صعدة برس - وكالات - تداولت جهات صحافية وبحثية دولية معلومات تفيد بموافقة إريتريا على إقامة قواعد عسكرية روسية على البحر الأحمر تعزيزاً للعلاقات المشتركة مع موسكو التي شهدت طفرة نوعية بخاصة بعد تصويت أسمرة ضد قرار دولي في الأمم المتحدة، في مارس (آذار) 2022، يقضي بفرض عقوبات مشددة على روسيا بعد هجومها على أوكرانيا.
وأتت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى العاصمة الإريترية، في يناير (كانون الثاني) الماضي، وتوقيعه اتفاقيات ثنائية مع نظيره الإريتري عثمان صالح، لا سيما مذكرة تفاهم لربط مدينة مصوع على ساحل البحر الأحمر مع مدينة سيفاستوبول الروسية على البحر الأسود، لتزيد الاحتمالات، بحسب محللين، أن هذا الربط إلى بناء قاعدة عسكرية روسية في الساحل الإريتري، خصوصاً بعد فشل موسكو في تطبيق اتفاقيتها مع الرئيس السوداني السابق عمر البشير، المتعلقة بإقامة منشأة بحرية روسية في السودان قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، إذ كان من المقرر بناؤها قرب ميناء بورتسودان، لكن قيام الثورة الشعبية التي أطاحت نظام البشير أجهضت المشروع الروسي في مهده.
تصريحات روسية متكررة
ورأى عبدالقادر محمد علي الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية أن “الرغبة الروسية في بناء مركز دعم لوجيستي في إريتريا علنية، وتكررت أكثر من مرة في أوقات مختلفة”. وأوضح أن وزير الخارجية الروسي أعلن، عام 2018، رغبة بلاده في “بناء منشأة على سواحل إريتريا”.
كما فهم من تصريح صحافي سابق للسفير الإريتري في موسكو بيتروس سيغاي، عام 2021، “ترحيب بلاده باستقبال المنشأة الروسية المزمع إقامتها”.
وتفسر الرغبة الروسية إقامة قاعدة عسكرية في سواحل إريتريا نظراً إلى ما تتمتع به من ميزات إذ إن “الشاطئ شديد القرب من باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر أحد أهم الممرات المائية في العالم”، كما أنه بداية الطريق إلى المحيط الهندي، وهذا الموقع الحساس سيسهم في “دعم العمليات الروسية في أماكن أخرى من المنطقة”، وبناء منصة لجمع المعلومات الاستخباراتية لمراقبة “أنشطة القوات الأميركية أو الصينية أو الفرنسية أو اليابانية، فضلاً عن الأنشطة الخليجية في البحر الأحمر”، وشبه الجزيرة العربية وحولها والوضع الأمني في مختلف أنحاء القرن الأفريقي.
أسمرة والغرب
وعن موقف أسمرة من النية الروسية هذه، قال الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، إن “نظام إريتريا قادر على تنفيذ أو فرض أي اتفاقية تخدم مصالحه” في ظل انفراده بالحكم وغياب أي “دور فاعل للمعارضة”، موضحاً في الوقت عينه أن “اتخاذ مثل هذا القرار قد ينقل العداوة بين أسمرة وواشنطن إلى نقطة حرجة لأن الأخيرة لن تسمح بإقامة هكذا قاعدة”.
خطورة الخطوة
من جهته، قال المحلل السياسي الإريتري سليمان حسين إن “النظام الإريتري يعي جيداً خطورة مثل هذه الخطوة”، مؤكداً أن “سياسات أسمرة تناهض تماماً فكرة إقامة قواعد عسكرية أجنبية على البحر الأحمر عموماً، وفي الساحل الإريتري خصوصاً”، واصفاً “المعلومات المتداولة أنها لا تتجاوز كونها حملات إعلامية قد تتقاطع مع الرغبة الروسية لكنها بعيدة تماماً عن سياسات إريتريا”. وقال إن الاتفاقيات التي تم توقيعها في أسمرة، خلال زيارة وزير الخارجية الروسي، تتعلق بالتعاون الاقتصادي والتجاري، إضافة إلى “مذكرة تفاهم تخص التوأمة بين مدينة مصوع على البحر الأحمر ومدينة سيفاستوبول الروسية في البحر الأسود”. وأشار إلى أن “إقامة قاعدة عسكرية لا تحتاج إلى توقيع اتفاقية توأمة بين المدن، كما لا يمكن تصور إقامة القاعدة المفترضة في ميناء مدني”، مضيفاً “كان الأجدر في حال وجود مخطط حقيقي لذلك، أن تستعيد روسيا قاعدتها السابقة في أرخبيل دهلك، التي فقدتها أثناء تفكك الاتحاد السوفياتي، واستقلال إريتريا”.
واعتبر حسين أنه “في الوقت الراهن، ليس ثمة مخطط حقيقي لإقامة أي قواعد عسكرية أجنبية في إريتريا”، لكنه لا يستبعد إمكان حدوثه مستقبلاً “في اعتقادي هو آخر الخيارات الممكنة بالنسبة للنظام الإريتري الذي لا يريد أن يذهب بعلاقته مع واشنطن إلى منطقة حرجة”، بخاصة في ظل الوضع الروسي الراهن في ما خص حرب أوكرانيا.
دراسة مطولة
بدوره، قدم أحمد عسكر الباحث المصري في مركز الأهرام للدراسات السياسية والعسكرية دراسة مطولة حول دوافع سعي موسكو لإقامة قاعدة عسكرية في إريتريا، مرجحاً أن تمثل مذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين “تمهيداً لإقامة قاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر قرب مضيق باب المندب” واصفاً الخطوة في حال تحققها بأنها تمثل هدفاً استراتيجياً “لطالما سعت إليه موسكو بشكل حثيث خلال السنوات الأخيرة لإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة لتحقيق غاياتها الجيوسياسية هناك”.
وقال عسكر، إن الخطوة سوف تحقق مكاسب متبادلة لكل من أسمرة وموسكو في مقدمتها تعزيز مكانة روسيا إقليمياً ودولياً، إضافة إلى أن وجودها في أحد أهم المضائق المائية الاستراتيجية سيمثل ورقة ضغط مهمة لمساومة الولايات المتحدة والغرب في بعض الملفات الشائكة، لا سيما ملف أوكرانيا، “فيما ستخفف الخطوة عن أسمرة حدة العزلة الدولية التي تعانيها، علاوة على تحقيقها حماية النظام السياسي الحاكم، وكذلك زيادة فرص تزودها بالسلاح الروسي وإعادة تأهيل الجيش الإريتري الخارج من حرب طاحنة في تيغراي”.
محمود أبو بكر صحافي مختص في شؤون القرن الافريقي
المصدر : الاندبندنت
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع |