاصطياد، لأنها لم تعد صالحة « حد قوله.
ويمثل الصيد التجاري إلى الصيد التقليدي، نسبة ضئيلة كما يقول وكيل وزارة الثروة السمكية، إذ ان ما هو موجود من نشاط للشركات التجارية لا يزيد عن 1%، وأيا تكن صحة هذه الأرقام، فالمؤكد ان الصيد التقليدي هو الأكثر نشاطا، في حين يتحدث الصيادون في منطقتي فقم ورأس عمران عن دخول تجار الى هذا النشاط عبر قوراب تقليدية يجري تشغيلها بواسطة صيادين من غير ابناء الحرفة.
مع ذلك فان الحبشي يقول إن الصياد اليمني ما يزال يعمل بطرق اصطياد بدائية تعود إلى ما قبل 50 عاما. ويقول : حتى نحصل على مردود فيجب أن نغير وسائل الاصطياد، وتحديثها بالوسائل المعمول بها في جميع أنحاء العالم . وفي الواقع هناك معضلة ،» فالحكومة التي يجب أن تسعى من اجل ذلك لديها قوانين ولوائح تمنع استخدام وسائل اصطياد حديثة « يقول رئيس جمعية المصدرين.
ويضيف: الدولة للأسف ليس لديها توجه واضح حتى الآن لتطوير وسائل الاصطياد بحيث يزداد إنتاج اليمن وزيادة التصدير .
جزء من المشكلة مرتبط، بعدم توفر أسطول وطني للاصطياد، ففي سلطنة عمان، وضعت الوزارة خطة للوصل إلى 300 قارب لاستغلال الثروة السمكية، بشكل فعال، لكن في اليمن « كان لدينا أسطول وتم تدميره « يقول احد الناشطين في هذا القطاع في إشارة إلى ما لحق بقوارب المؤسسات التابعة لوزارة الأسماك بعد 94م .
يقول الحبشي : المستثمرون ليست لديهم الحماسة والرغبة لتأسيس أسطول يمني لأنه ليس هناك امتيازات ، ويتم التعامل معها كما يتم التعامل مع الشركات الأجنبية ، بل احيانا الشركة الأجنبية تحصل على مزايا أفضل «.
ويضيف : تاريخيا هناك ما يشبه الحرب على القطاع الخاص والحكومة لا تتعامل معه كمحرك للاقتصاد الوطني .
غير ضعف البنى التحتية، في الموانئ ومناطق إنزال الأسماك وافتقادها للتجهيزات اللازمة هناك طريقة مدمرة لفكرة التصدير تسمح بها الحكومة اليمنية ، رغم انها تتسبب في تلف كميات كبيرة من الاسماك . وتاتي المملكة العربية السعودية في المرتبة الاولى من حيث المستوردين للاسماك اليمنية، لكن الحبشي يقول ان 50 % من هذه الكميات يتم تصديرها بصورة فردية على متن سيارات صغيرة .
ويقول، لماذا يستمر الناس في العمل بهذه الوسيلة برغم العوائق التي يواجهونها في المنافذ السعودية حيث يتم توقيفها، ما يؤدي غالبا الى تلف الاسماك واهدارها، وغالبا اذا دخلت يتم بيعها بأقل من قيمتها الحقيقية، وهو شكل من الاهدار . ويضيف : الأصل أن يتم التصدير بواسطة شركات محترفة وتنشط في هذا المجال، ويجب على الحكومة اليمنية ان تتفاهم مع الحكومة السعودية بهذا الخصوص .
أكثر المشكلات التي لا يود القطاع الخاص الحديث عنها مرتبطة بنشاط النافذين المسئولين في السلطة وأقاربهم، في البحر. هو نفسه القطاع المتضرر من هذا النشاط الطفيلي، يضطر للصمت، ويقول أكثرهم حماسة: البحر يريد تضحية وهؤلاء يريدون ربحا سريعا، لكنه يحجم عن الإفصاح عن هؤلاء!.
نقلاعن يمنات |