صعدة برس-متابعات - الشيخ محمود خليل الحصري واحد من أشهر قارئي القرآن وأحد أقطاب التلاوة والترتيل، ليس في مصر وحدها ولكن في العالم الإسلامى كله، شهد له الكثيرون بأنه أفضل من جود القرآن ورتله، فلم يكن مجرد قارئ أو صاحب صوت يهز الوجدان بل كان رجلا يعيش القرآن فيعيشه معه من يسمعه.
ولادتــــــه
ولد الشيخ محمود خليل الحصرى فى غرة ذى الحجة سنة 1335هـ، وهو يوافق 17 من سبتمبر عام 1917م، بقرية شبرا النملة، مركز طنطا بمحافظة الغربية بمصر.
حفظ القرآن الكريم وسنه ثمان سنوات، ودرس بالأزهر، ثم تفرغ لدراسة علوم القرآن، وحصل على شهادة في القراءات العشر.
تقدم الشيخ لامتحان الإذاعة ليقرأ في إذاعة القرآن الكريم المصرية سنة (1364هـ = 1944م) فكان ترتيبه الأول بين المتقدمين، وانطلق صوته عبر الأثير إلى المسلمين في كل مكان.
وفى عام 1957م عين مفتشا للمقارئ المصرية، وفى عام 1959م رقى وكيلا لها، وبعد عام عين مراجعا ومصححا للمصاحف بالأزهر الشريف بلجنة القرآن والحديث بمجمع البحوث الإسلامية.
شيخ عموم المقارئ
وفى عام 1960م صدر قرار جمهوري باختيار الشيخ محمود خليل الحصرى شيخا لعموم المقارئ المصرية، وفى نفس الوقت اختارته وزارة الأوقاف مستشارا فنيا لئون القرآن الكريم.
وفي حدود عام 1961م كان الشيخ الحصري أول من سجل المصحف المرتل كاملا للإذاعة وظل يصدح به وحيدا لمدة عشر سنوات، ثم سجل القرآن برواية ورش عن نافع ثم قالون عن نافع ثم الدوري عن أبي عمرو ومازال الناس إلى يومنا هذا ينتفعون بذلك التراث العظيم والخير العميم.
رحلات قرآنية
قضى الشيخ محمود خليل الحصري جانبا طويلا من حياته متنقلا بين بلدان العالم الإسلامي يسمعهم كلام الله تعالى ويشنف آذان المسلمين بسماع آيات الذكر الحكيم، ومن الممكن أن نقول إنه لا تكاد توجد دولة إسلامية إلا وقد زارها، وكانت له فيها مواقف رائعة، وترك بها ذكرى حسنة. وكذلك زار الشيخ العديد من البلدان غير الإسلامية يسمع جالياتهم كتاب ربهم.
والشيخ الحصرى رحمه الله تعالى أول من رتل القرآن الكريم في الكونجرس الأمريكي، وأذن لصلاة الظهر في مقر الأمم المتحدة، وقرأ القرآن بقاعة الملوك والرؤساء الكبرى بلندن أثناء زيارته لانجلترا. وأيضا زار اندونيسيا والفلبين والصين والهند وسنغافورة وغيرها من بلدان العالم.
ومن عجيب ما حدث أنه أسلم على يديه عشرات من الناس في أنحاء العالم وكان لسماعهم القرآن منه الأثر الأكبر والسبب الأول في إسلامهم: ففي فرنسا أعلن الإسلام على يديه عشرة فرنسيين وذلك في زيارته لبلادهم سنة 1965م، وفي أمريكا قام بتلقين الشهادة لثمانية عشر شخصا (رجالا ونساء) ليعلنوا إسلامهم على يديه رحمه الله.
وكان للشيخ في شهر رمضان المعظم من كل عام رحلات للدول الإفريقية والعربية والأسيوية لقراءة القرآن.
وإلى جانب القراءة كان الشيخ يحاضر في كثير من الجامعات المصرية والعربية والإسلامية في علوم القرآن، فقد كان عالما ذا رسالة نبيلة بل هي أعظم رسالة في دنيا العلوم والمعارف لتعلقها بأفضل كلام وهو كلام الله عز وجل.
