|
|
|
صعدة برس - متابعات - إذا كان المخططون الاستراتيجيون في الجيش الصيني جادين بشأن تنفيذ مفهوم “أنظمة النظم” (systems of systems) فإنَّ كتاباتهم تفتح نافذة على تفكيرهم، وهو ما قد يساعد أعداء الصين على اكتشاف سبل لتعزيز هندسة “أنظمة النُظم” الخاصة بجيش التحرير الشعبي الصيني.
وفي هذا الصدد، تسهم مراجعة تأملات المهندسين الغربيين حول الأنظمة المعقدة في إضفاء ميزة استراتيجية في حالات الطوارئ للحروب المستقبلية، كما يقول تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
ما الاستراتيجية العسكرية الصينية للحروب المستقبلية؟
ما هي “أنظمة النُظم” المعروفة اختصاراً بـ”SoS”؟ هي ليست عناصر محاربين أو أنظمة سفن أو طائرات أو دبابات قتالية تخوض الحرب على نحو مستقل، لكنها نظام قتالي متكامل يتألف من مجموعة من الأنظمة هي نفسها أنظمة تشغيلية معقدة ومستقلة في حد ذاتها تعمل معاً بطريقة منسقة لتحقيق هدف لا يمكن لأي منها أن تحققه بمفردها.
تتعهد الاستراتيجية العسكرية الصينية بتوظيف قوات قتالية متكاملة” ليكون لها اليد العليا في عمليات صراع الأنظمة (نظام مقابل نظام) التي تتسم بالهيمنة المعلوماتية والضربات الدقيقة والعمليات المشتركة. هذه هي الطريقة التي تعتزم بها القوات المسلحة الصينية تطبيق “المبادئ التوجيهية الاستراتيجية العسكرية الماوية للدفاع النشط” -جوهر طريقة الصين الشيوعية في صنع الحرب. سوف يبتكرون أنظمة نُظم لحالات طوارئ معينة ويرسلونها إلى المعركة لتعطيل أنظمة النظم الخاصة بالعدو أو تدميرها، كما تقول المجلة الأمريكية.
يمكنك تسمية هذا “عمليات مشتركة ذات طابع صيني”، في ضوء حقيقة أنَّ ابتكار أساليب لتعطيل الأنظمة القتالية للعدو ليس بالأمر الجديد. في وقت سابق من هذا العام، سلطت دراسة أجراها جيفري إنغستروم، خبير السياسات لدى مؤسسة “RAND”، الضوء على هذا البعد من الفكر الاستراتيجي والتشغيلي الصيني. استرشد إنغستروم في تقريره بمناقشات من مصادر رئيسية تتعلّق بـ”أنظمة النُظم”، وهو ما منح فرصة للمهندسين والاستراتيجيين الصينيين للتحدث عن أنفسهم.
كانت الملاحظات المطروحة في خطط التصدي للأنظمة وتدميرها عادية ومفيدة في آنٍ واحد. هي عادية لأنَّ هندسة “أنظمة النظم” ليست ابتكاراً جديداً، إذ بدأت داخل الأوساط الأكاديمية في الغرب أواخر سبعينيات القرن الماضي ووجدت تفضيلاً في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) خلال عصر التحول الرقمي الذي جاء بعد فترة وجيزة من مطلع القرن. نشر البنتاغون، منذ ما يقرب من عقد من الزمان على وجه التحديد، دليلاً لهندسة “أنظمة النظم” يشرح كيفية تنفيذ هذا المفهوم.
هيكلية عمل “أنظمة النظم” الصينية
يبدو أنَّ الاستراتيجيين في الجيش الصيني قد أخذوا طرف الخيط من المفهوم الغربي، وصولاً إلى صياغة مسميات خاصة بهم كما تقول “ناشونال إنترست”. ولا يعتبر هذا أمراً غير مألوف بالنسبة لهم. تلقى بعض الأفكار والعبارات المستوردة صدى لدى مفكري جيش التحرير الشعبي الصيني -أحياناً أكثر من صانعيها. على سبيل المثال، لا يزال مسؤولو جيش التحرير الشعبي يستخدمون الاختصار الأمريكي “MOOTW” للإشارة إلى “العمليات العسكرية غير الحربية”، بعد فترة طويلة من توقف استخدامه في الخطابات الأمريكية الخاصة بالمساعي العسكرية.
تعتبر أطروحة جيفري إنغستروم عادية أيضاً لأنَّ الأنظمة الفوقية (أنظمة ميتا) تتجه بطبيعة الحال نحو الحرب.. ودائماً ما تفعل ذلك. فالجيش المسلح الذي يرسل منظومات سلاح قتالية فردية أو جنوداً إلى ساحة المعركة بدون دمج قوتهم القتالية في وحدة متكاملة موحدة هو جيش مصيره الهلاك، بغض النظر عن مدى قوة كل محارب أو سلاح على حدة. لقد شكَّل توحيد الجهود وتوجيهها نحو تحقيق هدف مشترك مفهوم فن القيادة منذ العصور القديمة، لكن شعار “نظام النظم” هو الجديد فقط.
