صعدة برس-متابغات - تحتل الزكاة في الإسلام مكانة رفيعة ومنزلة سامية ومرتبة متقدمة، فهي ركن من أركانه وشعيرة من شعائر الدينية الكبرى، لحديث ابن عمر المشهور “بني الإسلام على خمس”.. ذكرت الزكاة في القرآن ثلاثين مرة، في سبع وعشرين منها مقرونة بالصلاة، من أجل أن تكون لها نفس أهمية الصلاة، ولئلا يضيعها الناس ويفرطوا فيها، قال تعالى: “وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة” وهي تشكل أهم دعامة من دعائم الإسلام الاقتصادية الكبرى، كما أنها تكون مورداً من موارد المالية التي لا تنضب على مر السنين، ووسيلة من وسائله الناجحة لتحقيق التضامن الاجتماعي والتكافل الإجباري بين أفراده، ورحمة من رحماته تعالى إلى عباده المؤمنين.
فالمجتمع الذي يقوم بأداء الزكاة مجتمع يباركه الله عز وجل وتشملهم رحمته، قال تعالى: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم”.. ولأهميتها الكبيرة، وعد الله المؤدين لها بالفلاح والثواب الجزيل في الدنيا والآخرة، كما جاء في سورة المؤمنون والذاريات، وقد توعد المانعين بأشد أنواع العقاب، كما جاء في سورة التوبة، والزكاة لون من ألوان العبادات التي فرضها الله تعالى ورتب عليها آثاراً اجتماعية كبيرة، من عطف ورحمة ومحبة ومودة وإخاء وتعاون وتآلف بين أفراد المجتمع المسلم.. إن المسلم وهو يخرج زكاة ماله طواعية، يشعر بأنه يساهم في بناء المجتمع، ويعمل إلى إسعاد أفراده لأنه ساهم في ضمان عوامل استقراره، وأن هذا المجتمع يستفيد من وجوده، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما :”أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: “يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً”.. حديث حسن أخرجه الألباني في الصحيحة، لقد سد الله بالزكاة جوانب عديدة في المجتمع فاليتيم الذي لا أهل له ولا مال له، والفقير الذي لا يجد له ولا لأسرته ما يسد حاجتهم، والمدين الذي أثقلت كاهله الديون، كل هؤلاء ينتظرون من الأغنياء أن يعطوهم من مال الله الذي آتاهم: “وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم”..
ولأهمية هذا الركن الإسلامي رأت صحيفة الجمهورية أن تلتقي عدداً من رجال الدين ليوضحوا من جانبهم أهمية إخراج الزكاة لمستحقيها وفوائدها ومكانتها وأحكامها وبالتالي مقارنتها بالضرائب وكذا موقف الإسلام من مانعي الزكاة.
نمو وطهارة
وفي بداية هذا اللقاء حدثنا الشيخ عبدالجبار قائد المليكي إمام مسجد الرحمة: الزكاة في اللغة هي النمو والطهارة، وفي المصطلح الشرعي هي الفريضة المالية التي فرضها الله تعالى على المال وفق أحكام وقوانين محددة، وهي عنوان عام لفريضة الخمس والصدقات الواجبة فأساس الزكاة يشمل كلاً من الصدقات الواجبة التي أخذت في عرفنا باسم الزكاة كما يشمل الخمس الفريضة المالية الثابتة في الإسلام. أما المناسبة التي نقل القرآن الكريم لأجلها هذه الكلمة من معناها اللغوي الشرعي لتكون اسماً للفريضة المالية المخصوصة في الإسلام فهي أن هذه الفريضة تنمي المال والثروة ببركة الله وتوفيقه من جهة، وتطهر نفس الإنسان من الجشع والبخل والأثرة والأنانية من جهة أخرى، فتنمي الخير والحسنات والثروة؛ لذا سميت بهذا الاسم، وعرفت به الزكاة فريضة في شرائع الأنبياء ومناهجهم التي سبقت الإسلام.
فريضة الزكاة كانت موجودة في شرائع سبقت شريعة الإسلام، لما كانت الصلاة والصوم مفروضة في شرائع سبقت شريعة نبينا محمد “ص”، والقرآن الكريم حينما يتحدث عن الزكاة يوردها ـ في أغلب الأحيان ـ مقرونة بالصلاة ومرتبطة بها كما مر بنا آنفاً، والسنة أيضاً تؤكد هذه العلاقة في موارد متعددة من الحديث عن الزكاة ووجوبها، وتجعل قبول الصلاة مرتبطاً بأداء الزكاة، بل كثيراً ما يجعل أداء الزكاة شرطاً من شروط الإسلام والإيمان، فقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق أنه لما نزلت آية الزكاة: “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها” في شهر رمضان، أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناديه فنادى في الناس: “إن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة، كما فرض عليكم الصلاة..إلى أن قال: ثم لم يتعرض لشيء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا وأفطروا، فأمر صلى الله عليه وآله مناديه فنادى في المسلمين: أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم.. وورد في وصية الرسول “ص” للإمام علي: “يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة وعد منهم مانع الزكاة، ثم قال: يا علي ثمانية لا يقبل الله منهم الصلاة، وعد منهم مانع الزكاة، ثم قال: يا علي من منع قيراطاً من زكاة ماله، فليس بمؤمن ولا بمسلم ولا كرامة: “يا علي تارك الزكاة يسأل الله الرجعة إلى الدنيا وذلك قوله عز وجل: “إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون”.
“ذكرت أكثر من 80 مرة في القرآن”
كما حدثنا الشيخ علي هائل المحمدي إمام مسجد التقوى حيث قال: “والزكاة لها أهمية كبيرة فهي ركن من أركان الإسلام وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من 80 آية وهي مهمة أيضاً لأن من يتركها له عذاب شديد وقد جاء الوعيد الشديد في حق من بخل بها أو قصر في إخراجها، قال الله تعالى: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب آليم * يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" وفي المقابل من يؤدها فله أجر عظيم”.. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “يارسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان والزكاة لها أهمية كبيرة أيضاً في حياتنا الاجتماعية فإنه يترتب عليها قيم اجتماعية كبيرة من عطف ورحمة ومحبة ومودة، فهي تهدف ـ فيما تهدف إليه ـ إلى توفير الصحة النفسية للإنسان وترفع من معنوياته وتحارب فيه أية بادرة من بوادر الانغزالية أو الشعور بالوحدة، إذ إن الإنسان وهو يخرج بنفسه طواعية واختياراً بعض ماله يؤدي به الزكاة المفروضة عليه يشعر بأنه يسهم في بناء المجتمع، ويعمل على إسعاد أفراده لأنه ضمن عوامل استقرار المجتمع، وأن هذا المجتمع يستفيد من وجوده، كما أن الإنسان في هذا المجتمع المترابط المتاحب يطمئن بالوجوه الباسمة الراضية من حوله، فلا فقير يحقد عليه، ولا مسكين يثور على وضعه، ولا محتاج في المجتمع يشعر بأن أفراد المجتمع قد تخلوا عنه، لقد سد الله تعالى بالزكاة جوانب عديدة في المجتمع الإسلامي، فاليتيم الذي لا أهل له ولا مال له.. والفقير الذي لا يجد له ولا لزوجه ولا لأولاده ما يسد حاجتهم.. والمدين الذي أعضلته الديون ولا سداد عنه.. والمجاهدون والحجاج وطلبة العلم المنقطعون له ولا يجدون ما ينفقون، كل هؤلاء ينظرون إلى أموال الأغنياء بنفوس حاقدة وقلوب منكرة ورغبات مدمرة إذا لم يعطهم الأغنياء حقهم الذي فرضه الله تعالى وشدد فيه على المالكين الأثرياء تشديداً عظيماً.
مقارنة بين الزكاة و الضرائب
من جانبه قال الدكتور إسماعيل محمد السماوي مدرس التربية الإسلامية عن الزكاة ومقارنتها بالضرائب وبالتالي موقف الإسلام منها: الزكاة فريضة إسلامية لكن الضريبة يفرضها القانون الزكاة تأديتها عبادة وتنجي الفرد من عذاب الآخرة والضريبة تأديتها انقياد للقانون حتى لا يعاقب في الدنيا الزكاة لا يمكن التهريب من أدائها لأن الله يراقب العباد لكن الضرائب يمكن للمرء التهرب منها الزكاة تصل مباشرة من الأغنياء للفقراء أما الضرائب فقد يتهرب منها الأغنياء ويجبر على دفعها الفقراء الزكاة يؤديها المسلم مقبل عليها وهو طائع لذلك فهي تبعث في نفسه السعادة أما الضريبة يؤدها الفرد وهو مجبر تحت سطوة القانون لذلك تزيد من الضغوط النفسية عليه مما يزيد من مخاطر الأمراض النفسية.. الكثير من يقول أن الزكاة مثل الضرائب وأن لهما نفس المعنى و المفهوم ولكن هذا الرأي خاطئ وهنا أقدم بعض الفروق بين الزكاة والضرائب الزكاة فريضة إسلامية لكن الضريبة يفرضها القانون.. الزكاة لا يمكن التهرب من أدائها لأن الله يراقب العباد لكن الضرائب يمكن للمرء التهرب منها.. الزكاة تأديتها عبادة لله وتنجي الفرد من عذاب الآخرة والضريبة تأديتها انقياد للقانون حتى لا يعاقب في الدنيا.
الزكاة تصل مباشرة من الأغنياء للفقراء أما الضرائب فقد يتهرب منها الأغنياء ويجبر على دفعها الفقراء الزكاة يؤديها المسلم مقبلا عليها وهو طائع لذلك فهي تبعث في نفسه السعادة أما الضريبة يؤديها الفرد وهو مجبر تحت سطوة القانون؛ لذلك تزيد من الضغوط النفسية عليه مما يزيد من مخاطر الأمراض النفسية.