وكان الشيخ أيضا مراجعا لكتاب الله سواء في الإذاعة مختبرا للقراء الجدد أو مراجعا لكتابة المصحف ضمن لجنة مراجعة المصاحف، كذلك ظل شيخا لقراء العالم الإسلامي طيلة عشرين عاما إضافة إلى كونه عضوا في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.
مؤلفات الشيخ
وقد ترك الشيخ كنزا ذاخرا من العلم تمثل في أكثر من عشر مؤلفات في علوم القرآن الكريم منها:
- أحكام قراءة القرآن الكريم.
- القراءات العشر من الشاطبية والدرة.
- معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء.
- الفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير.
- أحسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر.
- مع القرآن الكريم.
- قراءة ورش عن نافع المدني.
- قراءة الدوري عن أبى عمرو البصري.
- نور القلوب في قراءة الإمام يعقوب.
- السبيل الميسر في قراءة الإمام أبى جعفر.
- حسن المسرة في الجمع بين الشاطبية والدرة.
- النهج الجديد في علم التجويد.
- رحلاتي في الإسلام.
وله مقالات عديدة في مجلة لواء الإسلام وغيرها.
تكريــــــم
وكان لابد لهذا العلم الجم والعمل الدائب أن تُرى ثمرته في الدنيا قبل الآخرة، فنال الشيخ الحصري العديد من الأوسمة تقديرا لمكانته، أبرزها جائزة الدولة التقديرية من الطبقة الأولى عام 1967م.
الحصري والدا
رغم أن الشيخ كان كثير الأسفار وأنه كان نادراً ما يجلس مع أبنائه لكثرة انشغاله بالقرآن ورسالة تلاوته وقراءته وإعداد الكتب الخاصة؛ إلا إنه ـ رغم كل ذلك ـ كان يهتم بإعداد الأبناء وتربيتهم وتنشئتهم تنشئة دينية أو بالأخص قرآنية؛ فقد كان يولي تحفيظ أبنائه القرآن عناية خاصة كما يحكي ذلك عنه أحد أبنائه فيقول:
لقد كان أبي أباً حنوناً جداً، وكان يهتم اهتماماً شديداً بحفظ القرآن، وقد استطعنا جميعاً حفظ القرآن كاملاً والحمد لله، وقد كان يعطي كل من حفظ سطراً قرش صاغ بجانب مصروفه اليومي، وإذا أراد زيادة يسأل ماذا تحفظ من القرآن؟ فإن حفظ وتأكد هو من ذلك أعطاه.
وقد كانت له فلسفة في ذلك فهو يؤكد دائماً على حفظ القرآن الكريم حتى نحظى برضا الله علينا ثم رضا الوالدين فنكافأ بزيادة في المصروف وكانت النتيجة أن التزم كل أبنائه بالحفظ.
وأذكر أنه في عام 1960م كان يعطينا عن كل سطر نحفظه خمسة عشر قرشاً وعشرة جنيهات عن كل جزء من القرآن نحفظه، وكان يتابع ذلك كثيراً إلى أن حفظ كل أبنائه ذكوراً وإناثاً القرآن الكريم كاملاً والحمد لله.
خاتمة السعداء
كان الشيخ قد بنى مجمعا دينيا يضم معهدا أزهريا ومسجدا بقريته (شبرا النملة) وبنى مسجدا بالقاهرة.. وأوصى قبل وفاته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم.
وكانت بداية المرض في عام 1980م عندما عاد من رحلة من السعودية مريضا (كما يحكي أحد أبنائه) وقد زاد عناء السفر وإجهاده من مرض القلب الذي كان يعاني منه، إلا أن المرض اشتد عليه بعد ثلاثة أيام من عودته ونصح الأطباء بضرورة نقله إلى معهد القلب.. وقد تحسنت صحته بحمد الله فعاد إلى البيت مرة أخرى حتى ظننا أنه شفي تماما وظن هو كذلك..
إلا أنه في يوم الاثنين الموافق 24 نوفمبر عام 1980م وبعد أن أدى صلاة العشاء مباشرة فاضت روحه إلى باريها، وأسلم النفس إلى خالقها بعد أن ملأ الدنيا قرءانا، ليلقى ـ إن شاء الله ـ بشرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن مقامك عند آخر آية تقرؤها فرحم الله الشيخ رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.. أمين.
المصدر: الشبكة الإسلامية |