تأمَّل القوات البحرية، على سبيل المثال. الأسطول البحري هو واحد من أنظمة النظم، حيث يجمع معاً أنظمة معقدة مستقلة وقائمة بذاتها مثل حاملات الطائرات والطائرات المقاتلة والسفن اللوجستية. يشرف قائد الأسطول على “نظام النظم” ويدمج الأجزاء المكوّنة المتباينة في وحدة متكاملة واحدة تفوق قوتها العسكرية مجموع أجزائها – إذا سارت الأمور على النحو المضبوط. يمكن قول الشيء نفسه عن الأساطيل والقوات الجوية والجيوش منذ فجر العصر الصناعي، إن لم يكن قبل ذلك.
يقدم محلل مؤسسة RAND، جيفري إنغستروم، خدمة جيدة من خلال تسليط الضوء على التفكير الصيني في نظام “SoS”. لا يعني كون المفهوم قديماً أنَّه فقد قيمته وغير جدير بالدراسة. قد يكون هذا المفهوم القديم محفوراً في أسلوب العداء المرتقب من الخصوم.
ومن ثمَّ، فإنَّ استكشاف طريقة التفكير في “أنظمة النظم” يوفر أدلة على أساليب جيش التحرير الشعبي الصيني التي أثبتت الأيام فاعليتها لشن الحرب. وهذا يتطلب أن تنظر القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها في مرآة الحقيقة ويفحصون ملياً مدى قوة “أنظمة النظم” الخاصة بهم ومدى قدرتها على تفكيك “الأنظمة الفوقية” التي يجري تجهيزها ضدها. لذا، بدلاً من تكرار بحث إنغستروم، دعونا نستعرض بعض الكتابات القديمة حول نظرية هندسة النظم، الأمر الذي سيكشف عمّا استنبطه المهندسون والاستراتيجيون الصينيون من هذه الكتابات وما هي الأخطار التي يُشكّلها نهج “النظم الفوقية” على الحلفاء وما هي الفرص المتاح لهم استغلالها.
ظهرت إحدى المقالات حول هندسة “أنظمة النظم” في دورية “Engineering Management” في عام 2003، بإذن من فريق علماء في جامعة “أولد دومينيون” البحثية الأمريكية في ولاية فيرجينيا. فيما يلي بعض النقاط التي المستخلصة والتي تبدو ذات صلة بالمنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين. في البداية، تُشكّل هندسة “النظم الفوقية” تحدياً فكرياً صعباً. تأمل وحدة توليد بخارية على الطراز القديم . يتصل المحرك الرئيسي بعمود محرك يدفع بقوة هيكل السفينة عبر الماء. يبدو الأمر بسيطاً، لكنه يتطلب غلايات لتوليد البخار الذي يوفر القوة الدافعة لتشغيل المحرك. تحتاج الغلايات إلى إمدادات مستمرة من الوقود والمياه، فضلاً عن أنظمة مساعدة لتكثيف البخار المستنفد لتحويله مرة أخرى إلى مياه عذبة لإعادة استخدامه والمساعدة في مهام أخرى. يتطلب ذلك مجموعة من المضخات والمبادلات الحرارية وغيرها من المعدات. في المرة التالية التي تزور فيها سفينة تاريخية، اذهب إلى الأسفل لترى ما سيدهشك من مجموعة متنوعة من الآلات وأنظمة الأنابيب المتشابكة والصمامات.
قد تقول إنَّ أي نظام قتالي أو منصة أسلحة قائمة بذاتها هي نظام من النُظم. لكن حاول الآن تشغيل مجموعة متنوعة من الأنظمة المتباينة بالتضافر مع بعضها البعض لتحقيق تأثير تكتيكي وتشغيلي، ستجد الأمر مختلف. يستشهد المؤلفون المشاركون في الدراسة بكتاب نشر عام 1979 يُشبّه “نظام النظم” بـ”أحجية الصور المُقطّعة التي يبلغ عرضها حوالي 5 أميال”. بدلاً من النظر إلى الأحجية من أعلى من على متن طائرة لمعرفة كيفية ترتيب القطع، نحن نقف على الأرض نحاول معرفة كيفية تنسيقها معاً. يصعب رؤية الصورة كاملة من مستوى سطح الأرض، لاسيما إذا كان أفقنا البصري محدود.
حرب تدمير الأنظمة بين أمريكا والصين
الأمر الآخر، تبدو الكتابات حول “أنظمة النظم” مجرّدة إلى أبعد الحدود. بدأ مقال فريق علماء جامعة “أولد دومينيون” بداية واعدة، لكنهم بعد ذلك انزلقوا في عالم الأفكار المجرّدة. ثمة قدر أكبر من الدقة في دليل هندسة النظم الخاص بوزارة الدفاع والكتابات الصينية التي استعرضها جيفري إنغستروم في دراسته، لكن ليس بما يكفي لمنح فهم أكبر عن كيفية وضع نظرية “نظام النظم” موضع التطبيق العملي. كذلك، يتعامل المحللون والممارسون مع مفهوم “نظام النظم” باعتباره تقريباً تحدي هندسي فقط، لكنه في الواقع نهج متعدد التخصصات يتجاوز الحدود الأكاديمية التقليدية.
بعد كل ما سبق ذكره، ما الذي يمكن أن يتعلمه الأمريكيون والمخططون الاستراتيجيون المتحالفون عن أنفسهم وعن الخصم المحتمل المُتمثّل في جيش التحرير الشعبي الصيني من خلال تطبيق تفكير نظام الأنظمة؟
تقول المجلة الأمريكية: أولاً وقبل كل شيء، يتعيَّن على الولايات المتحدة تعزيز كل ما يربط بين أنظمة النظم الخاصة بنا معاً أثناء البحث عن طرق للكشف عن الأنظمة الفوقية لجيش التحرير الشعبي لصالحنا. عندما تنظر إلى الرسوم التخطيطية الأمريكية للأنظمة الفوقية المعقدة، غالباً ما ترى رمز البرق يربط نقط الالتقاء (المعروف أيضاً باسم العقد) في المصفوفة. هذا يدل على أن تكنولوجيا المعلومات – الانبعاثات الكهرومغناطيسية وبيانات نظام التموضع العالمي (GPS)، أيا كانت- هي ما يربط “أنظمة النظم” معاً وترخية أو كسر أحد هذه الروابط يعيق عمل الشبكة بأكملها.
سيعمل الاستراتيجيون في جيش التحرير الشعبي على صياغة تكتيكات لتعطيل روابط المعلومات هذه أو تفكيكها تماماً – بعبارة أخرى، تجزئة شبكة العدو حتى يمكنك بعدها ملاحقة الشظايا والقضاء عليها واحدة تلو الأخرى. أو الأفضل من ذلك، إذا كان جيش التحرير الشعبي يستطيع زرع نقاط تعطيل في نظام الأنظمة التابع للعدو لفترة كافية لتحقيق أهدافه، فقد لا يحتاج إلى عناء محاولة إبادة العقد الفردية. لماذا تخاطر بخوض قتال كبير يتعلق، على سبيل المثال، بصراع تايوان إذا كان بإمكانك إبطاء الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ والقوات المشتركة المرتبطة به لفترة كافية لغزو الجزيرة ووضع البحرية الأمريكية أمام أمر واقع عندما تصل فرق العمل التابعة لها إلى موقع الحدث؟
يجب على الأمريكيين والاستراتيجيين المتحالفين رد الجميل من خلال بحث سبل تعطيل “أنظمة النظم” الصينية أو تدميرها. قد يعني ذلك إطلاق ضربات ضد بعض نقاط الالتقاء في النظام الفوقي على أمل إحداث تأثير غير متناسب على عمل الشبكة بأكملها. لكن حرب الأنظمة لا يجب أن تهدف إلى السعي نحو توجيه ضربة تدميرية شاملة ضد إحدى منصات العدو فحسب، بل قد تعني أيضاً اعتراض الاتصال بين نقاط الالتقاء (العقد)، فضلاً عن تقيّدها إلى مجموعات معزولة من القوة القتالية التي يمكن التغلب عليها واحدة تلو الأخرى حتى يرفع جيش التحرير الشعبي الراية البيضاء.
يعتبر ابتكار طرق لتعطيل “أنظمة النظم” ليس أمراً جديداً، إذ فعلها الجيش الألماني ضد الجيش الفرنسي على طول نهر الميز في عام 1940. أدّت التكتيكات الألمانية إلى تفكك الجيش الفرنسي، ما أدى إلى عزل الوحدات القتالية عن الدعم المتبادل من الوحدات الأخرى. ظل الجيش الفرنسي في الغالب متماسكاً بالمعنى المادي للكلمة، حيث عانى من خسائر طفيفة في الأرواح والعتاد. لكن لم يعد له وجود بصفته قوة قتالية. فمثلما يُعرّف القائد العسكري الألماني، كارل كلاوزفيتز، أنَّ “تدمير قوة معادية لا يكون بارتكاب مجزرة جماعية كاملة، لكن بتدمير قدرة تلك القوة على مقاومة إرادتنا”. هكذا تكون حرب تدمير الأنظمة على النحو المضبوط تماماً، أليس كذلك؟
عربي بوست |
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
انشر في تيليجرام |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
| |