المال يذهب في الضرائب بينما الزكاة تزيد المال وتطرح فيه البركة الزكاة لا يمكن نقل عبئها إلى شخص غير المكلف بها لأن هناك مؤسسة رقابية هي الحسبة سوف تقوم بتوقيع العقاب على من يثبت قيامه بذلك إلا أنه من الثابت في الفكر الاقتصادي فكرة نقل العبء الضريبي والذي يؤدي إلى ظاهرة الركود التضخمي فالضرائب باعتبارها تكاليف إنتاج سوف تساهم في صناعة التضخم(زيادة المستوى العام للأسعار) بينما لا تؤدي الزكاة إلى هذا المرض الاقتصادي الخطير.
كما أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء بينما الضرائب على نحو ما تقدم، يقوم بتحملها الفقراء وليس الأغنياء وبالتالي تقوم الزكاة بدور اجتماعي واقتصادي إيجابي بينما تقوم الضرائب (على نحو ما هو متبع في النظم الوضعية) بدور سلبي.
الامتناع ضرر كبير
ما موقف الإسلام من مانعي الزكاة؟
من أشد المصائب التي يبتلى بها الإنسان داء البخل الذي يجعله يظن أن بخله يحفظ أمواله من الضياع أو أنه يزيده مالاً فوق ماله، مع أنه لو علم ما يصيبه من الخسران في دنياه بانقضاض الناس من حوله وكراهيتهم له، ثم ما يحيق به من العذاب في آخرته فإنه لو أدرك ذلك لكانت حسرته على نفسه شديدة وأليمة، ويكفي أن يقرأ هؤلاء البخلاء ما جاء في كتاب الله العزيز عما أعد لهم من عذاب وهوان، فقد قال جل وعلا.
(ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير) ويقول تعالى في سورة التوبة(ياأيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون).
ففي الامتناع عن أداء الزكاة إثم عظيم، وضرر كبير على الفقراء والمحتاجين وتعرض لغضب الله وعاجل عذابه الذي لا يصيب الذين ظلموا خاصة بل يعم الجميع والعياذ بالله وقد شدد الإسلام على مانعي الزكاة وأوقفهم عند حدهم لأنهم يهدمون بناء المجتمع بطمعهم وجشعهم وأنانيتهم المفرطة.. فمن امتنع من الأغنياء عن أداء الزكاة فإنها تؤخذ منه قهراً، ولو أدى ذلك إلى عقابه في النفس والمال، فإن كان الممتنع عن أدائها فرداً أو أفراداً لا سلطان لهم صح للإمام أن يؤدبهم ويعاقبهم حتى يؤدوها، وصع له أن يصادر عليهم نصف أموالهم سياسة شرعية زجراً لهم عن سوء صنيعهم.
وإن كان الممتنع عن أداء الزكاة جماعة لهم سلطان وقوة حق على الإمام أن ينذرهم عاقبة منعها فإن لم يجد فيهم الإنذار وجب عليه أن يقاتلهم حتى يؤدوا الزكاة فإن لم يفعل أثم وعصى ولقد قاتل أبوبكر رضي الله عنه والمسلمون معه مانعي الزكاة في حروب الردة وكان معه في رأيه الخلفاء الثلاثة وسائر الصحابة رضي الله عنهم فكان ذلك إجماعاً على قتال مانعي الزكاة.. وخلاصة موقف الإسلام من مانعي الزكاة أن الإسلام يفرق بين الممتنعين حسب أحوالهم، فيتخذ موقفاً محدداً من كل قسم حسب حاله على ما يأتي:
1ـ الممتنع عن أداء الزكاة مع الإنكار لوجوبها:
موقف الإسلام منه يختلف حسب حاله إن كان ممن لا يخفى عليه أمرها حكم بكفره وقوتل على منعها فإن كان يخفى عليه أمرها، كمن أسلم حديثاً ونشأ في البادية فهذا لا يحكم بكفره، بل يعرف بوجوبها عليه وتؤخذ منه قهراً فإن جحدها بعد ذلك حكم بكفره وقوتل عليها لقيام الحجة عليه.
2ـ الممتنع عن أدائها بخلاً بها مع اعترافه بوجودها: فموقف الإسلام منه أنه لا يحكم بكفره بل تؤخذ منه قهراً ويعزر إن لم يكن له عذر ويصرفها الإمام العادل في مصارفها الشرعية أما إن كان له عذر بأن كان الإمام ظالماً يأخذ أكثر من الواجب، أو يصرفها في غير مصارفها الشرعية فإنه يؤمر بإخراجها ويحذر عاقبة منعها ولا يلزمه دفعها إلى الإمام الظالم. |